خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في السابع من “آبان” بحسب التوقيت الإيراني، والذي وافق هذا العام الأحد 29 تشرين أول/أكتوبر، يحتفل الإيرانيون احتفال تقليدي بمناسبة ما يطلق عليه اسم “يوم الملك كوروش الكبير”، إلا أن هذا العام كان الوضع مختلف، فقد شددت السلطات الإيرانية من إجراءاتها لمنع الاحتفال.
ويجتمع الشباب الإيراني سنوياً حول قبر الملك “كوروش الأكبر”، الذي حكم الإمبراطورية الأخمينية في الفترة من 559 إلى 530 قبل الميلاد. ويقع القبر في مدينة كانت تعرف سابقاً باسم “باسارغاد”.
و”باسارغاد” تقع في محافظة فارس حالياً، وكانت أول عاصمة للأخمينيين في زمن مؤسسها “كوروش الكبير” أو (سايروس)، وتقع في منطقة “سعادة شهر”.
ومن آثار منطقة “باسارغاد” القديمة قصور وقبر “كوروش الكبير”، وهي موقع أثري مسجل لدى منظمة “اليونسكو” للتراث العالمي.
استنفار أمني..
هذا العام شهدت محافظة فارس، التي تنظم هذه الاحتفالية فيها، استنفاراً أمنياً شديداً، لمنع وصول الشبان الإيرانيين إلى قبر الملك “كوروش الكبير”.
قوات الحرس الثوري و”البسيج” وعناصر الأمن انتشرت بمحافظة فارس والمدن المجاورة لموقع “باسارغاد”، وفرضت سيطرة شديدة على الطرقات الواصلة بتلك المدن، حيث نصب عليها عدة أكمنة أمنية.
هددوا المواطنين لمنع المشاركة..
وكالة (مهر) الإيرانية قالت أن مديرية الوقاية من الجرائم، أرسلت رسالة صوتية تهدد المواطنين من المشاركة في الفاعلية كما حدث في العام الماضي، وجاء فيه: “منعًا من الملاحقة القضائية، وتسجيل سابقة جرمية عليكم، وحرمانكم من الحقوق الاجتماعية، تجنبوا المشاركة من جديد في الموقع يوم 29 تشرين أول/أكتوبر 2017”.
فرض الأحكام العسكرية..
وفقًا لبيان صادر عن “مجلس المعارضة الوطنية” في إيران، وخوفًا من حدوث مسيرات مماثلة هذا العام، لجأ النظام الإيراني إلى إرسال عدد كبير من قوات الأمن وقوات المناورة العسكرية، وأمر بالتدابير القمعية على نطاق واسع في مختلف المدن داخل مقاطعة “فارس”، جنوب وسط إيران.
كما قامت وحدات من “الحرس الثوري” الإيراني وشرطة الدولة، بفرض قانون الأحكام العسكرية الفعلية، وإغلاق جميع الطرق المؤدية إلى “باسارغاد”، حيث يقع ضريح “كوروش” أو “سايروس العظيم”.
إجراءات القمع..
أضاف بيان المعارضة: “إن الإجراءات المتخذة من السلطات لمنع الفاعلية تمثلت في نصب أكمنة مرورية منذ يوم الجمعة 27 تشرين أول/أكتوبر، على الطرق المؤدية إلى مدينة (شيراز) مركز محافظة (فارس)، وعدم السماح بمرور أي سيارة تحمل لوحات محافظة فارس”.
كما تم غلق طريق “أصفهان – شيراز” من قبل الدائرة العامة للطرق وبناء المدن؛ بذريعة إجراء تصليحات. وفي طريق “مرودشت ــ باسارغاد”، أقام الأمن نقاط تفتيش كل 20 كيلومتر. وتم التشديد على المخالفات المرورية الثانوية بهدف منع أكبر عدد من السيارات من الوصول إلى “باسارغاد”.
كما نصبت القوات الأمنية أسيجة من جميع النواحي قبل مقبرة “كوروش” بمسافة ثلاثة كيلومترات، حتي إذا نجح أحدهم في تخطي جميع المعوقات الأمنية للوصول إلى منطقة “باسارغاد”، فسيجدهم أمامه .
المحتفلون تحدوا جميع القيود..
شهود العيان قالوا إن الشرطة طاردت العائلات في متنزه “الهاشمي” بشارع “جمران” بمدينة “شيراز”، وصادروا هواتفهم النقالة، لمنع أي تجمع.
وعلى الرغم من كل التدابير التقييدية، شوهدت جموع غفيرة من الناس، في المركبات وعلى الأقدام، يتوجهون إلى “باسارغاد”، عبر مختلف الطرق وشهدت حركة المرور ازدحامًا شديدًا في جميع أنحاء المنطقة.
كما شهدت مقاطعات مختلفة من مدينة “شيراز” أيضًا مشاهد لحشود كبيرة توجهت إلى “باسارغاد”.
اعتقال المشاركين في الاحتفالية..
خلال احتفالية العام الماضي، التي وافقت يوم 28 تشرين أول/أكتوبر، اعتقلت السلطات الإيرانية القائمين على المسيرة.
ونقلت وكالة “فارس”، الإثنين 31 تشرين أول/أكتوبر، عن “علي صالحي” النائب العام في مدينة “شيراز” قوله، إن الأمن الإيراني اعتقل القائمين على هذا التجمع، الذي أطلق المشاركون فيه “شعارات غير لائقة” ضد قيم الجمهورية الإسلامية.
إدانات لشعارات المشاركين..
سبق لآية الله “نوري الهمداني” أن دان المسيرة بشدة، مشيراً إلى أن المشاركين فيها تجمعوا حول قبر “كوروش الكبير” ورددوا شعارات شبيهة بما يردد تقليدياً في المناسبات الرسمية بإيران عن المرشد الأعلى “علي خامنئي”.
وفي العام الماضي، بلغ عدد المشاركين في الاحتفال مستوى قياسياً، ما دفع بالكثيرين للدعوة إلى إعلان هذا اليوم عيداً رسمياً في إيران. بينما هاجم آخرون الشباب الذين شاركوا في المسيرة، إذ رددوا شعارات غير تقليدية على غرار “كوروش أبونا، إيران وطننا”.
صدمة لطهران..
شكل تجمع آلاف الإيرانيين صدمة لطهران، ما أثبت للعالم أن المجتمع الإيراني لا يزال مضطربًا، ويعارض النظام الحاكم بشدة.
وقبل احتفال العام الحالي بيومين، دعا النشطاء الإيرانيين، على شبكة الإنترنت، الشعب الإيراني بإحياء ذكرى الملك “كوروش” بالنشر تحت هاشتاغ “# کوروش_بزرگ، #CyrusDAY”، ونشروا الصور التي تظهر التشديدات الأمنية التي رافقت الاحتفال بالذكرى، ومن بينها انتشار مروحيات عسكرية في المنطقة لمراقبتها من الجو.
مخاوف من تكرار مسيرات 2009..
يخشى النظام الإيراني أن تشجع مثل تلك التجمعات على خروج مظاهرات معارضة.
وتوضح التدابير الجذرية التي يلجأ إليها النظام الإيراني، هي دليل على تشدد طهران المطلق إزاء أي تكرار ممكن للمسيرات المشابهة، التي حدثت في عام 2009، والتي هزت أركان الدولة.
إدارة “ترامب” تختلف عن “أوباما”..
على الرغم من أن طهران تنعمت على مدار ثماني سنوات بسياسة الرضى من الرئيس الأميركي السابق “باراك أوباما”، ما سمح للنظام أن يلجأ إلى حملة ثقيلة ووحشية ضد الجماهير. إلا أن الأمر مع الإدارة الجديدة في واشنطن مختلف تمامًا.
فقد قام وزير الخارجية الأميركي “ريكس تيليرسون”، بالتحدث عن الشعب الإيراني وحنينه للحرية في ثلاث مناسبات مختلفة. وقال خلال زيارته الأخيرة إلى الهند: “هناك مشاعر ومبادئ قوية داخل إيران بأننا نريد تشجيع الشعب الإيراني، وتمكينه من استعادة السيطرة على الحكومة في يوم ما”.
“ترامب” يدافع عن الشعب الإيراني..
من جانبه، أعرب الرئيس “دونالد ترامب”، مرتين، عن تضامنه مع الشعب الإيراني، واصفًا إياه بأنه أول ضحية لغضب النظام الحاكم.
وأثناء إعلانه عن استراتيجيته الجديدة تجاه إيران، قال “ترامب” في خطابه في الـ13 من تشرين أول/أكتوبر: “لقد دفع مواطنو إيران ثمنًا باهظًاً لعنف وتطرف قادتهم. ومنذ وقت طويل يتطلع الشعب الإيراني إلى الحرية، واستعادة فخر تاريخ بلدهم ثقافته وحضارته، والتعاون مع جيرانه”.
يستسهل فرض الأحكام العسكرية والطوارئ..
في هذا الشأن أوضح المتخصص في الشأن الإيراني، “د. محمد محسن أبو النور”، لـ(كتابات)، أن النظام الإيراني يقلق دائماً من أي تجمع بشري لاسيما تجمعات هذه الذكرى، خاصة وأنه دعت إليها الأطياف المجاهدة في الخارج مثل “مجاهدي خلق”، وعلي رضا علي “رضا بهلوي”، الذي طالب بخروج الإيرانيين، وبالتالي يعتبر أسهل حل هو اللجوء إلي منع المظاهرات بفرض الأحكام العسكرية وقانون الطوارئ.
يفتقد للحلول السياسية..
مشيراً “أبو النور” إلى أن النظام الإيراني الآن مفتقد للحلول السياسية، فأصبح يلقي بالعبء على المؤسسات الأمنية؛ لأنه لا توجد شخصية سياسية لها تأثير جماهيري، ورغم أن الرئيس الإيراني السابق “أحمدي نجاد” كان متشدداً؛ إلا أنه كان لديه رجال سياسيين لديهم القدرة على احتواء الشعب الإيراني على عكس الرئيس الحالي “حسن روحاني” الإصلاحي الذي لا يمتلك نفس الأدوات.
محاولات “نجاد” للتقرب من شعبه..
اتفق معه الكاتب “سعيد جعفر”، في أن الرئيس الإيراني السابق “محمود أحمدي نجاد” تنبه إلى شعبية هؤلاء الملوك بين الإيرانيين؛ وبدأ يبتعد تدريجياً عن وجهات نظره المحافظة باتجاه نزعات أكثر قومية.
وفي تصريح غير مسبوق٬ كتبه صديقه المقرب ومستشاره “اسفنديار رحيم مشائي”٬ وصف “أحمدي نجاد” أعمال “كوروش” بأنها استمرار لسيرة الأنبياء٬ مثيرًا بذلك انتقادات زملائه المحافظين الذين كانوا قد دعموه.
وقد قام “أحمدي نجاد” خلال شهر أيلول/سبتمبر من عام 2010، لأول مرة منذ الثورة الإسلامية عام 1979، بإزاحة الستار عن “أسطوانة كوروش” الشهيرة، التي تمت إعارتها للمتحف الوطني الإيراني لمدة 4 أشهر٬ مما أثار أيضاً الانتقادات.
وكان “مشائي”، أيضاً، حاضراً في حفل الافتتاح في المتحف، ولكن الجمهور الذي تواجد هناك لم يثق في صدق احترام “أحمدي نجاد” وصديقه “مشائي” لكوروش ولتراث إيران القديم.
فاعتبر العديد من الإيرانيين أن هذه الخطوات ليست سوى مناورات سياسية، ما أدى إلى إحباط مساعي الرجلين نسبياً.
أسباب إحياء ذكرى “الملك كوروش الكبير”..
الملك “كوروش” أرسى مبادئ ممتازة لحكم أول مملكة فارسية، يصفها المؤرخون بالمبادئ الأولى لميثاق حقوق الإنسان، وعثر على أسطوانة من الفخار تعود إلى عام 539 قبل الميلاد، منقوش عليها بالكتابة المسمارية بأمر من الملك الفارسي “كوروش” بعد أن استولى على مدينة بابل، ما ينص على حرية العبادة في مملكته الفارسية، وتسمح للسكان المهجرين بالعودة إلى أوطانهم.
ويزعم البعض أن “كوروش الكبير” هو “ذو القرنين”، الذي قال عنه القرآن الكريم إنه كان ملكاً صالحاً، آمن بالله، فمكّن الله له في الأرض.