13 مارس، 2024 5:27 م
Search
Close this search box.

الأزمة تحرر البطل المهزوم .. “في غرفة العنكبوت”

Facebook
Twitter
LinkedIn

قراءة – سماح عادل :

كما بدأت الرواية في ميدان التحرير حيث “عبد العزيز” يمسك بيد “هاني محفوظ” انتهت الرواية بنفس المشهد.. وما بين المشهدين امتدت حكاية طويلة لبطل مهزوم.. اختار الروائي المصري “محمد عبد النبي” أن يبدأ السرد من الحدث الذروة الذي أوصل البطل إلى أقصى مراحل الصراع مع هويته الجنسية، ورفض المجتمع لها، حادثة “كوين بوت” التي قبض فيها على عدد كبير من الشباب بتهمة ارتكاب الفجور، تم احتجازه والتعامل معه بشكل وحشي، كما الباقيين ولم يستطع أن ينجو مثلما نجا صديقه عبد العزيز الذي دافع عنه أهله في شراسة، واضطر عبد العزيز إلى التخلي عنه بضغط من الأهل، ليجد هاني محفوظ نفسه متروك ومحتجز عدة أشهر في ظروف احتجاز غير إنسانية.. رصدت الرواية تفاصيل الاحتجاز، والمعاملة المهينة التي تعرض لها الشباب، بدءاً من انتهاك أجسادهم، وحتى تشويه سمعتهم، وتخريب حياتهم.

جمع البقايا.. بعد الاحتجاز

محمد عبد النبي

بعد تخطي تجربة الاحتجاز التي خلفت صدمة نفسيه أفقدته النطق، يحاول هاني محفوظ لملة شتات نفسه، يحاول تجميع بقاياه الممزقة من خلال كتابة حياته، يظل دفتره يلازمه يسجل فيه من البداية، وربما أبعد منها بدءاً من حكاية جده الذي ارتحل من قريته وعمل مع خياطة يهودية علمته فنون الحياة، مروراً بأبيه المستهتر الذي لم يكن يهمه سوى المخدرات وملاحقة النساء، وأمه التي كانت ممثلة مبتدئة ثم بعد وفاة والده استأنفت العمل لتصبح ممثلة مشهورة.. نشعر أن هاني محفوظ بعيد عن أهله.. هناك حواجز ساهمت في انعزاله، يعيش طوال حياته ممتلئاً بالوحدة.

 وحين يكتشف انجذابه الجنسي المثلي، يرفض قبوله.. يظل محملاً بالذنب، أكثر من كونه متفهماً له، يحاول طوال سنوات مراهقته وشبابه أن يستوعب هذا الميل، أن يتعايش معه لكنه يظل مأزوماً، خوفاً من وصمة المجتمع له، ينصاع لأمه ويتزوج من فتاة كانت تعمل لديه، وينجب طفلة يحاول خلال سنوات زواجه تناسي ميله والحياة وفق ما خططت له أمه، لكنه ودون استعداد يقع في غرام رجل آخر، تمنحه الصدفة له، يجد نفسه مشدوداً دون إرادة ثم تأتي حادثة احتجازه لتزيد عليه العبء فينهار تحت وطأة ثقله.

البحث عن المفقود

يساعده عجوز “البرنس” حنون.. يجد فيه الأب المفقود، لكن رغم أن الاحتجاز كان بداية كشفه، أمام المجتمع وزوجته، وسبب انهياره وخراب حياته بعد موت أمه الذي هزه أيضاً، إلا أنه أيضاً كان مخرجه للتحرر، عن طريق دفعه لأقصى مراحل الصراع، وكأن اشتداد الأزمة هي مفتاحها للحل، استطاع أخيراً بعد معاناة أن يتقبل نفسه، أن يخرج صوته المحبوس، ويتقبل الآخرين الذين رافقوه في الاحتجاز “كريم، وسكر” بل ويسعى ليكون عوناً لهم حينما احتاجوه.

ليس هو فقط من اختار طريق التحرر من وصمة المجتمع والعشيرة.. عبد العزيز أيضاً رفض خضوعه لمنطق المجتمع، واجه أهله “الذكور الأقوياء” بميوله، وتخلص من سطوتهم، لتنتهي الرواية بنفس المشهد لكنه هذه المرة مشهد يعبر عن قوة.. فقد استطاع عبد العزيز وهاني أن يقررا شكل حياتهما القادمة، ويسعيان لمساعدة كريم الذي جن بسبب اكتشاف إصابته بمرض خطير.

البطل الأساسي هو هاني محفوظ الذي تعمق السرد في هواجسه ومخاوفه، وكان رمز مخاوفه العنكبوت، الذي يرتضى وجوده مرة، ويخاف منه مرات، تدخل الرواية عالم المثليين المصريين المسكوت عنه.. وإن كنت أتمنى كقارئة أن ترصد شخصيات مثلية أخرى بنفس العمق الذي تناولت به هاني محفوظ، تتكلم عن مخاوف مثلي في مجتمع محافظ، ينكل بمن يجروء على المخالفة.

رواية “في غرفة العنكبوت” وصلت للقائمة القصيرة لجائزة الرواية العربية للعام 2017، محمد عبد النبي كاتب ومترجم مصري، ولد سنة ١٩٧٧م، و تخرَّج في جامعة الأزهر، كلية اللغات والترجمة، قسم اللغة الإنجليزية، أعماله “في الوصل والاحتراق” مجموعة قصصية 1999، “أطياف حبيسة” رواية قصيرة 2000، “وردة للخونة” مجموعة قصصية  2003، “بعد أن يخرج الأمير للصيد” متتالية قصصية 2008، و”شبح أنطون تشيخوف” متتالية قصصية في ٢٠٠٩، “كما يفعل السيل بقرية نائمة” متتالية قصصية ٢٠١٤.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب