8 أبريل، 2024 3:26 م
Search
Close this search box.

مسيرة النكتة العربية .. انتحار البهجة على مشانق واقع قاسى

Facebook
Twitter
LinkedIn

كتبت – نجوى المغربي :

“النكتة العربية” هتاف المكبوتين.. صرخة مغلفة بالبهجة في وجه واقع قاسي مسلط.. تعكس ثقافات وروح شعوب كونها تمرد المغلوبين على أمرهم في مواجهة الضغوط. النكتة العربية تمر هذه الأيام بأخطر مراحلها, حيث تنتحر فى بلاد وتقتل عمداً فى آخرى، ويلقى المختصون في علم الإجتماع  باللائمة على الساسة والعملاء والإستعمار الخفى, فالنكتة العربية التى كانت ثوب ومتنفس لما يجيش فى صدور الناس من معاناة وألم ومحن، كما أن لبعضها أدواراً آخرى كإشاعة روح البهجة والتفاؤل وأحياناً السخرية من واقع أو وضع ما، الآن تُنحر عن عمد وقصد فى الخفاء وفى العلن.

مقاومة سلمية لدى الشعب الذكي

يرى المفكر المصري “د. حسن حفنى”، في حديث له مع (كتابات)، أن النكتة دليل على حيوية الشعوب واستطاعتها تجاوز المحن والمثبطات، بإطلاق النكات التى هى مقاومة سلمية يبتدعها الشعب الذكى للوصول إلى الحرية والعدل والمساوة, وفى المقابل توجد شعوب تكتفى بنكاتها وقت الأزمات والمآسى ويكون ذلك منها جبن واستسلام وتصبح النكتة لديهم سلاح الخاسرين.

مشيراً، إلى ان “النكتة لا تشيع عند العرب فقط، بل تعبرهم إلى البلدان الأخرى وتنتشر فى إعلامهم  وبرامجهم التليفزيونية, وقد تحول هذة البرامج بعض الشخصيات السياسية إلى ادوار رئيسة فى هذة الفكاهات كالرئيس “بوش” و”بن لادن” و”غورباتشوف” وغيرهم, بينما يختلف إطلاق النكات لدى الفقراء الذين يتناولونها كوسيلة للإمتاع الساذج والشعبيه المتدنية كالنكات الجنسية أو الأقتصادية المعبرة عن غلاء المعيشة وأحوال الناس أو الكبت الجنسى”.

أسرع وسيلة تعارف

يربط الباحثين هنا بين الظرف السياسى والتاريخى وفن التنكيت, يقول المفكر العراقي “الهادى العلوى”، أن من وسائل الأتصال بين الناس والتى تحولهم فى دقائق لأصدقاء ومعارف.. النكتة، كما أنها من وسائل الإبداع التى تقتحم كل شىء من ظروف وعادات، كتنكيت المصريين الصعايدة على أنفسهم, والأنكليز على بخلهم, فيقولون أن “سيارة أجرة وقعت فى واد وأثناء غرقها قال الزبون للسائق أوقف العداد”. وتدخل النكتة فى السينما والمسرح والمقال الصحافى وبرامج “التوك شو”.

وجمالها النكتة المتكامل فى شفويتها ويقال أنها تفقد 50% من جمالها عندما تكتب.. وللنكتة صانعها أو مطلقها الأول وهو دائماً مجهول وغير حائز لبراءة اختراعها. واليهود هم أكثر الشعوب استحواذاً على كل النكات من كل الأجناس كونهم أخذوها من المجتمعات التى عاشوا بها, وبالطبع ادعوا ملكيتها. وتنتشر هذه الأيام النكات عبر قنوات واشكال وصور أخرى كالكتب المختصة بها، والرسائل الإلكترونية، وصحف الفكاهة والنكت، وبعض مجلات الكاركاتير الباقية والمندثرة. ومراكز القياس الإجتماعية العربية, قامت بقياس اتجاهات التعبير بالنكتة فى الوقت الراهن داخل البلدان العربية, فوجدت أنه بعد انتشار القضايا الكثيرة على الساحة اليومية كالقضايا السياسية وما نتج عنها من اقتصادية واجتماعية، لم تعد هناك مجالس للنكتة منتشرة كما كان في السابق, بل أنتقلت إلى البريد الإلكترونى ومواقع الأنترنت والصفحات الشخصية علي مواقع التواصل الإجتماعي الإفتراضية، أى أصبحت النكتة تطير بسرعة الإنترنت.

المحامي المصري عصام الاسلامبولي

عالم النكتة العربية :

تطير النكتة العربية أسرع إلى السخرية من كل شعوب العالم فهى عابرة للقارات وضد كل الشعوب وفى هذا يرى علماء الإجتماع أن هذا سببه أن النكتة العربية تعبير العربى الوحيد وأيضا نزهتة الوحيدة , يقول د عبد الرحيم  على عالم الأجتماع البارز أن النكتة تأتى أشد وقت الأزمات فهى حالة انعتاق من الإصابة.

نكات سياسية :

من أكثر النكات السياسية انتشاراً وعبوراً من بلادها، النكتة التى قيلت على “غورباتشوف  رئيس الإتحاد السوفيتى السابق, وكان محباً للصيد , فاصطحب ذات مرة ضيفاً وكبار مسؤوليه إلى غابات روسيا, ليمارس هواية الصيد وليستعرض مهاراتة, وفى هذه الأثناء ظل وزير إعلام غورباتشوف لأكثر من ساعة يتحدث للضيوف عن مهارة الرئيس فى الصيد وأنه لم يخطئ ولا مرة واحدة فى حياته فى التصويب , وفى تلك الأثناء  دخل الرئيس غورباتشوف غابات موسكو وصوب بندقيته تجاه أحد الطيور, فأخطأته الرصاصة وواصل الطائر الطيران والإرتفاع . فأطلق وزير إعلام غورباتشوف تصريحه الفورى قائلاً لأول مرة فى التاريخ يواصل طير رحلته فى الطيران وهو مقتول”.

وهناك النكته الساخرة من الحالة المزاجية أو النمطية لشعب كالسودانيون, والنكات على إتهامهم بالكسل كهذا “السودانى الذى دخل صالون الحلاقة وجلس على كرسي الحلاقة مستعداً لإغفاءة قصيرة حتى ينتهي الحلاق, لكن الأخير بادره بالسؤال المعتاد: شعر ولا دقن.. فرد السودانى: دقن.. فطالبه الحلاق برفع رأسه.. ففكر السودانى هنيهة ثم قال: طيب خليها شعر”.

كما أن الصعايدة المساكين في جنوب مصر، تعبر شخصياتهم الحدود والقارات بما ينسب إليهم من السذاجة وقلة الفهم والطيبه المفرطة والتصرفات الغير منطقية التى تنسبها لهم النكات, وهذا هو “محمدين الجندى فى القوات المصرية.. فبعد حرب 67 وعده الضابط بأن يسمح له بالنزول 10 أيام اجازة إذا نجح فى اسقاط طائرة اسرائيلية، وبعد يومين جاء محمدين يسحب وراءه طائرة اسرائيلية.. دهش الضابط وسأله عن الكيفية، فرفض الإفصاح.. وسمح له بالنزول، وبعد الأجازة استمر يومين وجاء ساحباً طائرة أخرى.. مما دفع الضابط وسط ذهوله لمراقبة محمدين بنفسه ليعرف من أين له هذا الإصطياد السهل, وبعد يوم واحد عرف وصدم.. لقد كان محمدين يسحب طائرتين مصريتين ليستبدلهما بطائرة اسرائيلية”.

كما أن توجد النكات بين الأقباط والمسلمون.. وتندرج تحت نوع من “التلاسن الكوميدي”, ولكنها لا تخلو من طرافة تضحك الطائفتان, مثل هذا “الشرطى المسلم الذى اعتاد أن يحرر مخالفة سير لقس يمر أمامه يومياً. وعندما لم يجد القس مفراً باع السيارة, واشترى دراجة بخارية, وتعمد أن يقف بها فى الإشارة أمام أعين الشرطى لابساً الخوذة حتى لا يدع له باباً.. بالطبع اغتاظ الشرطى ولم يفعل شيئاً سوى أن سأل القس: إلى اين تذهب الآن والساعة الواحدة بعد منتصف الليل وأنت بمفردك؟.. فرد القس: ولكني لست وحدى أنا معى الأب والإبن والروح القدس.. وعلى الفور رد الشرطى: وكمان مركب معك 4، مخالفة”.

أوقات ازدهار النكتة العربية :

النكتة العربية ليست وليدة العصر الحديث, فقد نشأت فرقة ومقهى “المضحكخانة المصرية” فى منظقة باب الخلق أثناء عهد الإحتلال الإنكليزى لمصر. وقدم المضحكين والساخرين من مختلف الأمصار إليها فى أوقات مختلفة ليبدعوا فى إبتكار النكات والسخرية من الأوضاع بشكل هزلى سواء بأسلوب حركي أو شفوي.

العقاب القانونى للتنكيت, وغضب الرؤساء منها :

كثيراً ما كان رجال الشرطة حينها يداهمون “المضحكخانة”, ويتم القبض على مرتاديها, كما كانوا يقبضون على عابري الحدود من الساخرين، وفى نهاية المطاف تمت إزالة مقهى “المضحكخانة” الكبير للتخلص من النكتة والسخرية معاً.

وفى أعقاب ثورة تموز/يوليو 1952 المصرية تبادل الشعب المصرى النكات ساخراً من  الوضع السياسى فى تلك الأيام, يومها كان يكفى أن تشير إلى ضابط أنه يسير بشكل غير لائق ليزج بك فى السجن دون سؤال.. فخرجت نكتة تقول أن “أحدهم هرب إلى بعض اخوانه فى ليبيا فسألوه عن ما دفعه إلى الهرب، فقال لهم أنهم فى مصر يقطعون الأصبع السادس من كل يد, وعندما سألوه مذهولين: لكن أنت أصابعك خمسة فقط, فرد عليهم بسخرية: هناك يقطعون أولاً ثم يعدون”.

رأي القانون :

يؤكد المحامى المصري “عصام الأسلامبولى”، أحد المدافعين عن حرية الرأي فى مصر، عن  تجريم النكتة في حديثه الخاص مع (كتابات)، على انه “إذا كانت النكتة عامة، أي مجرد نكتة ولا تطلق ضد شخص أو أشخاص معينين، ويوجه النقض البناء من خلالها, فهى ليست مجرمة قانوناً, أما إذا كانت تهدف إلى التجريح والتحقير من شأن شخص بعينه أو أشخاص معينين وسط أهله وعشيرته لتصبح نوعاً من التفريق.. هنا تجرم قانوناً وتعد سباً وقذفاً”.

ابو الطيب المتنبي

مقارنات بين شعوب النكتة :

يعتبر اللبنانيون من أكثر الشعوب اطلاقاً للنكات. لكن نكاتهم انحسرت عن المشهد فى السنوات الأخيرة نظراً لغضب الطوائف والإنبراء للدفاع ومناصبة العداء إذا ما أطلقت نكتة على طائفة واعتبرتها الأخرى تجريحاً ونيلاً منها, المختصون فسروا ذلك فى الآونة الأخيرة على كونه احتقان فى المشهد السياسى العام على الصعيد العربى كله وتشابك مصالح.

تذبح دون أن تجرح :

لا شىء يجازى النكتة المصرية.. فهى تذبح دون أن تجرح بقدرتها الفائقة على السخرية وتسديد السهام, يقول المؤرخون أن “سيبويه” عالم النحو كان يركب حماره بالمقلوب ويطلق النكات على “كافور الأخشيدى” فتنتشر النكتة كالنار فى الهشيم, وقد أطلق “المتنبى” أحد أبياته البلاغية قائلاً: “وتعجبنى رجلاك فى النعل أننى رأيتك ذا نعل ولو كنت حافياً”، وهنا أصابت نكات سيبويه أبيات المتنبى, وهو ما دفعه للتعريض بالمصريين فى معرض هجاؤه لكافور, وهو ما لم يفعله مع أى شعب آخر لما هو معروف به من اعتزازه بعروبته, كما أن حدثاً هاماً آخر يسجله التاريخ للمصريين الساخرين ومطلقي النكات أنه فى عهد “يوليوس قيصر” و”مارك انطونيو” فى أوج مجد الأمبراطورية الرومانيه, أصدر مجلس الشيوخ فى روما قراراً بمنع المحامين المصريين من المرافعة أمام المحاكم بالاسكندرية, لأنهم كانوا يخدشون هيبة القضاة الرومانيين بنكاتهم أثناء المرافعات.

وفى كل معارك مصر السياسية كانت النكتة هى السلاح الأكثر مضاء من التاريخ الفرعونى إلى الحديث.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب