خاص: إعداد- سماح عادل
الرسوم المتحركة هي عرض سريع لتتابع من الصور ثنائية البعد أو الصور ثلاثية الأبعاد لعمل إيحاء بالحركة، والتحريك هو خداع بصري للحركة، يحدث بسبب ظاهرة استمرار بقاء الرؤية ويمكن صنع وعرض الصور المتحركة بطرق متعددة. والطريقة الشائعة هي عرض الحركة كفيلم أو كفيديو. وهناك طرق أخرى متعددة لعرض الصور المتحركة مثل محاكاة الحركة التي تم إنشاؤها بواسطة عرض سلسلة من الصور أو الإطارات، والرسوم على التلفزيون هي مثال واحد من الرسوم المتحركة.
Animation هو التعبير المتفق عليه عالمياً على تسميت الرسوم المتحركة الآن، بعدما كانت قد اشتهرت باسم الـ”كارتون” في القرن العشرين.
البداية..
الإنسان منذ بدايته ولديه شغف بتوثيق قصصه وحكاياته واكتشافاته المختلفة عن طريق صور متسلسلة لو تم التدقيق فيها لوجد أنها تمثل شكل ما من الرسوم المتحركة، مثل بعض الرسوم في الكهوف التي ترجع للعصر الحجري والتي تصور حيوانات يتغير مكانها أو موضع قدمها بتتابع الرسومات، أو قطعة فخارية تم اكتشافها في إيران تعود لـحوالي 5200 سنة مضت مرسوم عليها خمسة صور متتالية لماعز يحاول القفز عالياً ليأكل من شجرة، أو متتابعة صور في مقبرة مصرية قديمة تعود لحوالي 4000 سنة مضت تصور مباراة مصارعة.
وليوناردو دافنشي له بعض رسومات لأجزاء الجسم البشري التي تشكل تتابعاً لصور متحركة،كل هذه الأمثلة لا يمكن اعتبارها رسوم متحركة ولكن هي إرهاصات لهذا الفن.
ألعاب..
في 1824 الانجليزي أعلن “بيتر مارك روجيت” نظريته “خاصية استمرارية الرؤية في العين” والتي تقول: أن العين تحتفظ بانطباع عن الصورة بعد زوالها لمدة 1/10 ثانية، فإذا تم عرض سلسلة متتابعة من الصور الثابتة لحظياً وكان هناك اختلاف بسيط في حركة الشخص أو الشيء المصور في أي صورة عن الصورة التي قبلها، فإن المتفرج يحس بأن الحركة متصلة وطبيعية, وذلك إذا تم اختيار السرعة المناسبة لتتابع الصور.
وتم ابتكار أجهزة متنوعة تعرض متتابعة صور بطريقة أو بأخرى لتصنع صورة متحركة، أجهزة صنعت للترفيه والإمتاع، أغلبها للاستخدام الفردي مما يجعلها أقرب لأن تكون “ألعاباً” من كونها آلات لعرض الصور المتحركة، ومعظم هذه الأجهزة ما يزال يصنع منها حتى الآن ليتعرف من خلالها الطلبة على أساسيات فن الرسوم المتحركة، مثل:
1- الفانوس السحري (The magic lantern) عام 1650: جهاز يعتبر النواة الأولية لجهاز البروجيكتور (Projector) الذي يُستخدم حالياً، وكان عبارة عن لوحة شفافة وشمعة أو أي مصدر ضوء زيتي وعدسة وغرفة مظلمة ويقوم الجهاز بعرض متتالية الصور على أي جدار مستوي.
2- تامتروب (Thaumatrope) عام 1824: لعبة شهيرة في القرن التاسع عشر للأطفال، عبارة عن قرص بوجهين على كل وجه صورة مختلفة، وجه تعلوه صورة أحد الحيوانات، ووجه تعلوه صورة لقفص فارغ، ومع تحريك خيط مربوط بالقرص يدور القرص حول محوره ليصنع صورة متحركة لدخول الحيوان قفصه والخروج منه مرة أخرى.
3- فيناكيستوسكوب (Phenakistoscope) عام 1831: يعتبر جهاز أولي لعرض الرسوم المتحركة تم اختراعه في عام 1831 بواسطة البلجيكي جوسيف بلاتو والنمساوي سيمون فون ستامفر، وهو يحتوي على قرص مرسوم عليه متسلسلة من الصور حول مركزه وعند دوران القرص تظهر حركة الصور فتحدث إحساساً بصرياً بصورة متحركة.
4- زويتروب (Zoetrope) عام 1834: جهاز وضع فكرته ويليام جورج هورنر، ويعمل بنفس مبادئ الـفيناكيستوسكوب (Phenakistoscope)، فكان عبارة عن جهاز أسطواني يدور ليعرض صور متسلسلة مرسومة حول محيطه الداخلي لتصنع عند رؤيتها من أحد فتحاته الخارجية صورة متحركة.
5- الكتاب المتقلب (Flip book) عام 1868: الكتاب ذو الصفحات المتقلبة السريعة التي تصنع إحساس الرسوم المتحركة يملك براءة اختراعه جون بارنس لينيت، وهو عبارة عن كتاب كل صفحة فيه ترسم فيها طور مختلف لحركة ما وعند تقليبه سريعاً يظهر الرسم المتحرك.
6- براكزينسكوب (Praxinoscope) عام 1877: وبالوصول للبراكزينسكوب نكون قد وصلنا لأول جهاز يعرض الرسوم المتحركة على شاشة، وتم ابتكاره في فرنسا بواسطة مدرس العلوم تشارلز إيملي رينود، وفي عام 1892 قام بعرض أول فيلم رسوم متحركة للعامة Pauvre Pierrot، وكان يتكون من 500 إطار من صور مرسومة بما يعادل 15 دقيقة، وفي عام 1900 بلغ عدد من حضروا هذه العروض 500 ألف شخص.
تم تسجيل أول محاولة لعمل فيلم رسوم متحركة، وهو الرسم المسحور عام 1900، وأخرجه “ج. ستيوارت بلاكتون”، ثم أتبعه بأول فيلم كارتون كامل أطوار فكاهية لوجوه طريفة عام 1906، وبسببه يعتبر الأب المؤسس للرسوم المتحركة الأمريكية، وفي أوروبا قام الفرنسي إميل كول بعمل أول فيلم كارتون هناك والذي عُرف بـFantasmagorie عام 1908، وكان هذا النوع من الأفلام الأولية يظهر بخلفية سوداء نتيجة رسم كل إطار ثم وضعه على شريط النيجاتيف السينمائي.
بعد ذلك طور رسام الكاريكاتير والصحفي “وينسور مكاي” على أعمال من سبقوه، وقام بتجميع فريق من الرسامين لعمل رسومات أكثر حيوية تتمتع بخلفيات وتفاصيل أكثر من تجارب السابقين، ونجح في إخراج ثلاثة أفلام كارتون ناجحة وهم “نيمو الصغير” عام 1911، و”الديناصور جريتي” عام 1914، و”غرق وستيانا” عام 1918.
أفلام الكارتون..
وفي تطور سريع خلال العقد الأول من القرن العشرين أصبحت هناك صناعة لأفلام الرسوم المتحركة وعرفت باسم بالـ”كارتون”، وكثر إنتاج الأفلام القصيرة وعرضها في صالات السينما وكان أكثر المنتجين نجاحاً في هذه الفترة هو “جون راندولف براي” والذي تعاون مع الرسام “إيرل هرد” ونسبت إليهم صناعة أفلام الكارتون الكلاسيكية.
وفي عام 1920 ابتكر “أوتو ميسمر” من استوديوهات “بات سوليفان” شخصية القط “فيلكس” وتم توزيع أفلامها بشكل ضخم، وجذبت الكثير من الجمهور وكان “فيلكس” أول كارتون يتم توزيعه تجارياً، وفي ألمانيا أيضاً ظهرت محاولة لعمل رسوم متحركة بواسطة “والتر رتمان” ولكن الرقابة النازية أوقفت تطور هذا الفن بعد 1933.
ديزني..
قام والت ديزني في 1923 بعد إفلاس أستوديو Laugh-O-Grams خاصته بفتح أستوديو جديد في لوس أنجلوس، كانت أول المشاريع لديزني سلسلة كارتون كوميديا أليس، وتتمحور حول فتاة حقيقية تتفاعل مع شخصيات رسوم متحركة، ولكن انطلاقة ديزني الحقيقية كانت بإنتاج أول فيلم كارتون يحتوي على صوت ليؤسس بذلك عصر جديد من أفلام الكارتون وكان هذا الفيلم باسم Steamboat Willie عام 1928 وهو الفيلم الثالث لشخصية “ميكي ماوس” الشهيرة.
تأسست ورنر بروذرز (Warner Brothers Animation) وفي عام 1930 وتعاملت “ورنر” بذكاء مع منافسها “والت ديزني” ففي الوقت الذي عرف فيه الجميع أن أفلام ديزني تخضع لتدقيق شديد من “والت ديزني” شخصياً في رسمها أتاحت “ورنر بروذرز” سقف أكبر من الحرية لفريق الرسامين لديها في إبداع الشخصيات الكارتونية وأخرجت للعالم سلسلة “لوني تونز”.
وفي 1932 تم إنتاج أول فيلم رسوم متحركة ملون، وكان من إنتاج “ديزني”، وهو فيلم “أزهار وأشجار” والذي فاز بالأوسكار، وفي وقت قصير أصبحت صناعة الأفلام الملونة هي الأساس، ولحقت “ورنر بروذر” بمنافستها في عام 1934 بأول فيلم ملون لها وهو “فندق شهر العسل”، ثم أدرك “والت ديزني” أنه آن الأوان أن يتم فصل الرسامين عن كتابة قصص الأفلام للتركيز على القصة أكثر وجعلها تحتوي على جرعة قيمة من المشاعر المختلفة والشخصيات المركبة أكثر، فقام بفصل الرسامين عن الكتاب بعمل قسم خاص للقصة، ونجح في إنتاج أول فيلم كارتون بشخصيات مركبة ومتطورة عمن سبقوه وهو “ثلاثة خنازير صغار”، وتميزت ديزني في هذه الفترة على أنها أقرب للأطفال بمضمونها الذي يداعبهم عن منافسيها “ورنر بروذرز” التي اكتسبت جانب أكثر عُنفاً.
واستمر ديزني في تفرده بإنتاجه فيلم “سنووايت والأقزام السبعة”في 1937، والذي يعد أول فيلم كارتون طويل باللغة الإنجليزية، رغم أنه قد سبقه سبعة أفلام طويلة أخرى من دول مختلفة، ولكن تميز فيلم “سنووايت” برسومات كارتونية يدوية على عكس الآخرين الذين استخدموا تقنيات أخرى، ومنذ نجاح “سنووايت” بدأ “ديزني” في إنتاج الأفلام الطويلة.
التليفزيون..
دخل التليفزيون الملون الحياة الأميركية في 1951، وفي 1958 أطلقت شركة “هانا بربرا” أول برنامج كارتون تليفزيوني بمدة نصف ساعة للحلقة، وفي عام 1960 أطلقت نفس الشركة مسلسل “عائلة فلينتستونز” الشهير ليكون أول مسلسل كارتون يُعرض في وقت الذروة، وهكذا استطاع التليفزيون أن يجذب اهتمام الجمهور بعيداً عن الكارتون المعروض في صالات السينما.
الكمبيوتر..
حين دخل الكمبيوتر عالم صناعة الرسوم المتحركة دخلت به حقبة جديدة وهي الأفلام المصنوعة بطريقة CGI أو رسومات الكمبيوتر (Computer-generated imagery)، وأخرجت استوديوهات شركة بيكسار أول فيلم كارتون طويل مصنوع بأكمله بالكمبيوتر وهو “حكاية لعبة” عام 1995، وتتطور تدخل الكمبيوتر في الرسوم المتحركة مما جعل أفلام الكارتون تنافس كأي فيلم سينمائي على اهتمام الجمهور ومن ثم شباك التذاكر وتحقيق إيرادات وأرباح تجارية كبيرة.
الرسوم اليابانية..
الدول الأخرى التي دخلت في هذه الصناعة بجانب أمريكا، الدول الأوروبية بما فيها دول أوروبا الشرقية والصين والهند وإيران والأرجنتين والبرازيل والمكسيك، ولكن أبرزهم وأكثرهم شراسة في منافسة الرسوم المتحركة الأميركية هي اليابان بكارتونها المميز الذي اشتهر باسم الأنمي.
أول الرسوم المتحركة اليابانية تعود إلى 1917، و استمرت الصناعة وازدهرت في الستينات على أعمال “أوسامو تيزوكا”، والذي قام بتحويل مجلات القصص المصورة اليابانية (المانجا) لأفلام كارتون بتقنياته وأسلوبه، والذي جعله يحصل على لقب “الأسطورة” أو “سيد الأنمي” .