16 نوفمبر، 2024 12:21 ص
Search
Close this search box.

التحقيق مع صدام

التحقيق مع صدام

المؤلف جون نيكسون
ترجمة وإعداد محمد حسن |
يقدم الكتاب صورة لصدام بعد اعتقاله وإيداعه السجن تحت حراسة الجيش الأميركي، وكان المؤلف أول من التقاه في السجن، وأجرى معه لقاءات مطولة تعطي صورة لحياة صدام وذهنيته، وهي صورة شخصية معقدة تتميز بسلوك عدواني وحشي، ونقدم في ما يلي بعض الفصول من الكتاب: (1)
المؤلف: جون نيكسون كان يعمل في منصب كبير محللي شخصيات الزعماء في الـ {سي – آي – إيه} في الفترة ما بين 1998 و2011، كما عمل خبيرا في تدريس الأجيال الجديدة في الوكالة في مجال تحليل الزعماء، وخبيراً في شركة دولية لتحليل المخاطر في أبوظبي.
انتهى بي الأمر للذهاب إلى العراق، عن طريق الصدفة نوعاً ما، وقد كنت أحب العمل في قضية العراق أثناء وظيفتي في «لانغلي» المقر الرئيسي للاستخبارات المركزية الأميركية، ولكن بعد مرور ثلاثة أعوام في مجال تحليل القيادة قمت فيها بدراسة صدام حسين، بت أدرك أنه لن يكون هناك توافق فيما بيني وبين رئيسي، وعندما تولت إدارة الرئيس بوش شؤون الحكم في يناير عام 2001، أدركت أنني بحاجة إلى تغيير، وبالتالي انتقلت إلى مكتب إيران، وثبت لي أن ذلك كان أمراً جيداً، فقد كان زملائي السابقون يتلقون سيلاً من الطلبات من الإدارة التي كانت تطلب معلومات تقود فقط إلى دعم أفكارها وتصوراتها المسبقة حول العراق وصدام، وقد تحوّل العمل في ملف العراق إلى كابوس.
وفي صيف عام 2003، وصلت توجيهات الى مكاتب الاستخبارات المركزية المختلفة تشير إلى الحاجة لوكلاء للعمل في العراق. والدفعة الأولى من المحللين كان العديد من أفرادها أمضى هناك فترة ثلاثة أو ستة اشهر، وقد انتهوا من مهامهم، وكانت رئاسة الوكالة ترغب في إحلال آخرين محلهم. وهو نسق ظل يتكرر خلال السبع سنوات التالية، وتطوعت للذهاب إلى هناك لأنني اعتقدت ان خبرتي كمحلل للقيادة ستكون مفيدة بالنسبة لي. وقيل لي ان تقديري هذا صحيح، ولكن في ذلك الوقت كانت هنالك حاجة لي للعمل في مطار بغداد لفحص الوثائق التي تم العثور عليها، والخاصة بأسلحة الدمار الشامل. ولم أصدق ذلك الأمر. فأنا لدي معرفة جيدة تماما بآليات النظام وفهم قضايا القيادة. فلماذا تم تعييني للعمل في المطار في قضية أسلحة الدمار الشامل؟ واتصلت بالمسؤولة عن توزيع المهام وذكرتها بخلفيتي، وسألتها إن كان هنالك خطأ ما. وأبلغت بأن كل الأمور درست بعناية وأنه لا يوجد أي خطأ.
وأبلغتني رئيسة مكتب تحليل الشرق الأدنى وجنوب آسيا ذات يوم انها طلبت شخصا آخر، ولكن لم تجد من يبدي التزاما للقيام بذلك. وقلت لها إنني على استعداد لأي مكان يحتاجونني فيه. وأبلغت بأن أكون مستعدا في نهاية اكتوبر من ذلك العام.

الاهتمام بصدام
ولعدة سنوات في وكالة الاستخبارات المركزية عشت وتنفست صدام حسين. وعندما كنت أذهب إلى السينما ويكون الفيلم سيئا، غالبا ما تجدني أرتب تلك المذكرات في ذهني. وفي بعض الأحيان أجد نفسي لا استطيع التفكير فيه. ولم أكن الوحيد هكذا، فقد كنت أعمل مع عدد من المهنيين الملتزمين في وكالة المخابرات المركزية ممن كانوا مهتمين مثلي بصدام حسين. واعتقد أنه مع مرور الوقت بعد حرب الخليج الأولى، وجفاف مصادر معلوماتنا، بدأ العديد من المحللين في قبول صورة كاريكاتورية مبتذلة لصدام كجزار شرير يجب ايقافه مهما كان الثمن. وعليه بات من الصعب النظر اليه نظرة تعاطف يمكن ان نرى عبرها أنه كان يواجه ضغوطا جمة ظلت تدفعه أحيانا لاتخاذ خطوات تعرضه للخطر مثل اضطهاده للشيعة ممن كان يعتقد بأنهم يقدمون المساعدة لإيران التي كانت في حرب مع العراق. وكان عليه الموازنة فيما بين الإدانات الدولية للطريقة التي عامل بها الشيعة في جنوب البلاد، وبين اعتقاده بأن العديدين في الجنوب عملاء لإيران.
صدام ولد في تكريت في عام 1937. ووالده توفي قبل ثلاثة أشهر من مولده، وتزوجت والدته شقيق والده بعد فترة قصيرة من مولد صدام. ولم يكن تمليذاً جيداً خلال فترة الدراسة، ولكنه كان ذكياً ذكاء فطرياً. ولقد ترك أسرته في أوائل شبابه وذهب إلى بغداد بحثاً عن الشهرة والثروة. وفي بغداد أقام عند خاله خيرالله طلفاح. وتزوج صدام ابنة خاله ساجدة. وقد أتاحت له علاقته بخاله الدخول في عالم السياسة المشحون بالمؤامرات في بغداد. وصلة صدام بالسياسات الثورية إبان الخمسينات تبدو غير واضحة المعالم. ويتذكره الناس بصلته بمحاولة الاغتيال الفاشلة ضد عبدالكريم قاسم في عام 1959. وقيل إن صدام أطلق الرصاص قبل الوقت المحدد لذلك. وقد أصيب أثناء تبادل إطلاق النار. ولكنه تمكن بالرغم من ذلك من الفرار من بغداد بالسباحة عبر نهر دجلة، وعاش بعدها فترة قضاها في الفرار من ملاحقة السلطات. وبعدها تابع صدام دراسته في القاهرة. وعند عودته ساعد في إقامة أول نظام بعثي في عام 1963. وقد ادعى بعض الخبراء في الشؤون العراقية ان وكالة الاستخبارات الأميركية قدمت المساعدة للانقلاب البعثي، ولكني لم أجد البتة أي دليل يثبت ذلك.
ولعدة سنوات ظل جزء مهم من العمل التحليلي لوكالة الاستخبارات الأميركية يهتم بجهاز صدام الأمني ودوائر المساعدين ممن يستخدمهم في الحماية لمواجهة أي خطر. ولقد قام زملائي في الوكالة شون وجيمي وكريس، بالإضافة إلى محللين آخرين بعمل مهم ومبتكر حول الحرس الخاص بصدام حسين الذي وظف جهازاً أمنياً ضخماً يضم 4500 عميل، ومكونا من عدة مستويات والمستوى الأعلى ضمن حراسه الشخصيين يطلق عليهم اسم المرافقين، وهم يسيطرون على معظم العمليات الأمنية ومعظمهم من تكريت، والعديد منهم من أقرباء صدام. وهم الأشخاص الوحيدون، بعد السكرتير الرئاسي عبدالحميد محمد التكريتي وقصي ابن صدام، من يعرفون مكان وجود الدكتاتور الذي يحرص على العزلة في كل الأوقات.
والحلقة الثانية هي مجموعة الحماية المسؤولة عن اصطحاب صدام في مناسبات ظهوره العامة، كما يقومون بدور الفريق المتقدم. والحلقتان الثالثة والرابعة تضمان مجموعة الحماية الخاصة والحرس الخاص، وتقيم هاتان المجموعتان سوراً أمنياً حوله، وعادة ما يعمل فيهما ضباط من مراتب دنيا، ومعظمهم جلبوا من جهاز الأمن الخاص، والحرس الجمهوري الخاص، وهما جهازان لديهما مسؤوليات أخرى بخلاف حماية صدام، والمرشحون للانضمام إلى الحرس الشخصي لصدام يتم اختيارهم بعناية بالغة من الأسر ذات النفوذ في محافظة صلاح الدين التي تقع فيها تكريت. ومعظم المجندين ينتمون إلى البيجات، وهي مجموعة من الأسر البارزة ممن يقيمون في تكريت وبلدة العوجة القريبة منها. ولكي يتم اختيار الشخص للعمل ضمن الحراس الشخصيين يجب أن يتم ترشيحه من قبل شخص من أفراد العشيرة، كما يجب أن يكون ذا سجل نظيف، ويتم إخضاعه لبحث دقيق لخلفيته، ولفحص أمني وأن يكون منتمياً لأسرة معروفة بولائها الثابت لصدام.
وأثناء توليه منصب الرئاسة قيد صدام اتصالاته الشخصية وحصرها ضمن مجموعة صغيرة من المساعدين المجربين، كما ظل يبتعد عن الظهور في العلن، ويقوم بإدارة أعماله في مواقع سرية، ويحرص على أن يتم فحص زواره بعناية ودقة.
وعندما كنا نحن المحللين في وكالة الاستخبارات الأميركية نقوم بدراسة احوال صدام عندما كان على رأس السلطة، ظللنا نراقب دوماً إمكانية قيام أحد المقربين منه بقيادة انقلاب ضده، وكنا نتوصل دوماً إلى انه من المستبعد قيام رفاقه بعض اليد التي كانت تكافئهم بأريحية.

عملية المطاردة
لقد وصلت إلى بغداد في شهر اكتوبر، والمجموعة من المحللين الجدد التي كنت ضمنها قدمت إليها معلومات موجزة في المطار، وبعدها نقلوا الى حافلات صغيرة اخذتنا الى المنطقة الخضراء، حيث يوجد القصر الجمهوري، وعند وصولنا الى تلك المنطقة التقيت شون الذي عمل معي في وكالة الاستخبارات الدفاعية قبل عملنا معاً في وكالة الاستخبارات الأميركية، وقام شون بتعريفي بالآخرين وشرعنا في عملنا، كما ابلغني بالمرحلة التي بلغتها عملية مطاردة صدام، وقدم لي قائمة بمجموعة من التقارير المهمة التي احتاجها لمواكبة ما يحدث.

سيل التقارير
التحدي الذي واجهناه لم يكن قلّة المعلومات، بل كثرتها، فقد كنا نواجه سيلاً من التقارير المفصلة التي كان علينا التثبت من محتواها، وذلك بالرغم من تأكدنا من صحتها، فقد قالت مصادر إن صدام في البصرة، وأنه فرّ إلى سوريا التي هرّب إليها اسلحة الدمار الشامل، وأنه كان يتخفى بارتداء ملابس نسائية، ويختبئ في محطة حافلات في بغداد، وكان المسؤولون عن الملف غالباً ما يأتون إلينا حاملين بعض التفاصيل التي تتعارض وما كنا نعرفه حول صدام، وفي أحد الأيام قال شخص من سلطة الائتلاف الانتقالية إن مترجم السلطة كان على تواصل مع طبيب صدام، وبالطبع كنا نود معرفة المزيد، وذهبنا إلى مكاتب السلطة في القصر الجمهوري وبدأنا البحث عن المترجم، وبعد مضي ساعات من ذلك وبعد تمكننا من الوصول إليه بدا عليه الشحوب لأنه أعتقد أننا سوف نعتقله، وأبلغناه أننا سمعنا أنه قد تكون لديه معلومات حول أحد أطباء صدام، وضحك وقال لنا إنه كان يقدم شهادته، وربما أشار إلى أنه يمكن لنا تعقّب صدام عن طريق معرفة الجهة التي توفر له الأدوية التي يحتاجها، وكان الرأي أننا إذا ما عثرنا على الطبيب التي يوفر الأدوية لصدام سوف نتمكن من الوصول إليه، ولسوء الحظ فإن ذلك لم يوصلنا إلى حلّ، ومثل هذه الأمور تحدث كل يوم ويؤدي ذلك إلى ضياع وقتنا، واستنزاف قوانا.

مكان اختبائه
كان يعمل معي مايك المحلّل في وكالة الأمن القومي الذي أعير للعمل في القيادة المركزية، ومايك يهتم اهتماماً بالغاً بصدام، وهو لديه كنز من المعلومات ويتميز بحسّ فكاهي، وفي نوفمبر 2003، ألتقينا ببعض من حراس صدام الشخصيين، ونقلناهم في حافلة صغيرة نوافذها مغطاة بالستائر، وأثناء تنقلنا عبر بغداد كان الحراس يشيرون إلى المساكن السرية التي كان يستخدمها صدام لقضاء ليلة واحدة، كما أبلغونا كيف أن كتيبة المشاة الرابعة الأميركية اقتربت من الوصول إلى مكان تواجد صدام، ولكنها توقفت قبل الوصول إلى المكان الذي يختبئ فيه، وربما كان السؤال الأكثر أهمية إلى جانب مكان اختبائه هو إذا ما كان على صلة مع حركة المقاومة المتنامية في العراق، وكان هذا الأمر يناقش كثيراً ضمن الهيئات الاستخبارية في العراق، فمعظم العسكريين وبعض مصادر السي ــ آي ــ إيه كانوا يشعرون أنه إذا ما تم اعتقال صدام، فإن المقاومة تكون قد فقدت رأسها المدبر، وقد حاول محللو الوكالة التهوين من أهمية تلك النظرية، لأننا لم نجد أي شيء يشير إلى ارتباط صدام بالمقاومة، بل على العكس من ذلك فإن الزرقاوي هو من كان يثير الاضطرابات ويحظى بتعاطف العديد من السنّة الغاضبين على برنامج سلطة الإئتلاف الانتقالية الداعي إلى اجتثاث البعث وازاحة الحزبيين والعسكريين من المشاركة في الحكم.

الوصول إلى صدام
عملت مع احد المسؤولين عن الملف، ويدعى ديف بي الذي يتمتع بفهم جيد للنظام، وهو يتحدث العربية بطلاقة. وكان قد تمكن من الوصول الى مسؤول سابق في النظام يدعى محمد، والذي كنا نعتقد انه قد يكون قادراً على مساعدتنا على الوصول الى صدام. واجتمعنا مع محمد عدة مرات قبل ليلة 13 ديسمبر الشهيرة. وقال إن صدام مختبئ في مكان قرب تكريت. وحتى يمكنه مساعدتنا في الوصول الى صدام، طلب محمد أن نزوده بالمال وسيارة، وقال إنه سوف يكون في تواصل معنا. وأهم ما قاله لم يتطرق اليه أحد من قبل، اذ قال إن الناس لم يعودوا قادرين على توفير الملاذ لصدام، ويريدون أن يستمروا في حياتهم اليومية. واتضح لنا أن صدام بدأ يفقد الدعم. وإنني الى اليوم أرى أنه لو أتيح لنا القليل من الوقت الاضافي، كان محمد سوف يقودنا الى صدام. غير ان الأمر الأكثر أهمية بروز بعض المؤشرات التي ستقود الى اكتشاف مخبأ صدام. وسواق صدام، الذي يمكن أن نطلق عليه اسم سمير كان في السجن عند قدومي للعراق. وقمت ومعي شون بالتحقيق معه في اوائل نوفمبر لمعرفة اذا ما كان في مقدورنا الحصول على أية معلومات حول مكان اختباء صدام. وقال سمير إنه ترك صدام بعد وقت قصير من فراره من بغداد، وإنه فقد الاتصال به بعد ذلك. وسمير شاب نحيف لا يبدو بأنه احد حراس صدام، ولكنه كان يحظى بثقة الرئيس العراقي ومفضلا في أوساط مجموعة الحماية.
وكانت أول مرة أراه فيها كان على شاشة قناة سي ان ان الأخبارية بعد سقوط النظام، وكان صدام يتجول في شوارع بغداد يودع الناس من على سقف سيارة، وعند ركوبه السيارة كان سمير يجلس خلف عجلة القيادة.
وخلال حديثنا مع سمير عرفنا الكثير عن صدام خلال الايام الاولى من فترة فراره. فخلال إحدى الليالي الاولى بعد مغادرته بغداد أوقف سمير السيارة امام احد البيوت، وطلب منه صدام ان يسأل ان كان اصحاب البيت يمكن ان يستضيفوه ومرافقيه لقضاء الليلة. وفتحت الباب امرأة مسنة، ورفضت الاستجابة للطلب. وعندما اشار سمير الى ان الرئيس يطلب فقط مكانا لقضاء الليل، عاتبت المرأة سمير لمجيئه في وقت غير مناسب لاستقبال الزوار. ووفقاً لسمير فان صدام اعجبه التزام المرأة بمسألة المواعيد.

إلى الرمادي مع ولديه
وبعدها، ذهب صدام إلى الرمادي مع ولديه عدي وقصي، والسكرتير الرئاسي عبد حميد محمود التكريتي. وتوجه سمير الى مسكن اسرة سنية بارزة مؤيدة لصدام. ولجأت المجموعة الى ذلك المسكن، وظلت فيه لعدة أيام، وانتقل منه صدام عندما اصاب صاروخ كروز مسكنا قريبا للغاية من المبنى الذي كان يقيم فيه.وانتقلت مجموعة صدام الى الشمال نحو تكريت. وبعد يوم او يومين من السفر قرر صدام أنه من الافضل اذا ما تفرق اعضاء المجموعة. وتوجه عدي وقصي وعابد وآخرون نحو الحدود السورية طلبا للجوء. وقد كان ذلك امراً لافتاً بالنسبة للعديدين ضمن جهاز الاستخبارات ممن كانوا يعتقدون ان قصي وعدي كانا يكره أحدهما الآخر. ويقال ان عدي كان يشعر بالغيرة لبروزه كولي للعهد، ويعتقد ان قصي كان يتجسس عليه، وينقل معلومات عنه لصدام. وكان عدي في عام 2003 يعاني من اعاقة بسبب الجروح التي اصيب بها في محاولة اغتيال تعرض لها في عام 1996، كما انه كان يعاني من ادمانه على العقاقير. وكان في مقدور قصي ان يتركه ويحاول النجاة بنفسه وبابنه مصطفى. غير ان قصي وقف الى جانب شقيقه، وقد تم اغتيالهم الثلاثة على يد القوات الاميركية في مسكن لاحد الشيوخ في الموصل في 22 يوليو عام 2003.

فرار عشوائي
وقد أثارت الطبيعة العشوائية لفرار المجموعة استغراب المحللين، إذ لم تكن هناك خطة رئيسية، ولا طرقات وممرات سرية إلى مطارات خاصة، ولا طائرات في الانتظار لنقل الرئيس العراقي إلى بر السلام ولملاذ آمن، وبدا الأمر وكأن صدام كان يعتقد إنه إذا لم تكن هنالك خطة، فإن أعداءه لن يعرفوا كيف يتصرفون وأين يبحثون عنه، وأن أصدقاءه لا يمكنهم خيانته، وكان صدام محقاً في ذلك على الأقل عند هروبه من بغداد.
وقد أبلغنا سمير إنه ترك صدام وفارقه قرب تكريت، ووعده بأن يعود إليه، وكان طبق صدام المفضل هو المسقوف المعد من السمك المشوي، وقال لنا سمير إن صدام يتميز ببنيه قوية، وإنه عندما تجد أن الجميع يشعرون بالتعب فإن طاقة صدام لا حدود لها، كما قال أيضاً إنه يرغب في أن يرى زوجته وأبناءه مرة أخرى.
وفي واقع الأمر فإن سمير كان يعرف تماماً مكان تواجد صدام، ففي مزرعة تكريت التي فرّ إليها صدام كان هناك شخص يقوم بالإشراف عليها مع زوجته وشاب صغير آخر، وقد اكتشفنا في وقت لاحق أن الشاب صديق مقرب من سمير، وكان سمير يكذب، ولا يوجد أي شيء يجعله يكشف عن المعلومات التي نحتاج إليها حتى مبلغ الخمسة ملايين دولار المعروضة كمكافأة، ولا الوعد بأن المساعدة التي يقدمها سوف يكون لها مقابل مجز، ولم تنجح جهودنا لأن سمير كان يحب صدام ويخشاه ويخاف مما قد يحدث له ولأسرته إذا ما عرف صدام الذي كان ما زال طليقاً بأنه قدم معلومات عن مكان اختبائه، غير أن سمير خضع لاختبار جهاز الكشف عن الكذب، ونجح في الاختبار، وقال جيم الذي يشرف على الجهاز «اعتقد فعلاً أنه يقول الحقيقة».

الفرار من بغداد
وعندما سألت صدام في وقت لاحق عن سبب رفضه الإجابة عن أسئلتنا حول المساعدة التي تلقاها بعد فراره من بغداد، أصرّ على القول إنه لم يفرّ البتة، بل قال إنه غيرّ فقط مكان وجوده، وذلك حتى يتمكن من مقاومة الاحتلال، وعندما سألته عن سبب عدم مناقشة موضوع من ساعدوه، أجاب «هؤلاء أصدقائي لماذا أقول لك وأعرضهم للخطر؟ وبالإضافة إلى ذلك فإنني قد أحتاج إليهم مرة أخرى يوماً ماَ»!
واستغربت إنه ما زال يرى أن هنالك مخرجا من مأزقه، وكان يعاني من الوهم، ولكنه كان أيضاً ما زال موالياً بشدة لمن كانوا موالين له.

اغتيال الحكيم
قبل وصولي وقعت حادثة اغتيال السيد محمد باقر الحكيم في اغسطس التي احدثت تأثيراً عميقاً في دواخلي. وكان السيد الحكيم قد عاد من المنفى في ايران قبل اشهر من ذلك. وكنت قد كتبت مذكرة حوله للوكالة. وهو قائد ذو شخصية كارزمية كان قد أسس المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق إبان الثمانينات. وكان احد طلاب السيد محمد باقر الصدر الذي اعدمه صدام في عام 1980. وهو والد زوجة السيد مقتدى الصدر، والقنبلة التي ادت الى مقتل الحكيم اثناء خروجه من المسجد في النجف اودت بحياة أربعة وثمانين شخصاً آخرين، من بينهم خمسة عشر من حراسه الشخصيين، وقد اتهمت جماعة ابو مصعب الزرقاوي بارتكاب تلك الجريمة، اذ انه قبل أسبوعين فقط من ذلك ضربت مجموعة انتحارية تابعة للزرقاوي مقر الأمم المتحدة في فندق القنال في بغداد، مما أدى إلى مقتل اثنين وعشرين شخصاً، وقد أدى ذلك إلى تأجيج أوار الحرب أكثر من ذي قبل.
المصدر/ القبس

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة