خاص: إعداد- سماح عادل
“إسماعيل فهد إسماعيل” كاتب وروائي كويتي من أب كويتي وأم عراقية، ولد في البصرة 1941، كان متفرغا للكتابة منذ عام 1985. حصل على بكالوريوس أدب ونقد من المعهد العالي للفنون المسرحية- الكويت، عمل في مجال التدريس وإدارة الوسائل التعليمية، وأدار شركة للإنتاج الفني.
الكتابة..
يعتبر “إسماعيل فهد إسماعيل” المؤسس الحقيقي للرواية في الكويت، حيث يمثل إحدى العلامات الروائية العربية، قدم روايته الأولى (كانت السماء زرقاء) عام 1970، وقتها قال عنه الشاعر “صلاح عبد الصبور” في تقديمه للرواية: “كانت الرواية مفاجأة كبيرة لي، فهذه الرواية جديدة كما أتصور. رواية القرن العشرين. قادمة من أقصى المشرق العربي، حيث لا تقاليد لفن الرواية، وحيث ما زالت الحياة تحتفظ للشعر بأكبر مكان. ولم يكن سر دهشتي هو ذلك فحسب، بل لعل ذلك لم يدهشني إلا بعد أن أدهشتني الرواية ذاتها ببنائها الفني المعاصر المحكم، وبمقدار اللوعة والحب والعنف والقسوة والفكر المتغلغل كله في ثناياها، إن إسماعيل فهد إسماعيل يعد بمنزلة العمود الأهم للفن الروائي والقصصي في الكويت خصوصا. ورعايته لعدد كبير من كتاب القصة القصيرة والرواية، واحتضانه لمواهب أدبية إبداعية باتا يمثلان حضورا لافتا على الساحة الكويتية والعربية”.
الهوية صندوق عجب..
في حوار معه أجراه “عماد كامل” يقول “إسماعيل فهد إسماعيل” عن البحث عن الهوية والذي شكل محورا في أغلب أعماله الروائية: “الإنسان لا يمكنه أن ينفرد عن هويته وانتمائه مهما ابتعد عن مكانه الأصل ومهما حاول الآخرون أن يقلعوه من جذوره، وعليه فإن موضوع الهوية هي من أكثر القضايا الروائية بالنسبة إلي جدلا، وقد تحدث أصدقائي في الأصبوحة عن الهوية وعن انقسامها وأنا وربما توارد خواطر فقد كتبت ورقة عنوانها (الهوية صندوق عجب) قلت فيها: ورد في المجلد الأربعين من (معجم تاج العروس) للسيد “محمد مرتضى الحسيني” أن الهوية عند أهل الحق هي الحقيقة المطلقة كذلك ورد في (المنجد) ما مفاده أن الهوية حقيقة الشيء أو الشخص عندما تطلق مجتمعة على صفاته الجوهرية وباشتمال التعريفين أي الحقيقة والإطلاق وهو ما منح الأنظمة أي الحكومات حق أن يطلقوا لفظ الهوية على البطاقة المحددة لانتماء الفرد إلى بلد معين، ضمن مسميات متفق عليها كالبطاقة المدنية وغيرها (الجنسية) (وثيقة السفر) وصولا إلى (البطاقة التموينية) وإذا أخذنا الهوية بمعناها السائد نجدها مفرغة من تلك الأمرين أي (الحقيقة) و(الإطلاق) ما دامت تتعاطى مع الإنسان بصفته كائن ينتمي لمكان معين، قبل انتماءه لوثيقة رسمية معترف بها أو غير معترف بها. لذا فقد حاولت ومن خلال أعمالي الروائية والأدبية أن أطرح فكرة الوطن بشكلها الجميل والذي فقدناه وسط هذا الكم من الاغتراب والضياع الذي لامس حياتنا”.
وعن البصرة يقول: “تقول “إيميل جوثان” وهي كاتبة بلجيكية معاصرة (متى نعود إلى الديار) والديار هنا تعني (اليابان)، وأنا غالبا ما كنت أسأل أبي، ويجيبني أبي أبدا لن نعود، وكان القاموس أي المعجم يؤكد لي فظاعة تلك الإجابة. يمكنني القول أن البصرة لم أخسرها ولم تخسرني لأني اعترف بفضلها، وهي تفخر بكوني أحد أبناءها البارين. فأنا لا زلت أحن للأيام التي كنا نقضيها في مقهى (هاتف)، وهو مقهى معروف في المدينة يرتاده الأدباء والمثقفين، نستمع لبعضنا حتى أصبح هذا المكان أشبه بمنتدى ثقافي يضم الكثير من الأدباء والشعراء”.
وعن شعوره حين ذهب إلى البصرة يواصل: “أنا سعيد جدا ولكثرة سعادتي فإن الكلمات تهرب من فمي ويخونني التعبير عن سعادتي، لأن هذا اللقاء الذي يجمعني بهذه الأرض الطيبة وهذه الوجوه التي غيرت معالمها شمس البصرة التقيتها آخر مرة وبشكل سريع عام 1989، زرت حينها قضاء أبي الخصيب وتحديدا السبيليات لكي اطمئن على أهلها وناسها بعد انتهاء الحرب، واليوم يتملكني الكثير من الاحتشاد الشعوري والرغبة في الكتابة عن هذه المدينة المعطاء بصرة الأدباء والشعراء، هذه المدينة التي كونت فيها مجموعة من الأصدقاء الذين لم يبق منهم إلا القليل بعدما شردت الحروب والاضطهاد كثيرا منهم، ومن بين الأصدقاء الذين حظيت برؤيتهم القاص الكبير “محمد خضير” والناقد “جميل الشبيبي” وغيرهم من الأصدقاء الذين أتحفوني بشهاداتهم في الأصبوحة التي أقامتها لي جامعة البصرة، إلا إنني أشك بموضوعية هذه الشهادات لأنها شهادات صادرة من أصدقاء ومحبين، وعادة ما يطغي الحب على الموضوعية في النقد. فشكرا لأهل البصرة وشكرا لجامعة البصرة التي استضافتني وعملت لي هذه الأصبوحة الجميلة”.
دفاعا عن البدون..
وفي جلسة حوارية في مدينة البصرة بينه “وبين الناقد ”جميل الشبيبي” ومحرر جريدة الصباح “صفاء ذياب” يقول “إسماعيل فهد إسماعيل” عن دفاعه عن البدون في روايته (في حضرة العنقاء والخل الوفي): “أنا ولدت في العراق وعشت فيه أكثر من 25 عاماً، وربما ربع قرن لا يقارن بعمري الذي وصل لثلاثة أرباع القرن، لكني أتحدث عن الجذور والنشأة والبداية والذكريات والتشكل والشخصية، فقد تشكَّلتُ بالكامل بين البصرة وبغداد في ذلك الوقت، وحتى الثقافة والكتابة والهوى والتوجهات الماركسية والوجودية انطلقت من البصرة. فلا أجد خلاصاً من جذوري، عدا عن كل ذلك أمي عراقية، على الرغم من أنها دفنت في الكويت. كلنا نحمل الجنسية الكويتية الأولى، لكننا عراقيون شئنا أم أبينا. الكثير من العائلات الكويتية تقول إنها عراقية على الرغم من أنها من أقدم العائلات الكويتية.. ليس من الضروري أن كاتباً ما يكتب عن موضوع ما يكون هو صاحب القضية، “أورهان باموك” كتب عن القضية الأرمنية وهو تركي. الكثير من كتاب أميركا اللاتينية وأوروبا كتبوا عن حروب ومآسٍ لم يعيشوها، وكتبوا عن هويات مهمشة من دون أن تكون قضيتهم، لكن الهم الإنساني هو الذي يحرّك الكاتب أينما كان. وأنا أعتقد أن قضية البدون بمرور الزمن ستكون كمصيبة اجتياح جيوش صدام للكويت، وليس من الضروري أن تكون آثار ذلك اقتصادية أو تغييراً لنظام حكم، لكن كهمٍّ عامٍّ ضاغط، لأنه يؤدي إلى الكثير من النزاعات، مع وجود أطراف مستفيدة من هذا الوضع، وهناك أطراف استغلت هذا الوضع وادَّعت أنها بدون، على الرغم من أنها ليست كذلك بسبب التعامل الخاص، سابقاً، مع البدون، والحقوق التي كانوا يمتلكونها. فالبدون الذين كان عددهم ألفي شخص في العام 1960 تجاوزوا المئة ألف الآن. وهذا يعود للجانب الاجتماعي للإنسان المضطهد الذي يرى أن تجديد نفسه من خلال الولادات الكثيرة، وهذا ما نراه لدى الأرمن بمدينة البصرة في خمسينيات القرن الماضي، فترى حشوداً من أطفال الأرمن يتجمعون على نهر العشار، كنوع من تعويض الهوية الضائعة.. وازدادت أعداد البدون أيضاً بسبب الأوضاع الإقليمية المحيطة بالكويت، فقد جاءت أعداد كبيرة من المهاجرين إلى الكويت وادعوا أنهم بدون، لأن هؤلاء لا يريدون العودة لبلدانهم، لأسباب سياسية أو اقتصادية، فرأوا أن الأفضل لهم البقاء في الكويت، وقاموا بتمزيق جوازات سفرهم وبقوا فعلاً، وهذا ما ضاعف من حجم المشكلة وأضاف لها نوعاً من العامل الضاغط”.
ويضيف عن معالجته قضية البدون روائيا: “اختلف بناء هذه الرواية عن أعمالي السابقة، فقد كنت أعتمد على تيارين داخليين في معظم الروايات. لكن في هذه الرواية تداخل السرد بين المباشر واللامباشر، بمعنى أن الحوار أتى ضمن الجملة السردية، وفي بعض الأحيان تدخل الأصوات ضمن السرد نفسه، بطريقة عفوية تبدو كأنها سرد شفاهي تتحدث فيها الشخصية إلى نفسها أو الشخصيات الأخرى. واقتربت كثيراً من مفهوم السيرة للأدب، وفي الوقت نفسه جددت من طريقتي في الكتابة. لكني كنت أسخر من مسألة أساسية، وهي مسألة العرق، أو ما يسمى نقاء العرق، في حين نجد أن الجميع هجناء، ولا يمكن أن نقول أن هذا الشخص من عرقٍ صافٍ. لهذا كنت أنظر إلى مسألة البدون نظرة إنسانية وغرائبية، ولا يمكن أن تدوم الحال بهذا الشكل لمواطنين قدَّموا كل ما لديهم لهذا الوطن، وأغلبهم مولودون في الكويت، لكن أصولهم ليست كويتية. ومن السخريات التي تناولتها في الرواية أن اللقيط يمكن أن يحصل على الجنسية الكويتية، لكن البدون لا يمكنهم ذلك على الرغم من أن آباءهم وأمهاتهم مولودون ومدفونون في هذه الأرض”.
محلية الأدب..
وعن اهتمامه بالقضايا العربية يقول: “لدي إحساس بأني عربي لا أكثر. وكانت القضايا الوجودية هي التي تشغلني، وما أعقبها فيما بعد القضايا القومية ذات الطابع الشمولي. وعندما كنت أسأل من قبل الكتاب الكويتيين لماذا أكتب عن مصر أو عن العراق أو لبنان؟ ولماذا لا أكتب عن الكويت؟ أقول إن الكويت ليست لديها مشاكل داخلية وخارجية كالتي توجد في هذه البلدان أو غيرها، شعب فلسطيني مشرد، حرب أهلية في لبنان، حروب العراق وتقلباته، لكني أرفض أن أكتب عن تعدد الزوجات ومشاكل زوجة الأدب وغيرها من القضايا الاجتماعية السطحية الموجود في الكويت، والتي لا تصلح إلا أن تكون كتمثيليات إذاعية لا أكثر. فالأدب لا يكون فاعلاً حقيقياً إلا عندما يعكس محليته، بتقلباتها ونزوعاتها ومشاكلها التي تبحث عن حل. لذا بقيت أكثر من 25 عاماً على هامش المجتمع الكويتي على الرغم من كوني كاتباً كويتياً، حتى دخلت قوات صدام للكويت، حينها شعرت بأني كويتي ويجب أن أدافع عن بلدي ضد هذا الاحتلال. فكتبت حينها سباعية (إحداثيات زمن العزلة)، وعلى أساسه صنفت بأني كاتب كويتي. لكن بعد هذا العمل عدت لأجوائي الخاصة، فكتبت (الكائن الظل) و(مسك) و(بعيداً إلى هنا) وغيرها من الأعمال الروائية، وصولاً إلى روايتي الأخيرة (في حضرة العنقاء والخل الوفي) والتي سبقتها تجارب روائية فاشلة برأيي. وبعد هذه الرواية سئلت من قبل بعض الكتاب الكويتيين عن مشروعي القادم، فأجبتهم بأن روايتي ستكون عن العراقي، كتبت قبل هذا ست روايات عن العراق وسأكتب السابعة. سيكون موضوعها عن الحرب العراقية الإيرانية، فكان استغرابهم بعودتي للكتابة عن العراق بعد أن عدت وكتبت عن الكويت”.
بداية مميزة..
وفي حوار آخر معه أجراه “أنور محمد” يقول “إسماعيل فهد إسماعيل” عن احتفاء صلاح عبد الصبور والأبنودي به: “فيما يخص المقدِّمة أنا لم أطلب هذا من الشاعر صلاح عبد الصبور, لكنَّ الذي حدث أنَّ الرواية كانت مخطوطة منذ عام 1965 وحاولت أن أطبعها أيام كنت في العراق فصودرت النسخة من قبل الرقابة, على أثر ذلك قمت بإرسال نسخة منها إلى سوريا لتطبع فيها عسى أن يكون مناخ الحرية أفضل فصودرت أيضاً, فأرسلت نسخة ثالثة إلى مصر وكان لها نفس المصير. أيامها كان صلاح عبد الصبور يتردَّد على الكويت بين سنة وأخرى, وكان عنده برنامج عن الشعر في الإذاعة الكويتية, وأيضاً كان يحرِّر في مجلة البيان, وكان صديقاً للكويتيين فالتقيت به وشكوت له ما تعرَّضت له الرواية, فطلب مني نسخة وقال لي سأقرأها وأنا سأتصرَّف, فأعطيته نسخة منها وكان هذا في عام 1969. في عام 1970 سافرت أنا إلى مصر وهناك التقيت بالشاعر صلاح عبد الصبور وكان معي الشاعر عبد الرحمن الأبنودي فأعطاني مظروفاً فيه الرواية وفيه رسالة, وقال لي بدلا من أن تذهب إلى الكويت مباشرة اذهب إلى بيروت أوَّلاً, وهذه رسالة مني لصاحب دار العودة, وهو صديق لي وكان طلب مني أن أرشِّح له أعمالاً ليطبعها, لكن عندما خرجنا أنا والأبنودي من عند صلاح عبد الصبور لم أتمالك نفسي ففتحت الظرف وإذا فيه رسالة في صفحة واحدة, ومقدِّمة بخمس أو ست صفحات بمثابة تزكية , فقرأ الأبنودي الرسالة والمقدِّمة وقال لي: ليس معقولاً!! صلاح عبد الصبور لم يكتب في حياته مقدمة لرواية, وأن يكتب مثل هذا الرأي فمعناه أنَّ روايتك متميزة. ذهبنا إلى بيت الأبنودي حيث كنت أنزل عنده, وهو مكوَّن من غرفة وممر, فتركَنا أنا وزوجته «عطيات» ودخل الغرفة وقام بقراءة المخطوط, ولم يخرج حتى انتهى منها وكتب لها أيضاً مقدِّمة”.
اتجاه يساري..
وعن نضاله في فترة شبابه يحكي “إسماعيل فهد إسماعيل” :”أنا كويتي, لكن أمي عراقية وأنا تربَّيت في العراق في بيت خالي, وقد عشت هناك خاصة أنَّ الأوضاع المعيشية في الأربعينيات كانت أفضل في العراق منها في الكويت. عبد الكريم قاسم حاول أن يعتدي على الكويت مطالباً بها, ويومها كتبت قصيدة في جريدة «الحضارة» التي كان يصدرها الحزب الشيوعي اللبناني في بيروت هجوتُ فيها عبد الكريم قاسم ووقَّعتها باسم أبو فهد, الاستخبارات العراقية عرفت أنَّني من كتب هذه القصيدة, فاعتقلتني, ثمَّ تغيَّر النظام واستلم عبد السلام عارف وأيضاً لم أسلم منهم فاعتقلوني. في العراق كان عندي إحساس بأنَّ إقامتي فيها مؤقَّتة وهذا ما منعني من الانتساب للحزب, لكن علاقاتي قائمة مع الحزب الشيوعي بدليل الاعتقالات, والمثير والمضحك أنَّه عندما يزور العراق رئيس مثل سوكارنو يعتقل النظام العراقي الشيوعيين, وعندما يزورها مسئول روسي يفرجون عنهم. كان أوَّل اعتقال لي عام 1956, إذ كنت يومها أقود مظاهرةً ضدَّ الانكليز وإسرائيل وفرنسا في حربها على مصر, يومها كنت طالباً في الثانوية, ويوم خرجت من العراق كان لي عندهم ثلاثة ملفات في الأمن, وكان علي أن أبلِّغهم عن تحركاتي, وعن تغيير مكان إقامتي. العائلة في الكويت رتَّبت سفري فأحضرت لي معها جواز سفر كويتيا, مع أني يومها كنت مطلوباً من المخابرات إذ كان هناك أمرٌ بالقبض علي.. الظروف السياسية في الخمسينيات وأوائل الستينيات كانت مفاجئة لنا, عبد الكريم قاسم انقلب على الشيوعيين, وأنت تعرف أنَّ معظم المبدعين من شعراء ورسامين وروائيين ومسرحيين وموسيقيين وسينمائيين هم من اليساريين, وانقلاب القاسم عليهم، أو بالأحرى علينا، كان بمثابة ضربة قاسية وموجعة, فاضطَّر معظمنا إلى تأجيل مشاريعه, بل إنَّ أغلبهم هربوا من العراق ومنهم الرسام جبر علوان الذي هرب في أوائل الستينيات إلى إيطاليا”.
وفاته..
توفى إسماعيل فهد إسماعيل يوم 25 سبتمبر 2018عن عمر 78 .