12 نوفمبر، 2024 9:05 ص
Search
Close this search box.

أُفق التحديث الشعري لدى محمود درويش

أُفق التحديث الشعري لدى محمود درويش

كتبنصير الشيخ

شاعر وناقد عراقي

“قراءة في التجربة الشعرية – محمود درويش أنموذجا ”

* الإبداع حركة متواصلة، ومؤشر تصاعدي في المسيرة التاريخية للشاعر، واستمراريته في إثبات وجوده بوصفه صوتا فاعلا وحيا.. لذا لابد من إعادة النظر مجددا في المسيرة الشخصية على دروب الكتابة والبحث عن آليات أكثر جدة وطرائق أكثر حداثة للتعبير والقدرة على استيعاب روح العصر.. ذلك أن اللغة في مستواها اليومي تفتقر إلى التناسب الكامل وتتسم بتلقائية، لا يمكن التغلب عليها إلا بالإخلاص الفني والمعاودة بأن يقف الشاعر عند كل مرحلة ليرى ما أنجزه محتكما فيه لشعوره الخاص..

* عوالم الشعر تقودنا إلى الاقتراب من تجربة شعرية ريادية، حفرت أسمها وعنوان منجزها من خلال رؤاها المتجددة وتحولات مناطقها الشعرية، ممازجة بين الواقعي/ الحسي، والصوري/ الذهني.. وهي تقرأ التاريخ كـ/ واقعة /خارجةعنه كـ/ أثر / إبداعي يستشرف المستقبل.

إنها تجربة الشاعر العربي الكبير ((محمود درويش))، الحاضر في ورقتي هذه، مسلطا الضوء فيها على(أفق التحديث الشعري) لديه، متخذا من (( مقولاته وآراءه )) المنشورة محورا لـ (( استنطاق حواري )) بغية رصد وتحليل تطور التجربة الشعرية لديه، هذه الورقة اعتمدت ما توافر من مصادر في مكتبتي الشخصية اعتمدتها ها هنا وهي مجموعة من حوارات صحفية أجريت مع الشاعر، بعد أن درجت الدراسات النقدية تحليل نصوصه الشعرية..

للوصول إلى عتبات التحديث الشعري لمحمود درويش، لابد من معرفة مفهوم الشعر.. هذا المفهوم الملمح البارز والمؤثر في تجربته، إذ تتزاحم عليه تأثيرات الداخل والخارج، فمنذ صدور ديوانه ((عاشق من فلسطين)) عام 1966م ، والذي كان للتجربة النضالية أثر كبير فيه متزامنا مع تطور التعبير الفني، نكاد نلمس تعريفا أوليا للشعر (( وسنعرف الآن أن الشعر هو رؤية ثورية للحاضر ورؤيا للمستقبل.. لماذا نكتب..؟ لأننا جديرون بانتمائنا للحياة ومحتاجون إلى الإحساس الدائم بهذه الجدارة)).

قطعا، إن هذا هو ليس تعريفا نظريا للشعر كفن.. لكنه واقع التجربة الحياتية المعاشة في بواكيرها.. والتي يشدد فيها على إن الحياة جديرة بأن تعاش، والشعر هو أحد الأدوار أو– الأقدار فيما بعد– التي ينبغي أن يبقي شعله الإحساس لدى المرء بأن يحيا..

إن القدرة الذاتية التي يمتلكها للانعتاق من أطر التعبير الشعائري عبر توجهاته المستمرة لخلق صيغ تعبيرية مغايرة تنعطف بالمنحى النضالي المرتبط به كـ (( أيدلوجيا )) ومحاولته الدائمة للوصول إلى طرق تستوعب حلم الذات وهمومها من جهة وثقل القضية وإشكالاتها من جهة ثانية، وبمستوى واحد وبمنظور شعري مقتدر على جعل الكلام المنظوم حلقة تواصلية بين الشاعر والجماهير..

وشيئا فشيئا تسفر خطواته المحسوبة عن ملامح التحول الرؤيوي.. ((وهكذا أرى أني خطوت خطوة نحو المزج بين الأشياء، مما استدعى صيغة أكثر مرونة تتسع لحركة المزج، أسفرت عن إنزال ضربة غير مقصودة لذاتها، ببناء القصيدة الكلاسيكي، وقد حدث ذلك بما يشبه التلقائية.. إذ لا خيار لك وسط هذه الحركات والرموز في أن تقرر شكلا فالعملية هنا هي أخذت إطارها وشكلها )).

هذا التنصيص يشي بمدى المعرفيات واكتساب الثقافات الأخرى في إنضاج رؤاه وابتكار أشكاله التعبيرية وهندسة القصيدة وفق معمار بناني وفني معاصر. ويشي كذلك بتنافذ تجربته مع تجارب الشعراء في مختلف حقول اشتغالاتهم، ومن ثم صنع مكانة متمايزة لإنماء هذا التغاير في شكل القصيدة المكتوبة ومضامينها. ومن ثم فتح منافذ أكثر سعة لاستيعاب المد العاطفي الذي يشحن القصيدة لديه، متخلصا شيئا فشيئا من ضغط القوالب الشعرية التقليدية وبتلقائية تشدها موهبة تنماز إلى تشوفات أكثر جدة على وفق ما اسماه ((حركات ورموز)) حورت ذاته من الداخل فـ ( قررت شكلها الشعري) الذي يستوعب روح العصر ومعطيات المستقبل.. ضاربا برموزه وحركاته في الأصقاع البعيدة للذات الحالمة أبدا برؤية ما لا يرى.

والشاعر الذي يستشرف رؤى المستقبل متبصرا فيه، لا محالة تتشربه نسوغ الماضي في استقرائه الإرث الإنساني الكبير والتحولات التاريخية التي حدثت والتي هي بلا شك أمدته بهذه الطاقة الكتابية التي أفرزت حضورها المتفرد.. (( وأنا شخصيا اشعر أن تأثير اللغة العبرية عليّ قادم من منطقة بعيدة في التاريخ هي منطقة التوراة  ولهذا فأنا لا أخشى التوراة كأثر أدبي، وإن كنت أرفضها كتعاليم !! لأن فيها فصولا مغرقة في العنصرية، أما من الناحية الثانية فتحتوي على صفحات مشرقة ومغرقة في الشاعرية والبناء الأسطوري والملحمي.. إنني أشارك ناظم حكمت الرأي.. بان نشيد الأناشيد هو أعظم كتاب حب في تاريخ الشعر..))

البحث عن نمط جديد للكتابة الشعرية، حركته الدؤوب لتشكلات تعد فيما بعد تحولا فنيا ورؤيويا في صياغة القصيدة، بعد أن بدا واضحا إن هناك محاولات للمزاوجة بين الجملة الشعرية التي تعتمد التفعيلة والجملة النثرية التي أعطته حرية التعبير الفني عبر تخليق الحس الدرامي وتصاعد نفس السرد لموضوعته الشعرية.. واجدا في استطالة الجملة النثرية إعلانا عما يمكن البوح به بصيغٍ بالغة التأثير في عملية الكتابة الشعرية.. فهي استعانت بالوثيقة والإعلان عن تفاصيل حياة تخص المرموز إليه، بدلا من اللغة الخطابية العالية المحملة على جملة شعرية تقف عند محدداتها في البحر الشعري والوزن الموسيقي المتعارف عليه. إنها قابلية انفتاح وجودي للشاعر على اقانيم تستوعب معطى الحس والشعور والرؤى مجتمعة لبلوغ غايات الشعر الجمالية، دون تحديده– أي الحس الشعري– في أطر ضيقة تختص منه بمهمة التعبير المباشر عن آمال والآم الجماهير وتطلعاتها… ((كنت شديد الحماس إلى عدم التنازل عن التفعيلة، ولكن إيماننا بالحداثة، وقبولنا التنازل عن القافية ووحدة السطر قد يجرنا إلى التنازل عن التفعيلة أيضا.. لأن كل مبررات الشعر الحديث إذا سرنا بها حتى النهاية قد توصلنا إلى اكتشاف عدم وجود قواعد ثابتة للشعر.. وذلك إن إيماننا بأن الشعر ليس بناءا لغويا فقط ، وليس قاعدة معتمدة.. وإنما هو حالة شعرية، والحالة الشعرية قد يكون أحسن وسائل التعبير عنها كلمات لا تفعيلة لها)).

هل وصل محمود درويش إلى مفترق طرق..؟

هل انتابه الإحساس العاصف أنه واقع بين المطرقة والسندان..؟

ذلك أنه في صلب جدلية الكتابة ومنظوراتها المعاصرة ومفاهيمها النقدية المتلاحقة.

ذات شاعرة/ مكابدات ورغبات ووحشة وأمل..

وذات – موضوع / تتلبسها المنظورات الثورية في أطرها النضالية (مركز حضورها الإعلامي قابلية تأثيره كشاعر في الخط العام للجماهير تحت ضغط صفة / شاعر المقاومة الفلسطينية).

دعنا نستعير هنا تنصيصا مؤثرا للناقد الانجليزي المعروف ((ريتشاردز)) فيه: (أن الكثير مما يمكن أداؤه بنجاح في الشعر يكون معيبا لو جاء نثرا، لأنه حينئذ يكون مفرطا في الذاتية والانفعال، باعثاً على الأفكار والظنون الدخيلة. وحينما يصل الكلام إلى أقصى درجات الدقة والصعوبة حينئذ يصبح الوزن الوسيلة الحتمية الوحيدة).

قراءة فاحصة وتصاعدية لتطور التجربة الكتابية لديه بشقيها (الشعري/ دواوين الشعر. والنثري/ مقالاته وكتاباته النثرية) ستدلنا بلا شك إلى تلون أساليبه الكتابية واختيار لغته الشعرية المشبعة بغنائية مكثفة، مقصيا شيئا فشيئا ذلك الصراخ، مهدأً من روع قصائده الخطابية المعبأة لحركة الشارع العربي.. بل اننا نجد إن الموضوع الفلسطيني لديه قدتحول من موضوع شعري حماسي إلى صوغ جديد يحتفي بالجوهري والعميق مُسقطاً العابر والهامشي إلى حد كبير. ذلك أنه قد اطمأن إلى حدود تعبير لغته، هذه اللغة التي تشكل مشهديتها في إطار زمني شديد المرونة ليتشكل المكان الذي هو أصل القضية.

لغته، التي قد تنفصل أحيانا عن ذبذبات اللحظة السياسية المعبر عنها.. ((إنني لم انفصل أبدا عن صوتي، أي عن المغني الأول في– وتوصلت إلى مفهومي الشعري، وهو أن الشعر لا يستطيع أن يكون ذاته، وإن يكون علاقته بالذائقة العامة إلا إذا حافظ على أحد مستوياته الأساسية– ألا وهو: الغناء.. وأنا منحاز إليه في الشعر أكثر مني في التجريب.. وأرى أننا لم نقدم حتى الآن بديلا مبررا عن الغنائية على مستويين: مستوى جمالي، ومستوى العلاقة بالجمهور)).

تدلنا المفهومات النقدية على أن الفن ليس عملا سائبا وإنما هو تركيب قصدي مخطط له ويشترك فيه جانبا الذاكرة/ الواعي وغير الواعي.. لذا يكون لانفتاح الذات الشاعرة على أفاق أبعد ورؤى أكثر أصالة هو ثراء معنوي لإمداد التجربة الشعرية بنسوغ شفيفة وأناقة متجددة وتراكيب أكثر إبهارا وبما يؤسس أسلوبيته الخاصة والمتفردة والتي تسّم هذه التجربة بالامتياز والحداثة على مر التحولات التاريخية والثقافية في حقل جماليات الفن .

إن تطور التجربة في أحد أقاليمها يعني قدرة الشاعر على امتلاك أدواته، مخيلة مبتكرة وناشطة وسعي حثيث لاكتشاف الأشياء وجوهرها والأبعاد وعوالمها، وتشرب مفهومات العصر وطروحاته وتمثيلها لغويا وبصياغات تبتكر المدهش في تجسيد الهوة بين بلاغة الكلام وروح المتلقي.. (الطاقة التعبيرية المحمولة على الكثافة اللغوية ببساطتها وغرابتها، تترك أثرا عميقا في ذات المتلقي لأن الحجاب الكثيف الماثل أمام عامة الناس لا يبدو إلا غلالة رقيقة وشفافة أمام الشاعر والفنان).. وهنا تتجسد تماسات الشاعر مع الأخر في محيط العاطفة الإنسانية وتتجلى هذه في موضوعه مثل اليأس الذي يزحف على ملفات القضية الفلسطينية، ويجعل منها إشكالية تاريخية خارج حدود الحس الإنساني الذي يؤمن بالتعايش السلمي واحترام العقائد والأديان، بل ويمس أيضا روح الشاعر ويسكب عليها خيباته وانكساراته..

والأمل، الايماضة القريبة البعيدة التي تسكن هناك في الأعماق والتي تجدد قشرتها باستمرار.. (( قوة الأمل لا تتأتى دائما من قوة التعبير عن نهاية متفائلة لمجزرة إنسانية: إن قوة الحزن، وحتى قوة اليأس إن عبر عنها بإبداع تخلق أملا, وهو أمل القدرة البشرية على الإبداع, أي أن الأمل أو اليأس يأتي من قوة البرهنة على الطاقة الإبداعية لدى الإنسان.. ففي اليأس أحيانا قوة أمل…)).

وهكذا، تبدو للدارس أن مهمة محمود درويش قاسية، تمثلت في واحد من وجوهها… انسحاب الذات الشاعرة من مسرح النشيد العالي– الخطابية، إلى جوانية التعبير– البوح الشعري في أبهى تجلياته… هذا الانسحاب أخذ إبعاده الزمكانية خلال تطور التجربة الشعرية لديه فهو مثل ((نرسيس)) رأى وجهه في صفاء ماء البركة (الروح في أقاصيها) وعمل كحطاب شذّب أغصانها واقتص منها اليبوسة.. وأنكب فيما بعد يقرأ تجلياتها حد أن وطأت إحساساته منطقة الوجد التي افتقدها في خطوات تجربته الأولى..

وبدا له التأمل في الذات والأشياء والعالم صيرورة متحولة لاكتشاف أسرار بروق الشعر وغاية تضمه في أهابها . (( كل كاتب منعزل بالضرورة. وهذا ما يسمح لتامل واع لنتاجه الإبداعي، وقدرة في إعادة تقييم المنجز وفق تطوراته وصيغ تعبيره. إذ مهما بلغت مهمة الشاعر– وظيفيا– فإنه لا محالة عائد إلى ذات المعترك والبوتقة)).

هل نحن إزاء لحظة انعتاق وجودي.. أم عاطفي..؟

هل كانت ذاته منطلقا إلى العالم، سببها معاناة الآخر وضغطها الأيدلوجي..؟

واحدة من مهماته الإجرائية التي جددت نسوغها الشعرية واستفزت مكانتها الإبداعية باحثة عن فضاءات وأخيلة لتخليق نصها غير المعهود ، تمثلت في إقصاء الغنائية العالية المرافقة له. المتواجدة على كثرتها في قصائده التي تضمها دواوينه الصادرة آنذاك.غنائية كانت تأخذ من البحر الشعري التقليدي موسيقاه الخارجية ترجع عندها صدى لا يترك أثرا تأمليا على مدارج روح الشعر وتوقه لسماع موسيقى الأفكار وإيقاع الوجود المتناغم…

(( في إثناء العملية الشعرية وفي قصائدي الأخيرة.. أخذ عقلي يحارب الانسياق وراء الدفق الموسيقي الغنائي المبالغ فيه..  أي إنني أجزُ الانسياق وراء الغناء. بحيث لا يكون قائدها بل عنصر من عناصرها)).

في مختبره الكتابي، حيث الأفكار على المنضدة تشاركه فنجان قهوته، مجسات الشاعر تمد شبكة تردداتها، يعكف على قراءة قاموسه، ويكيل مقادير معرفية لتنشيط لغته، وبعث أحاسيس تخلق ما هو مدهش من صور ومشاهد وصياغات.. ((أنا مشغول في اللغة، وفي تطوري الشعري، لكن النقد المسبق الذي يعبر عنه، ويعتبر أن أي جمال تعبيري مضاد للثورة..! وان أي تعبير عن عزلة إنسانية.. أو عن عزلة المبدع في علاقته بالمجتمع يعتبر ردة سياسية…! ليس مطلوبا أبدا أن يبقى الكاتب هاويا إلى الأبد.. نحتاج إلى ثورية في علاقتنا باللغة وبالتراث تضاهي الثورية المبذولة لتغيير الواقع)).

الشاعر يحمل كونا في داخله.. وعلى عاتقه تنعقد بناءات جمال العالم.. لكنه في عزلته يبدو وحيدا، بل أكثر وحدة وغرابة، احتدام يكشف كل البواعث والخواطر المسفوكة على جسد الشعر.. وأسئلة تذبح أناه عند وريد الموت.. وأشرعة من قلق تضرب بعمق حافات قلبه التي تعتصره نوبات الألم.. والندم.. إنه جمع مصائر حيوات العالم وهي بمواجهة تهديدها الانطلوجي.. (( إن سبب انكبابي على الكتابة، لأنني أسرق الكتابة من الموت.. وإن أعوض عن كل ما فاتها من وقت ضائع.. إنني أكتب لأنني سأموت…)).

التوهج التعبيري الذي بودقته الذات الشاعرة المخلقة لنصوصها المبدعة على وفق صياغات مرمزة وبأنساق حداثية تستوعب متغيرات العقل النقدي وحفريات اللغة وخروجها من تداوليتها إلى سمت الفكرة المنحوتة معمقةً في نفس الوقت موقف الشاعر من متغيرات عصره.. ثقافة ولغة وانفتاحا فكريا وفلسفيا وجماليا تضعهُ على الدوام في قلب تحولات العالم وقفزاته            الهائلة، أي أن تصبح الكتابة حالة شعورية تنهرس في خضمها التجارب والمشاهدات والأفكار والفلسفات، طاردة أجنحة العاطفة ((السنتمنتالية)) إلى خارج حدودها، ((إننا نفتقد دائما إلى الاحتراف , كنا دائما نسرق الوقت كي نكتب.. نحن العرب نتصرف أيضا مع الأدب كهواية، لأننا مسكونون بوعي قديم إن الشعر الهام. وما دام إلهاما فلا شأن لنا به.. هو يأتي أولا يأتي.. على الأديب العربي أن يصرف ساعات عمل يومية وبجد وانضباط لإنتاج أدبه..))

وصولاً إلى هذه النقطة الحرجة التي أطاحت معرفياتها وطرائق تفكيرها ومديات تأثير الفلسفات الجمالية في تطور ميكانيزمات الشاعر، نقول أطاحت بالرأي القديم الذي كان يسكن وعينا.. من أن الإلهام هو الشرط المتفرد في كتابة الشعر..!! ويتضح لنا عبر رحلة البحث والاغتناء..

إن محمود درويش مشروع شعري– عربي إنساني، وها هو في احتدام المواجهة بين الذات والموضوع في عالمه الشعري، والتي اختزل فيها ملامح تجربة، وضرورات فهم معصرنة.. (( لا استطيع أن أضع الضمير في مواجهة لا مبرر لها مع الجمالية، ولا استطيع أن أخون حواسي كلها أو بعضها، لأنتمي إلى جسد حداثة مشوه، يغير اسمه وملامحه في كل لحظة.. ولكنني. وأنا مثقل بما لا يعنيني، أعرف كيف أموت وأولد في سياق قصيدة لا تبحث وهي تكتب عن هدف سوى شعريتها التي لا تستطيع أن تحقق لا تاريخيتها إلا في تجاوز تاريخيتها من خلال الاندماج فيها لا الاغتراب عنها)) .

إنها إذا.. قراءة مغايرة لزمن شعري مغاير..!!

فهل يكون الكلام الحادث أمامنا خلاصة واضحة لعوالم الكتابة وتجلياتها والدفاع عنها، محتفظا له في نفس الوقت على مكامن سرية تبقي على إيقاعه الشخصي في كتابة قصيدة متفردة دون أن تزل به قدم..؟

أم أنه صياغة جديدة لأسئلة أساسية تقف الحداثة ورؤاها ومستقبلها على خط ساخن يجس محمود درويش كل حين تردادته وتغايراته..؟

أن الشعر كنسق شعوري وفكري هو صوغ كتابة تتحلى بتجديد مكوناتها الأساسية. وإنتاج قصيدة تغتني ببناء كون منفتح من سياقات فردية وجمالية وسياسية وإنسانية كي تأخذ حيزها الحقيقي في المدى الأكبر.. سياق الشعر العربي الحديث, نازعة إلى إبراز الكوني كبعد تراهن عليه القصيدة حين تنطلق من المخزون الحضاري والتاريخي الثري للهوية العربية..

وها هو الشاعر يندغم مع الأشياء والأبعاد، بعد أن اكتشف ذاته، عبر سير منظم لإعادة خلقها، فالشعر هو أكثر المشاغل براءة على وصف هيلدرلن..

وما يتبقى لنا قلقه وتوهجه في آن.. وفي ابتكاره الدائم للغة تستجيب لمراوغاته وتحولاته.

* المصادر:

  1. ريتا عوض/ أدبنا الحديث بين الرؤيا والتعبير المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ بيروت – ط1 1979 م . فصل/ خروج محمود درويش: هل قتل الشاعر أم بعثه؟
  2. أكتب لأنني سأموت / حوار مع شربل داغر مجلة كل العرب/ ع 231 – 28 كانون ثاني 1987م ص 62-63.
  3. دليل بيت الشعر/ من كلمة الشاعر في مهرجان قفصه/ تونس 1995 م / دار نقوش عربية.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة