14 نوفمبر، 2024 9:36 م
Search
Close this search box.

اغتراب الكاتب/ة (32).. المترفون لا يملكون فضيلة الكتابة عن المهمَّشين

اغتراب الكاتب/ة (32).. المترفون لا يملكون فضيلة الكتابة عن المهمَّشين

خاص: إعداد- سماح عادل

هل المترفون لا يملكون فضيلة الكتابة عن المهمَّشين؟، هل لابد أن يعيش الكاتب ويعايش التجارب الحياتية المختلفة حتي يستطيع الكتابة عنها بحرفية؟

هذا الملف عبارة عن آراء كاتبات وكتاب من مختلف البلدان وقد وجهت إليهم الأسئلة التالية:

  1. هل شعرت بأنك مختلف منذ فترة الطفولة وشعرت بأن ميلك إلى الكتابة هو سبب اختلافك؟
  2. هل عاملك الأهل داخل الأسرة كأنك غريب عنهم أو لا تشبههم، وكيف كان تقبلهم لميلك إلى القراءة والكتابة؟
  3. هل كنت تفضل الانعزال عن المحيطين من أفراد الأسرة وهل سبب لك ذلك الانعزال الشعور بالغربة عنهم؟
  4. هل كنت تتمني أن يتعامل معك الأهل والمحيطين بشكل مختلف؟ .
  5. هل أنت نادم علي شغفك بالكتابة والقراءة وهل كنت تتخيل حياتك بدون الكتابة؟

الكتابة متنفس..

تقول الكاتبة السودانية “آن الصافي”: “في البدء كانت القراءة هي شغلي الشاغل في أي وقت فراغ إن وجد، رفقتي الكتاب. بعدها كانت الكتابة هي متنفسي المحبب، أكتب القصص والشعر مع الموسيقى والرياضة. تشكل عالمي بهذه الهوايات. وقتها خلت أن جميع الناس لديهم شغف القراءة ويمكنهم سرد القصص.  لذا كنت أرى الأمر عادي جداً. فقط ربما أميل للصمت، وأفضل الأجواء الهادئة التي تمكني من ممارسة هواياتي بدون تطفل من الآخرين حولي”.

2وعن معاملة الأهل داخل الأسرة كأنها غريبة عنهم أو لا تشبههم، وكيف كان تقبلهم لميلها إلى القراءة والكتابة تقول: “الأسرة أكبر داعم لي في تهيئة جو القراءة والكتابة. لم تحدث قط مقارنة أو تمييز بيني وبين إخوتي بأية صورة. كل منا له هواياته ودور الوالدين، جزاهم المولى عنا كل خير الدعم والرعاية وتهيئة البيئة المناسبة “.

وعن تفضيل الانعزال عن المحيطين من أفراد الأسرة وهل سبب لها ذلك الانعزال الشعور بالغربة عنهم تقول: “تعتبر أسرتنا صغيرة نوعاً، علاقاتنا مترابطة بحمد الله. نحترم بعضنا البعض ولكل منا شخصيته وأسلوبه ومساحاته الخاصة به، بيننا الاحترام والود نهج متبادل وبشكل تلقائي. لي أخ في الصغر يحب الرسم والتمثيل وأخي الثاني حينها كان يعمل مذيعاً لبرامج الصغار، له اهتمام بعوالم السينما والنقد السينمائي. بالتالي كل له ما يشغله”.

وعن تمني أن يتعامل معها الأهل والمحيطون بشكل مختلف تقول: “لا الحمد لله، ممتنة وشاكرة لهم كل ما قدموه من دعم ولطف في المعاملة والاحتواء.

الكتابة والقراءة منحاني حيوات، متنوعة ومتجددة، عبرهما تغزى فكري وحلقت مشاعري في عوالم بديعة. بالعكس هذه نعم أشكر الله عليها”.

بالكتابة نُشفى….

وتقول الكاتبة السورية “وجيهة عبد الرحمن”: “منذ الطفولة الباكرة بدأتُ بأنسنة الموجودات حولي، إذ رحتُ أحاكي عناصر الطبيعة والأشياء حولي، أتحدَّثُ معها كمن يكلِّم أشخاصاً بالغين أو أطفالاً ينتمون إلى ذات المرحلة العمرية، تحدثتُ مع المحيط الصامت بعبارات ومواضيع عجزتُ عن خوضها مع الكبار في العائلة الكبيرة التي تكاد تكون حيّاً بأكمله، من هنا تشكلت أولى بوادر القص والسرد لدي، كنتُ حكواتية منذ الطفولة، انغمست بعمق في الطبيعة لدرجة لم أستطع عنها الفكاك حتى يومنا هذا.

أما عن الاختلاف فنحن لا نشعر به بصورة مباشرة بقدر ما نعيشه ونمارسه من خلال سلوكنا وتواصلنا مع ما يحيط بنا، هذا الاختلاف ندركه في داخلنا، لا نقررهُ وإنما يحدث لنا نتيجة عوامل أو حوادث قد نتعرض لها في مسيرتنا في الحياة، لذا أعتقد أنني لم أكن أشعر بأنني مختلفة عن إخوتي وأخواتي، بل كنتُ أميل إلى الجديَّة والالتزام أكثر من ميلي إلى السلوكيات والتصرفات الصبيانية وذلك في مرحلة الطفولة، كبرتُ على كوني صاحبة مبادئ لا يمكن التنازل عنها أو المساومة عليها مهما حصل، لذا كنتُ أعاني بعض المشاكل في العائلة حتى أنني اكتسبتُ صفة العنيدة.

الأمر الذي دفعني إلى الشعور بالوحدة والتي دفعتني بدورها إلى العزلة ومن ثمَّ إلى عالم التخيل، أنا واسطة العقد من بين سبعة بنات، للقارئ أن يتخيل مكانة حبَّة الخرز هذه، قد يقول قائل بأنهَّا الحبَّة التي تزين القلادة وتضفي عليها الجمال، في الحقيقة كان مكاني ذاك نقمة سأعيشها كمعاناة، لن يراني أحد كتلك اللؤلؤة التي تضفي الجمال على العقد، بل سأكون كطيف يعيش على هامش العائلة، لكن لاحقاً سأحول حبَّة الخرز تلك إلى نعمة من خلال جعل شخوصي في رواياتي يعيشوا بعضاً من قصصي الحقيقية كعملية مزج بين السيرة والرواية.

تلك العزلة ستصنع مني روائية كما كنتُ أحلم، في الحقيقة العائلة التي انحدر منها، هي عائلة مثقفة بامتياز، المكتبة التي كنتُ أقرأ كتبها كانت مكتبة العائلة والكثير من أبناء بلدة ديريك، إذ كانوا يستعيرون الكتب كما لو أنها إحدى المكتبات العامة، ما أرغب في قوله هنا هو أنني لم أكن الوحيدة المختلفة في العائلة إن صح هنا تعبير مختلفة، كان  لكل واحد منَّا ميله الخاص وطقوسه الخاصة في ممارسة ميوله الثقافية طبعاً، منهم من اهتم بالموسيقى والفن أيضاً.

أختي الفنانة النحاتة “جيهان عبدالرحمن” عاشت ذات الشروط في عائلتي، أخي الباحث والشاعر “صالح جانكو”، لذا لا أستطيع القول أنني وحدي كنتُ أعيش في عالمٍ خاص لئلا أبخس باقي الأخوة حقهم.

في المرحلة الابتدائية والتي كانت ركيزتي الأدبية قرأتُ الكثير من قصص الأطفال، لم تكن مجرد قراءة وإنَّما تخيل القصة، معايشتها في المخيلة، التغذية على القراءة زادت من معرفتي لكيفية الولوج إلى الصفحة للبدء بالكتابة، قرأت الكثير منها، في المرحلة الإعدادية بدأتُ بالقراءة للأدباء الروس أمثال “دوستويفسكي وجنكيز إيتماتوف ومكسيم غوركي” وغيرهم، في الواقع  لم أكن أفهم ماذا يقولون ولكن كل تلك القراءة كانت تُختزن في المخيِّلة، في المرحلة الثانوية كتبتُ أولى قصائدي النثر والتي مازلتُ احتفظ بها في مسوِّدات متهرئة خبأتها منذ ذلك الوقت. ربما كنتُ مختلفة دون أن أعلم، لكنني أعلم أنني في داخلي كنتُ أملك كائناً آخر لا يشبه كل الذين حولي، إذا كان هذا الأمر يسمى اختلافا”.

وعن معاملة الأهل داخل الأسرة كأنها غريبة عنهم، أو لا تشبههم، وكيف كان تقبلهم لميلها إلى الكتابة تقول: “معاملة الأهل بالتجاهل والإهمال وخاصة الوالدين كان لأنني ابنة عائلة كبيرة في العدد، حيث الوالدين اللذان لا يجيدان القراءة والكتابة، باستثناء قراءة القرآن التي كان والدي يجيدها، أنا أنتمي إلى أسرة ريفية سكنت البلدة ( ديركا حمكو) في سبعينيات القرن الماضي، حيث كل شيء كان نقياً ونبيلاً، لذا أعتقد أن هذا التجاهل لم يكن متعمَّداً وإنما قلَّة حيلة أو فقر أو ربما هكذا كان الأمر حينها.

أو أعزي ذلك إلى نفسي، أنا التي لم تكن تشعر بالانتماء نتيجة الحساسية المفرطة التي كنتُ أتمتع بها والتي سبَّبت لي الكثير من سوء الفهم والمشاكل، لطالما قالوا عني (عنيدة وحساسة) الأمر الذي كتبتُ من أجله روايتي (كعبٌ عالٍ) تحدث فيها عن طفولتي بإسهاب تقريباً. الرواية التي سأعتبرها فصلاً من سيرة طفولتي .

كنتُ أشعر بنفسي شاعرة وكاتبة منذ الطفولة ولكن الخجل كان يدفعني إلى أن اُنسِب ما أكتبه إلى إحدى أخواتي، بعد سنوات ضمَّنتُ ما كنتُ أكتبه في دفاتر بلهاء وأخبئها في مكان لن يعثر عليها أحد، كانت كتاباتي تلك لفترة طويلة سرَّي الصغير تشاركته مع نفسي فقط، بالفعل لم يعرف أي فرد من عائلتي أنني أكتب، لم يكونوا مكترثين بالفعل بما كان يدور في كواليس حياتي الخاصة، لذلك كان من الصعب عليهم لفترة طويلة تقبُّل ماهيتي ككاتبة.

فيما بعد وبعد أن بدأت بإصدار كتبي وأصبح الأمر حقيقة وواقعاً لم يكن بالإمكان التغاضي عنها، بدأت مرحلة أخرى من حياتي وهي التحول من طيف إلى كائن مرئي ومهم، أصبحتُ تلك الروائية التي يبحث القراء عن كتبها للقراءة والتي راحوا يراسلونها على أنَّها غيرت حياتهم بما تكتبه، الحقيقة أن الكتابة غيرت حياتي نحو الأفضل، لذا كان حرياً بالجميع  بما فيهم العائلة تقبُّل تلك الحقيقة. ومن باب الدعابة بعض الصديقات كن يقلن لي أنني أكتب لأنني غنية، أي لا يوجد ما يشغلني في الحياة، أنا أملأ وقت فراغي بالكتابة على أن الكتابة ترف”.

وعن تفضيل الانعزال عن المحيطين من أفراد الأسرة وهل سبب لها ذلك الانعزال الشعور بالغربة عنهم تقول: “نعم فضَّلتُ الانعزال لفترة طويلة بسبب شعوري بالغربة كما ذكرت سابقاً، لا أتذكر أنني في طفولتي كنتُ سعيدة بالقدر الكافي، أو كما تتطلبها تلك المرحلة من البراءة، لم أكن بريئة بالقدر الكافي كطفلة، كنتُ أعلم بالكثير الذي كان يدور حولي بالرغم من صغر سني، والذي لم يكن لي الحق في التعبير عنه أو إبداء الرأي فيه، المثير في الأمر أن أحداً لم يكن يتوقع ذلك مني، كل ذلك الكبت والصمت دفعاني إلى الرغبة في العزلة.

كتبتُ في مقدمة روايتي “كعبٌ عالٍ” (الحرية أن تتوارى عن الأنظار) تواريتُ عن الأنظار بارتداء قبعة الاختفاء التي منحتني الحرية في التواصل الحر مع  نفسي والطبيعة والجمادات والموجودات وأنسنتها، كنتُ سعيدة في عالمي الصغير الذي صنعته لنفسي، كنتُ أكبر بعيداً عن الأعين، وأكتب دون أن يكترث لأمر كتابتي أحد، لكن ذلك لم يكن ليضعف من عزيمتي في التعبير عن الكثير المسكوت عنه في شتى المجالات (دينية أو سياسية أو اجتماعية) كتبت في المواضيع الإشكالية دونما خوف من العواقب، رواية “لالين” التي كتبتها إبان الثورة خير مثال على ذلك، إذ كانت ممنوعة من التداول في المعارض العربية بذريعة أنها تحتوي على بعض المقاطع التي تخدش الحياء الاجتماعي.

ورواية “الزفير الحار” التي كتبتها بينما كنتُ ما أزال في سوريا، تحدثت فيها عن حقبة حافظ الأسد دونما خوف من الاعتقال أو المسائلة، كل رواية كتبتها كنتُ حاضرة فيها بقوَّتي التي منحتها لي سنوات العزلة والتأمُّل في الكون والمحيط الاجتماعي. ”

وعن تمني أن يتعامل معها الأهل والمحيطون بشكل مختلف تقول: “الآن ..!! لا، لو أنهم تعاملوا معي بشكل مختلف أعتقد لم أكن سأكون ما أنا عليه الآن، أشكرهم لأنهَّم هم الذين دفعوني إلى الكتابة، البيئة التي كانت تحيط بي (العائلة- الحي- المدرسة- الأقارب) كل أولئك يتدخلون بطريقة أو بأخرى في رسم الخط البياني لمسيرتنا، أعتقد أن المترفون لا يملكون فضيلة الكتابة عن المهمَّشين، نحن نكتب عمن نشعر بهم، من هنا تأتي فضيلة الكتابة، لكنني كنتُ ممن يمتلكون ذلك الترف، من خلال حالة التهميش والتجاهل، ثم لاحقاً بالمران والممارسة يمتلك الكاتب أدوات تمكِّنه من الكتابة في شتى المواضيع.

ولكن بالنسبة لي سنوات الطفولة ومعاملة الأهل والمعلمين كانت كافية لتصنع مني روائية، الآن عندما أعود إلى الوراء قليلاً، لنقل عدة عقود من الزمن  أتذكر كيف أنني صنعت نفسي من لا شيء (لا شيء) كائن صغير ومهمل أهنئ نفسي على نجاحي إذا كان يُعتبر ما حققته في مجال الكتابة نجاحاً، إذ ما يزال لدي الكثير الذي أتحيَّن فرصة الكتابة عنه، لذلك أتمنى لو أنَّني استثمرت حياتي بشكل أفضل لأكتب أكثر”.

وعن الندم على شغفها بالكتابة والقراءة وهل تتخيل حياتها بدون الكتابة تقول: “الكتابة  أفضل ما حدث لي ومعي في حياتي كلها، فهي فعل حياة بالنسبة لي، إذ لا يمكنني العيش دون الكتابة والقراءة، لا أتخيل أنني سأعيش في عالم يخلو من الكتب، سواء تلك التي كتبتُها أو التي كتبها الآخرون، الكتاب بالمطلق أحد العوامل التي تمنحني السعادة،  أبطال رواياتي وعوالمهم التي أعيشها معهم، القصص التي أسردها، كل ذلك يمنحني كل يوم المزيد الذي لا انتظره وإنَّما يأتيني كهبة، الكتابة هبة الله لي وأنا ممتنة جداً لكوني كاتبة، لأننا بالكتابة نُشفى حين نفرغ ما بداخلنا على الصفحات البيضاء، ثم أنني لم أندم أبداً على أي شيء فعلتُه وقمتُ به في حياتي سواء أكان فعلاً شريراً أو يُصنَّف ضمن قائمة الأعمال الخيِّرة، حتى الأخطاء والحماقات التي ارتكبتها عمداً أو عن غير عمد  لستُ نادمة عليها، كل ما فعلته في حياتي كان السبب في ما أنا عليه الآن، لذلك لم أندم ولن أندم على شغفي بالكتابة التي منحتني الحرية”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة