كتبت – سماح عادل :
ارتبطت الرواية بصعود المجتمع الرأسمالي.. وكانت في الغرب مرتبطة بطموح الطبقة البرجوازية الناشئة وأحلامها الفردية في التحقق.. ثم ومع تكون المجتمع الرأسمالي بوحشيته أصبحت الرواية تعبيراً عن اغتراب الإنسان عن مجتمعه، وفقدانه الإحساس بذاته.. أما في منطقتنا العربية كانت نشأتها أقل بهاء لأنها ارتبطت بـ”انبهار” المثقفين بالمستعمر الغربي وتفوقه، وكانت إحدى وسائل تقليده.. حيث ارتبطت النهضة لدى المثقفين بكونها تقليداً لكل ما هو غربي، واقتباس كل مظاهر الحضارة الغربية.
بلدان عديدة في منطقة الشرق الأوسط نشأت لديها الرواية من قبل مثقفين اطلعوا على الأدب الغربي سواء الفرنسي أو البريطاني في ذلك الوقت، نتيجة لتعلمهم اللغات وحصولهم على قدر كبير من التعليم، وبالنسبة لدول المغرب فقد كان ظهور الرواية متأخر نسبياً.
في دراسة قصيرة نشرتها مؤخراً مجلة “المخبر”، أبحاث في اللغة والأدب الجزائري، للباحثة “د.مفقودة صالح”، أستاذ الأدب العربي في جامعة محمد خيضر بسكره، تكشف عن نشأة الرواية الفنية في أقطار “المغرب العربي” حديثة الظهور، بالرغم من وجود تراث سردي لدى هذه الشعوب تشترك في بعضه مع دول المشرق العربي، وتتميز في بعض آخر، وأنه رغم نشأة الرواية المتأخرة داخل أقطار المغرب العربي إلا أنها تطورت سريعاً، حيث أن فترة السبعينيات من القرن العشرين كانت فترة تشكل التجربة الروائية المغاربية، وحدث تطور فعلي في مجال السرديات إبداعاً ونقداً.
بداية الرواية التونسية
تبين الدراسة أن الرواية التونسية لها بدايتين، الأولى تتحدد زمنياً مع مطلع الأربعينيات من القرن الماضي، وتتمثل في أعمال الكاتب “محمود المسعدي”، حيث ظهرت له في تلك الفترة “أحاديث أبي هريرة”، ولكنها لم تنشر كاملة في شكل رواية إلا في عام 1973، وأيضاً كتابه “مولد النسيان” نشر في فصول عام 1945، لكنه لم ينشر في كتاب إلا في 1974. أما البداية الثانية للرواية التونسية فهي في نهاية الستينيات من خلال رواية “الدقلة في عراجينها” للبشير خريف، الذي يعد أبو الرواية التونسية الحديثة والمعاصرة.
وهناك أعمالاً سابقة في الظهور منها: نص “الهيفاء وسراج الليل” للمصلح صالح السويسي القيرواني، 1880 – 1940، ونص “الساحرة التونسية” لمحمد الصالح الرزق 1874 – 1939، ونص “نجاة” لمحمد رزق 1933. غير أن هذه النصوص تتسم بالطابع الوعظي، وكتابها كانوا في الغالب مصلحون اجتماعيون.
الرواية في المغرب الأقصى
تذكر الدراسة أن بعض الدراسين ارجعوا نشأة الرواية في المغرب بظهور رواية “الرحلة المراكشية” 1924 لعبد الله الموقت، والكتاب طبع في القاهرة.. لكنه عمل مليء بالتصنع اللفظي، والطابع التقريري وينقصه الخيال الفني، مما يجعله أقرب إلى أدب الرحلة، لذلك اعتبر آخرون أن بداية الرواية المغربية كانت في عام 1957 مع نص عبد المجيد بنجلون “في الطفولة”، وقبل هذا التاريخ ظهرت نماذج قصصية، وهي “غادة أصيلاً” و”الدمية الشقراء” لعبد العزيز بن عبد الله، و”الملكة خثانة” لآمنة اللوه عام 1954.
انطلقت الرواية المغربية في نشأتها من تناول موضوعين: السيرة الذاتية والرجوع إلى التاريخ.. وابتداء من مرحلة الستينيات عرفت الرواية المغربية تطوراً كماً وكيفاً وكانت النصوص مكتملة مثل: “ضحايا الحب” محمد بن تهامي 1963، “أمطار الرحمة” عبد الرحمن المرياني 1965، “سبعة أبواب” عبد الكريم غلاب 1965، “بوتقة الحياة” أحمد بكري السباعي 1966، “غداً تتبدل الأرض” فاطمة الراوي 1967، “دفنا الماضي” عبد الكريم غلاب 1965، “جيل الظمأ” محمد عبد العزيز الجباني 1967.
بداية الرواية في ليبيا
وفق الدراسة ظهرت الرواية في ليبيا مع بداية الستينيات، في “قصة أقوي من الحرب” 1962، و”حصار الكوف” 1964 لمحمد علي عمر، و”اعترافات انسان” لمحمد فريد سياله 1961، و”غروب بلا شروق” سعد محمد الغفير سالم 1968، والانطلاقة الحقيقية كانت في السبعينيات والثمانينيات.
الرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية
ركزت الدراسة على الرواية الجزائرية، وأكدت على أنها ارتبطت بالوضع السياسي والاجتماعي، مظهرة المقاومة المسلحة منذ احتلال فرنسا للجزائر، وكانت في شكل ثورات متتابعة منها ثورة الفلاحين 1871، وأحداث 8 آيار/مايو 1945، وثورة تشرين ثان/نوفمبر “1954 – 1962″، والرواية الجزائرية ارتبطت بهذه الثورات.
ظهرت أول بذرة قصصية بثورة الفلاحين، وهي “حكاية العشاق في الحب والاشتياق” لمحمد بن مصطفى إبراهيم، الذي صادر المستعمر أملاكه.. وكانت ثورة 8 آيار/مايو بمثابة تحول على الصعيدين السياسي والاجتماعي، حيث بلغ الشهداء في تصادمهم مع الاستعمار 45 ألف شهيد، وقد ظهرت وقتها نصوص “الطالب المنكوب” لعبد المجيد الشافعي 1951، و”الحريق” لنور بوجدرة 1957. فيما اعتبرت الدراسة رواية “غادة أم القري” 1943 للشهيد أحمد رضا حوحو هي الرواية التأسيسية في الأدب الجزائري، فقد انخرط في العمل السياسي والنضالي واستشهد 1956 وخلف نصوص، هي: “حمار الحكيم”، “نماذج بشرية”، “صاحبة الوحي”.
أهدى “رضا حوحو” روايته الأولى للمرأة الجزائرية قائلاً: “إلى تلك التي تعيش محرومة من نعمة الحب، من نعمة العلم، من نعمة الحرية، إلى المرأة الجزائرية أقدم هذه القصة تعزية وسلوى”.. وعالجت “غادة أم القرى” معاناة المرأة المحبوسة بين الجدران لسبب وحيد كونها أنثى، كانت البطلة تدعى زكية وتعيش في مكة، حيث عاش المؤلف فترة من الزمن بها، ورغم أنه سياسياً كان يحسب على التيار السلفي، وكان مناضلاً ضد الاستعمار يسعى لإحياء التراث الإسلامي في مواجهة تغريب الاستعمار وغزوه، إلا أنه دافع عن المرأة وحقوقها.
تكلمت الرواية عن مشاعر زكيه والتي تعتبر بطلة الرواية والصراع النفسي الذي وضعت فيه ما بين رغبتها في أن تحب بشكل طبيعي، والحصار الاجتماعي المفروض عليها، حتى أنها لا تستطيع أن ترى ابن خالتها أو تتحدث أمامه، ورغم ذلك أحبته وتمنت من داخلها أن تتزوجه دون أن تتجرأ على البوح بذلك لأحد، ثم تشاء الظروف أن يحبس جميل بسبب سعي أحد الأثرياء إلى تزويج ابنه من زكيه ويرفض والدها لأنها مخطوبة لابن خالتها، وتدور الرواية بعد ذلك حول مأساة تنتهي بموت جميل وزكية دون أن يجتمعان أو يعبران عن الحب المتبادل بينهما.
ارتبطت نشأة الرواية في منطقتنا بهموم المرأة وحقوقها، رغم أنها كانت تستخدم من قبل بعض المثقفين كوسيلة لمحاربة الاستعمار عن طريق التشديد على تدينها واحتجابها، وحمايتها من عري الغرب وخلاعته.