6 أبريل، 2024 8:54 م
Search
Close this search box.

“الحبيب إلى الحضيض”.. قصة قصيرة

Facebook
Twitter
LinkedIn

بقلم: أمين الساطي

ينتابني الملل من كل شيءٍ، من وظيفتي كبائع لبوليصات التأمين، ومن صديقتي ناديا، التي تقاربني بالعمر، والتي تلح عليَّ في كل يوم بأن أتقدم لخطبتها، فجعلتني أمر بفترة من الاكتئاب، لشعوري بالإحباط والفشل من تحقيق ما كنت أتمناه وأحلم به طوال فترة دراستي في الجامعة اللبنانية.

للتخلص من حالة الاكتئاب التي أمرّ بها، قررت كسر الروتين بالسفر مع صديقي وأخته وأمه في رحلة سياحية إلى إسطنبول لمدة عشرين يوماً. شجعني على ذلك أن تكلفة هذه الرحلة ألف ومئة دولار، بالإضافة إلى أني سأكون برفقة أخت صديقي التي لا يزيد عمرها على ثمانية عشر عاماً، وهي طالبة في البكالوريا، البنت بهذه السن يوجد فيها سر سحري يثير الرجل، لعله يعود إلى أنها في قمة عنفوانها وإقبالها على الحياة، ما يزيد من جاذبيتها الجنسية لرجل مثلي في الثلاثينيات من عمره.

عندما أخبرت صديقتي ناديا بأني عازم على السفر في إجازة لمدة عشرين يوماً، جنَّ جنونها، ولم تعد تستطيع أن تتصور كيف أني سأصرف هذا المبلغ، في هذا الوقت الذي نحن فيه بحاجة لكل دولار من أجل إتمام مشروع زواجنا، ويمكن أن الحاسة السادسة لديها قد أخبرتها بأنني لا أفكر جدياً بالزواج منها، لكنها تمالكت أعصابها، وطلبت مني قبل سفري أن أعيرها سيارتي الكورولا خلال فترة غيابي، لكي تذهب بها إلى وظيفتها الحكومية بدلاً من استخدامها وسائل النقل العامة، ورغبة مني في التعويض عليها، تركت لها سيارتي التي مازلت أدفع ثمنها بالتقسيط، وسافرت في إجازة إلى تركيا.

أمضيت أياماً جميلة في إسطنبول، وزاد من استمتاعي بها مرافقة أخت صديقي المراهقة. بدأت أفكر في ترك ناديا، لكي أتزوج من هذه الفتاة الصغيرة، لأبدأ حياتي من جديد وأستعيد شبابي، لكن الأمر الوحيد الذي كان يؤرقني، أن صديقتي ناديا موظفة ولها راتب شهري سوف يعينني على تحمّل أعباء الحياة القاسية في بيروت، ولإحساسي بالذنب والخجل من هذه الأفكار القذرة التي تدور في رأسي، لم أجرؤ على الاتصال ولو لمرة واحدة مع صديقتي ناديا.

وصلت مطار بيروت، ولم أجد سوى أختي بانتظاري، ولما سألتها عن ناديا أجابتني بأنها “حصلت على وظيفة بالسعودية، وسافرت منذ يومين إلى جدة، وتركت لك سيارتك عندنا”. في أول الأمر شعرت بالارتياح من هذا الخبر، لأنني بالفترة الأخيرة كنت قد مللت من علاقتنا، وضجرت منها، استعدت ثقتي بنفسي وبالمستقبل الذي ينتظرني مع هذه الشابة، لكن القلق من المستقبل المجهول والمصاريف الكبيرة التي يجب عليَّ تأمينها لكي أحتفظ بها، وأبدأ حياتي من جديد، أخذت تقضّ مضجعي.

حاولت والدتي أن تستغل انتهاء علاقتي بناديا، واقترحت عليّ بأن أتزوج من ابنة خالي الأرملة التي تصغرني بخمس سنوات، مشددة على أن الزواج المثالي يحصل عندما يكون الزوج أكبر من زوجته بنحو خمس سنوات، بالإضافة إلى أن العروس تملك بيتاً كانت قد ورثته من زوجها المرحوم، أكدت لي أمي أن خالي يحترمني كثيراً، وسوف يوظفني عنده في معمل المفروشات المنزلية. حاولت أن أذكر والدتي بأني أحمل شهادة جامعية في إدارة الأعمال، وليست في أعمال النجارة، فكان ردها “بأن الشهادات الورقية لا تطعم خبزاً في هذه الأيام، وأن دخل أصحاب الحرف أعلى بكثير من الموظفين، أحياناً كان يخطر على بالي بأن والدتي على حق، وأن أسهل طريقة للزواج والحصول على الاستقرار المادي، هو الزواج من ابنة خالي.

بقيت على علاقة مع أخت صديقي، وكنت أستمتع بمرافقتها إلى السينما والمقاهي. ذهبنا مرة للسباحة على شاطئ الرملة البيضاء، كانت ترتدي بكيني بلون أسود، أظهر قامتها النحيفة ومنحنيات جسمها المتناسقة، وخاصة سرتها العمودية الضيقة التي لفتت انتباهي لنعومتها وجمالها. أعطتني الانطباع بأنها شخصية متحرّرة، بطريقة لا شعورية قارنتها مع صديقتي السابقة ناديا بقامتها القصيرة وجسمها المترهل، ومع ابنة خالي الممتلئة المتزمتة.

أصبحت علاقتي مع هذه الصبية وسيلة للهروب من أعباء الحياة اليومية، كانت رفقتها تدخل البهجة إلى قلبي، بعد كل لقاء أصبحت أعيش في عالم خيالي أراها فيه زوجتي، من دون التفكير بأي منغصات مادية قد تنتظرني بالمستقبل، لقد أدمنت عليها، فأصبحت أتغيّب أحيانا عن عملي من أجل لقائها.

في أثناء هذه الفترة، ذهبت لتجديد استمارة سيارتي الكورولا، فأخبرني الموظف بأنه لا يمكنني تجديدها قبل أن أدفع المخالفات المرورية المسجلة عليها، أعطاني قائمة بعشر مخالفات، لم أصدّق عينيّ، وأنا أقرأ هذه المخالفات، ثلاث منها قطع إشارة حمراء، ومخالفتان بالسير بعكس الاتجاه، والباقي مخالفات متنوعة. فوجئت بأن الفاتورة تزيد على سبعمئة دولار، نظرت إلى تاريخ ارتكاب المخالفات، فكانت كلها خلال أيام وجودي في تركيا، أخرجت للشرطي جواز سفري، وحاولت أن أبيّن له أنني خلال هذه الفترة كنت خارج لبنان، وكنت قد أعرت سيارتي إلى صديقتي التي ارتكبت هذه المخالفات، فأجابني من دون مبالاة، “بأن مالك السيارة هو المسؤول عنها، ادفع المبلغ الآن لتتمكن من تجديد الاستمارة، وبعدها تحصل على نقودك من صديقتك”.

ضبطت نفسي بصعوبة من هذا الموظف الغبي، الذي لا يعرف طبيعة عمله، وقررت عدم تجديد الاستمارة في الوقت الحالي، فراتبي الشهري لا يكفيني للصرف على طلعاتي مع صديقتي الصغيرة، تناسيت الموضوع كلياً، واستمررت في قيادة السيارة. بعد نحو شهرين أوقفتني دورية للشرطة، وطلبت مني أوراق السيارة، حاولت أن أشرح لهم لماذا لم أجدّد رخصة السيارة، لكن الأغبياء رفضوا أن يفهموا، وأعطوني مخالفة جديدة، وصادروا السيارة.

أصبحت الأمور جديّة الآن، فأنا لا أملك المال المطلوب لفك حجز السيارة، حاولت أن أقنع والدتي لكي تستدين من أخيها مبلغ ألف دولار، لكي أتمكن من دفع مخالفات السيارة ورفع الحجز عنها، فأخذت تماطلني، وتردّد بأنه يجب أن أعقل وأني لم أعد طفلاً، وعليَّ التفكير بتأمين مستقبلي بالزواج من ابنة خالي. يبدو أن المصائب لا تأتي إلا دفعة واحدة، ونظراً لأنني أصبحت الآن من دون سيارة، فقد تراجعت مبيعاتي لبوليصات التأمين، فما كان من مديري الغبي الذي كان حاقداً عليَّ بسبب غيابي المتكرر عن العمل في الفترة الأخيرة، إلا أن سرّحني من وظيفتي في شركة التأمين.

بعد أن جرى تسريحي من الشركة توقف نزول راتبي في حسابي بالبنك في نهاية الشهر، وبالتالي لم يعد باستطاعة البنك أن يقتطع قسط ثمن السيارة الشهري البالغ مئتين وخمسين دولاراً، فما كان من البنك إلا أن أرسل لي رسالة نصية على جوالي، يهدّدني فيها بأني إذا لم أدفع القسط الشهري المستحق خلال أسبوع، فإنه سيتوجب عليّ دفع كامل سعر القرض على السيارة فوراً، وهو بحدود ثلاثة آلاف دولار، وفي حال تأخري عن سداد هذا المبلغ، فإن البنك سيلجأ إلى القضاء لتأمين حقوقه.

لا شيء يساعد على التفكير مثل فنجان قهوة تركي مع سيجارة مالبورو. جلست في مقهى الستراند بشارع الحمراء، وأنا أفكر بوضعي، لقد أصبحت الآن من دون وظيفة، وسيارتي محجوزة في دائرة الشرطة، ارتشفت قليلاً من القهوة، وأشعلت سيجارتي، وبدأت أراقب حلقات الدخان المتداخلة في الهواء، لعلها تلهمني بطريقة تخلصني من هذه المصيبة. أخيراً قررت أن أتصل بالمسنجر بناديا لكي أطالبها بتسديد ثمن مخالفات السير التي ارتكبتها، لأنها المسؤولة عنها، فكتبت:

عزيزتي ناديا

أرجو أن تكون أمورك بخير، أنا الآن في ورطة كبيرة، فسيارتي محجوزة بالشرطة بسبب المخالفات التي ارتكبتِها خلال قيادتك لسيارتي، أرجو أن تحوّلي لي بسرعة مبلغ سبعمئة دولار قيمة هذه المخالفات، لكي أتمكن من فك حجز السيارة.

لدهشتي لم يمضِ سوى دقائق، حتى استلمت ردّها على هذه الرسالة:

عزيزي الغبي أيمن:

ألا تعرف المثل الشعبي “المرأة والمسدس والسيارة ليست للإعارة. “

أخذت رشفةً من فنجان قهوتي، بللت بها حلقي الجاف، ثم اتصلت بالموبايل بوالدتي، وطلبت منها أن تأخذ موعداً من خالي في هذه الليلة، لكي نشرب فنجان قهوة بمعيّته.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب