19 ديسمبر، 2024 1:21 ص

إليف شفق .. تكتب عن الأقليات المهمشة وشغفها باسطنبول

إليف شفق .. تكتب عن الأقليات المهمشة وشغفها باسطنبول

كتبت – سماح عادل :

اشتهرت “إليف شفق” الكاتبة الروائية التركية في العالم العربي بروايتها “قواعد العشق الأربعون” التي صدرت في 2009، وكتبت فيها عن المتصوف المعروف “جلال الدين الرومي” وقصته مع “شمس الدين التبريزي” كما تخيلتها.. لكن تميزها يظهر في روايات آخرى، حيث تستطيع رصد قضايا هامة سواء سياسياً أو اجتماعياً.

رواية لقيطة اسطنبول :

في رواية “لقيطة اسطنبول” ترجمة خالد الجبيلي، منشورات الجمل، وقد صدرت عام 2006 باللغة الإنكليزية وحققت أعلى المبيعات في تركيا.. رصدت شفق خصوصية النسوة في تركيا، من خلال عائلة “قازنجي”، أربع شقيقات “زليخة – فريدة – شكرية – بانو” يعشن مع الأم كلثوم والجدة ما – الهيفاء، عائلة نساء بلا رجال لكل واحدة همومها وصفاتها، ما بين فريدة مدرسة تعاني أمراضاً نفسية، وبانو ربة منزل تتحول إلى التصوف المختلط بجو السحر الديني.

 

الروائية إليف شفق

تبدأ شفق وحدات السرد بعنوان له علاقة بالطعام، “قرفة – سكر – حمص..” وتحكي عن هذه العائلة التي تعيش في اسطنبول داخل جو عائلي مغلق، وحدها “زليخة” التي خرجت من إطار هذا السجن النسائي الصغير، بتعرضها لاعتداء أخوها الوحيد الذي شاءت الظروف أن يهاجر للخارج، وتكتمت عن هذا الاعتداء رغم أنه خلف لها حملاً لم تستطع إجهاضه، وأصبحت فيما بعد ابنتها “آسيا” جزء من عائلة النساء.

 

يتضح في الرواية غرام البطلة “زليخة” بمدينة اسطنبول.. تلك التي تجمع المتناقضات زحام وصخب وألفة وحميمية، يبدأ السرد بشكل تصاعدي، من لحظة معرفة زليخة بالحمل ثم تدخل شخصيات أخرى هي عائلة مصطفي أخو زليخة، وزوجته الأجنبية وابنتها المراهقة “أرمانوش” التي تكتشف أنها من أصول أرمنية من ناحية الأب الذي طلق والدتها، وتذهب إلى أسرة مصطفى زوج والدتها في اسطنبول لتفتش عن تاريخها، وترصد الكاتبة من خلالها مجازر إبادة الأرمن على  أيدي الأتراك. وقد أدى هذا إلى ملاحقتها قضائيًا في تركيا بحسب الفقرة 301 من القانون التركي إلا أن التهم أسقطت عنها فيما بعد.

 

يعرف في النهاية اعتداء “مصطفى” على “زليخة” وتقتله أختها “بانو” بمشروب بشكل سري.. أهمية الرواية أنها تكشف عالم النساء بكل تميزه سواء لدى عائلات الأرمن الذين اضطروا إلى الهجرة في بلاد العالم أوعائلات الأتراك.

رواية شرف :

رواية “شرف” طبعت في نسختها العربية على جزأين ترجمة د. محمد درويش – دار الآداب، تتناول فيها الكاتبة عائلة “طبرق” الكردية، حيث فتاتان توأمان “بمبي وجميلة”، تذهب بمبي بصحبة زوجها إلى لندن وتظل جميلة في تركيا تعمل وَلادة للنساء وتعيش بمفردها.. وترصد فيها الكاتبة ظاهرة الشرف المرتبطة بجسد النساء بالأساس.. حيث يتورط شاب في السابعة عشرة من عمره في قتل والدته “بمبي” لأنها أحبت رجلاً آخر بعد أن هجرها والده وعاش مع سيدة أخرى دون زواج في لندن، حرضه عمه الذي يعيش معهم في نفس المدينة، وكأن زوج بمبي له الحق في العيش بدون زواج مع امرأة أخرى أما زوجته فمصيرها القتل إن هي فعلت مثله.. من خلال سرد متقطع يتنقل ما بين الابن القاتل وأخته التي كبرت وأصبحت زوجة، وبمبي، وجميلة.. يتضح في النهاية أنه قتل خالته بالخطأ وأن أمه الذي حرم منها ماتت في تركيا، داخل كهف صغير عاشت فيه أختها جميلة طوال حياتها.

رواية قصر القمل :

صدرت رواية “قصر القمل” 2002، وترجمت أكثر من ترجمة وأكثر من عنوان، لكننا نستعين بترجمة عبد القادر عبد اللي – قدمس للنشر، تتميز الرواية رغم أنها مترجمة بروح السخرية وذلك يختلف عن باقي روايات شفق، تتناول قصر يدعى قصر “البونبون” بناه في تركيا رجل روسي هاجر هو وزوجته إلى تركيا في زمن بعيد، ثم تحول إلى عمارة سكنية.

 

الراوي أستاذ جامعي يحكي عن باقي سكان العمارة، ويتكشف مع السرد طبيعة كل عائلة وكل ساكن في الطوابق العديدة، يتناوب السرد عن كل السكان بانتظام.. القمامة تتراكم أمام القصر، والرائحة السيئة تنتشر في أرجائها.. ونعايش السيدة التي ترافق رجلاً ثرياً لكي تعيش في كنفه، وأستاذ الجامعة الذي فقد زواجه حديثاً ويعاني من ضياع نفسي، وامرأة عجوز وحيدة غامضة لا يعرف عنها أحد شيئاً، وسيدة مهووسة بالنظافة تسكن أمامها مع ابنتها وزوجها.

 

تبدأ الأحداث تتصاعد حينما يقرر أستاذ الجامعة أن يكتب على الحائط الذي ترمي عنده القمامة أن هناك ولياً مدفوناً هنا، لينكشف أن السيدة العجوز هي التي تحتفظ بكمية كبيرة من القمامة في شقتها لأنها عانت من فقد زوجها والوحدة، ثم تضرب عن الطعام بعد انكشاف أمرها وتموت.. الرواية تعكس غرام الكاتبة بمدينة اسطنبول مرة أخرى، وتبين أنها مدينة تاريخية مر عليها كثير من الأحداث والأزمنة لتكتسب صخبها وتناقضاتها.

رواية حليب أسود :

وفي رواية “حليب أسود”، ترجمة أحمد العلي، ميسكلياني للنشر، تحكي عن الأمومة.. ليس فقط كغريزة وإنما كمأزق قد تقع فيه الكاتبة.. قدمت فيه نصوص سردية توثيقية عن كاتبات من تركيا، وفرنسا، وبريطانيا، وأميركا واليابان، كانت لهنّ تجارب مختلفة في الأدب والزواج والأمومة وكيف تجاوزن مأزق الأمومة أو رفضن المرور به من البداية.

 

حيث أن البطلة وهي الكاتبة.. فالرواية عبارة عن حكي عن سيرتها الذاتية، أيضاً اعتبرت أن الكتابة والأمومة أمران يصعب على أية امرأة التوفيق بينهما والحصول على نتائج مرضية.. في كتابة تتميز بالفانتازيا حيث صورت أن البطلة تتحاور مع شخصياتها الداخلية الأخرى، وتعاني من الصراع بين الأمومة وحلمها في أن تكون كاتبة، ثم تصور هواجس الحمل وما بعد الولادة والتي قد تتحول إلى اكتئاب مزمن.

 

الروائية التركية “أليف شفق”، من مواليد سنة 1971 في مدينة “ستراسبورغ” الفرنسية، حيث كانت تعمل أمها شفق – التي أخذت اسمها ليكون اسمها الثاني – في السلك الدبلوماسي. حازت على جوائز أدبية عديدة، وتعد من أكثر الروائيات التركيات شهرة بين القراء، وهي تكتب باللغتين التركية والإنكليزية، و تمّت ترجمة أعمالها إلى ما يزيد عن ثلاثين لغة، ومنحت وسام “فارس التميّز” الفخري للفنون والآداب، كما أصدرت 11 كتاباً بينهم ثمانية روايات. هاجرت إلى الولايات المتحدة لتواصل دراستها أولاً، ثم بعد ذلك لتشغل منصب أستاذ محاضر في مادة الدراسات والأجناس في جامعة “أريزونا”.

 

تتميز أليف شفق أنها تكتب عن الأقليات: “أرمن، أكراد، نساء مهمشات”، كما أنها تشتبك في رواياتها بقضايا سياسية واجتماعية هامة، بالإضافة إلى أن لها آراء معلنة حول سياسات بلدها، حيث تنتقدها بجرأة.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة