بقلم/ محمد مختار ( كاتب وباحث)
مقدمة
يعتبر أحمد السقاف من رموز الحركة السياسة والأدبية في الكويت، وأحمد السقاف اسمه بالكامل أحمد محمد السقاف، ولد في جنوب الجزيرة العربية في الأول من يناير سنة 1919 م ، وتعلم تعليما دينيا وحصل على إجازة تدريس اللغة العربية، ثم درس القانون، وعمل في بداية حياته معلما، ثم التحق بوزارة الإعلام الكويتية ليترقى في مناصبها ويصبح وكيلا لوزارة الإعلام، بعدها التحق أحمد السقاف بالعمل في سلك وزارة الخارجية الكويتية، ثم تم اختياره يعمل عضوا منتدبا للهيئة العامة للجنوب والخليج العربي في وزارة الخارجية، وفي عام 1948 أصدر كاظمة وفي عام 1952 تولى رئاسة تحرير مجلة الإيمان، ثم شارك في عام 1984 م في تأسيس مجلة العربي، وظل بشعره ومواقفه من أبرز المدافعين عن القومية العربية إلى أن توفى في الرابع عشر من أغسطس عام 1984 م .
السقاف والعروبة والصراع مع الاستعمار
وقد اشتهر السقاف – على المستوي العربي – بوصفه أحد كبار الشعراء القوميين ، وأخذت بعض قصائده طريقها إلى المناهج الدراسية في أكثر من بلد عربي ويبدو أن السقاف كان يدرك ما للشعر من تأثير كبير في الجماهير العربية وبخاصة في مرحلة التحرر الوطني، ولذلك كان يعقم أي مناسبة دينية أو قومية أو اجتماعية لكي يطل من خلالها على جمهوره، ويوصل من ثم رسالته. وهو بوصفه شاعرا يحمل رسالة محددة الهدف معني بتوصيلها إلى قاعدة المتلقين الواسعة بأيسر الوسائل، وإن كان ذلك على حساب الشعرية: لا يهمه أن يقال عنه إنه محافظ أو تقريري ما دام يشعر براحة الضمير، لأنه استطاع أن يؤدي رسالته.
وقد ارتبط شعر القومية العربية في شعر أحمد السقاف بمفهوم الصراع بين القومية العربية وبين الاستعمار، ولكن مع ذلك فقد ظهر هذا الصراع بين القومية العربية وبين الاستعمار في شعر أحمد السقاف مختلفا عن مفهوم الخصومة والمنازلة أو الهجوم أو الدفاع الذي تعارف عليه القارئ في الأشكال الأدبية الأخرى بخلاف الشعر، ذلك أن الصراع في الشعر تعنى بالدرجة الأولى التعبير عن حالة نفسية تقوم بالأساس على محاولات من جانب الشاعر لعبور عتبة فلسفية، هى فلسفية تعني بالأساس بحالة الصدمة والتأزم الذي يصل له الشاعر ليصل لقمة التوتر وهو يعبر عن الحدث الأهم في البناء الشعري ضمن سياق القصيدة التي يكتبها الشاعر مؤكدا في نفس الوقت على وحدة الوطن العربي في مواجهة الاستعمار، كما جاء ذلك في الأبيات التي صاغها معبرا عن الوحدة العربية بقوله .
ويتميز شعر السقاف بالعديد من السمات القومية في أسلوب شعره، حيث يمتاز شعره بالمعاني القوية التي يحتوي عليها، كما يستطيع بجدارة أن يكثف فكرته ويعرضها في أقل مساحة ممكنة ولا ينقص منها شيئًا، أي مثلما يُقال (ما قل ودل)، وهو يكتب بأسلوب الشعر العمودي الذي يعتمد بطبيعته على التفعيلة، ولم يغير ذلك الأسلوب طيلة حياته التي اشتهر من خلالها بكتاباته القومية.
ويمتاز الشعر العمودي عند السقاف بوحدة البيت الشعري، ويعني ذلك أهمية البيت الشعري الواحد في القصدية، حيث أنه بإمكانه أن يجسد المعنى العام الذي يستهدفه الشاعر، وبالتالي يكون البيت الواحد هو القصدية في حد ذاتها، ويطلق على هذا (بيت القصيد). على أن بيت القصيد يتجه في نهاية المطاف نحو القضية التي يناضل من أجلها، وهي توكيد وحدة أقاليم الوطن العربي ، والدفاع عن حق الأمة في الشعر التطور والوحدة ، ومن ذلك قوله :
بين الذيد ووادي حام وصلاله
لابد من صنعا
المغرب مزيان مزيان
حكايات من جبال أوراس
بغداد أم الحكايات
وللكنانة حكايات
عن تونس الخضراء
في دموع لبنان
وحيث تتضح من أبيات القصيدة حالة الصراع الذي يعصف بالشاعر بسبب تفرق البلدان العربية لدرجة أنها الحزن والبكاء الذي تبكي فيه بيروت معبرا عن ذلك بقول السقاف ” في دموع لبنان ” هو الذي يعبر عن علاقة التواصل بين الشاعر وبين ما حولها من عالم خارجي خارج التجربة الشعورية التي يعكسها النص، بل أن الشاعرة تعتبر أن قصيدتها تعكس حالة من الصراع الوجوي المستمر، فهي في صراع من الطبيعة بسبب ما تمر به من مخاض الولادة، وهو شكل من أشكال الصراع الذي يمر به كل كائن حى في بداية التحامه بتيار الحياة، إن بشرى البستاني تعلن عن مشهد عام للصراع الأبدي والمستمر وهو الصراع الذي يتمثل في هذه الجريدة في حالة الاحتقان التي يعاني منها الشاعر ويعبر عنها في تجربته الشعورية من خلال تعبيره ألمه لعدم تحقق الوحدة العربية، ويعتبر السقاف في هذا الصدد من رواد الشعر القومي في الشعر العربي المعاصر.
وفي كل الإسهامات التي قدمها السقاف حول ما يتعلق بشعر القومية العربية كان يدرك ما للشعر من تأثير كبير في الجماهير العربية وبخاصة في مرحلة التحرر الوطني، ولذلك كان يعقم أي مناسبة دينية أو قومية أو اجتماعية لكي يطل من خلالها على جمهوره، ويوصل من ثم رسالته. وهو بوصفه شاعرا يحمل رسالة محددة الهدف معني بتوصيلها إلى قاعدة المتلقين الواسعة بأيسر الوسائل.
ففي قصيدته في النادي الثقافي القومي يقول السقاف
في النادي الثقافي القومي
شباب العرب دون الخلق ناموا
وفي ظل الجهالة قد اقاموا
وشبان الوري في الجو حاموا
وفي الداماء قد سبحوا وعاموا
ونالوا من رفيع المجد قدرا
إذا ناديتهم يا قوم هبوا
فذا داعي العلي نادي فلبوا
ونار الحرب للتحرير شبوا
تباروا في انطلاقهم وخبوا
كأن بهم على الآذان وقرا
أقضي الليل مضطرم الفؤاد
أنادي أمتي أدعو بلادي
أردد حي حي على الجهاد
لقد بان الضلال من الرشاد
فثوروا يا شباب العرب طرًا
ولكن الشباب طغت عليه
حماقات تقيد أصغريه
فلا الآمال منه ولا إليه
إذا أضحي ينعم وجنتيه
ويوسع شعره مشطا وعطرا
وهو في الأبيات السابقة لا ينسى أنه شاعر بالرغم من غرضه السياسي في شعر القومية فيحرص السقاف من خلال هذه الأبيات على بنية الإيقاع في نظمه الشعري
الملحوظ في شعر السقاف هو التدرج في المعنى حتى الوصول إلى الذروة فعادة ما يختم قصيدة بمقولة تجمع كل ما أراده، وتجعل القارئ لا يوجد في ذهنه سوى بيت واحد يتضمن المعنى الكلي للقصيدة.
ويعتبر التوصل إلى المعنى الشامل للقصيدة هدف يتم الوصول إليه من خلال تطبيق قواعد الاختزال الكبرى، وتعتبر تلك القواعد عمليات يتم تطبيقها لإعادة بناء وحدات القصيدة وهو ما يظهر في القصيدة التي كتبها السقاف حول الجزائر .
ففي شعره عن الجزائر يقول السقاف مخاطبا جبل أوراس
إلى جبل أوراس وشعر السقاف عن الجزائر
قليل أن أزف لك التجلة
وأن أزجي إليك الشكر كله
فأنت اليوم هادي كل شعب
أضاعوا حقه فغدوت شغله
وتفجير النضال شفي بلادا
رصاها الأجنبي بكل عله
فثارت بعد طول الصبر حرب
لظاها أفقدت (صوليه) عقله
فهب إلي الخديعة لا يبالي
بما تلد الخديعة لا أبا له
وكانت غضبة دوي صداها
فمن فاس إلى أرض (الأبله)
توحدت المشاعر في كفاح
فريد لم تر الغبراء مثله
وما أرض الجزائر غير أرضي
بقلب تفتدي مني وصقله
أقبل من ثواها كل شبر
بكل جوارحي مليون قبله!!
وتتكرر الفكرة القومية عند السقاف عندما يكتب للعراق، فلا تختلف هذه القصيدة حول العراق عن سابقتها عن الجزائر من حيث وضوح الألفاظ به، ونتأكد هنا من أن السقاف لا يلجأ إلى الألفاظ المعقدة، فنادرًا ما تجد شرح لمفردات ألفاظه في الحاشية على غير الكثير من الشعراء ، وهو ما يتسق مع قواعد التعبيرية في الشعر العربي التي عرفها الشعر العربي بوجه عام.
بنت بغداد وشعر السقاف عن العراق
عصف الهوي بحصافتي ووقاري
فكشفتت بعد تكتمي أسراري
بأبي التي ملكت على مشاعري
بجمالها ودلالها السحار
الكاعب المكسال ترفل في السني
وتضوع عن أرج لها فؤار
سارقتها النظر الخجول فسددت
سهما فكنت كلاعب بالنار
فإذا الفؤاد صريعها ولطالما
صرعت خلي القوم ذات سوار
والمرء إن لقي الغرام مبكرا
لقي العذاب وعاش رهن إسار
ما أنس لا أنس “المعظم” زاخرًا
بالعيد والأمواه والأزهار
يجلو الهموم عن القلوب بحسنه
فيزيد في حسن وفي أعمار
وله مع الآصال أجمل منظر
بظهور أسراب من الأقمار
وفي شعره عن عمان يقول السقاف
شعر السقاف عن عمان والخليج العربي
كل شبر من التراب العماني
هو قلبي ومهجتي وكياني
أفتديه وكل حبة رمل
منه أغلي عندي من العقيان
وله في دمي حقوق وهي ينكر
حق الديار غير الجبان
أهله معشري فأني توجهت
وجدت الوجدان من وجداني
والأصول التي نمتهم نمتني
واللسان المبين فيهم لساني
أمة العرب أنجبتنا فهذا
من صعد وذاك من قحطان
والشمال الذي يتممه نجد
حبيب إلى الجنوب اليماني
أي فرق تراه بين كريم
من عمان وماجد برحاني
نحن عرب ولن نكون لدي الجد
سوي الأكرمين في الميدان
السقاف وحبيبته الكويت
ولكن مع ذلك فإن شعر السقاف لم ينسه حبيبته الكويت فقال :
فيقول عن حبيبته الكويت:
يقول لي الناس: ما اسم الحبيبة
لقد حير الفكر هذا السؤال
فقلت: الحكاية جدا غريبة
فما من غموض وما من خيال
أعيدوا التأمل في كل بيت
فقالوا: عرفنا الكويت.. الكويت
وفي موضع آخر يقول للكويت
(1)
أحييك أم الثم الوجنتين
لقد شاقني منك هذا اللقاء
وقد كان ظني به بين بين
فما أعذب الوصل بعد العناء
أحبك والحب في المقلتين
يطل ويفضح ما في الخفاء
(2)
حملتك في القلب أجمل طفلة
وخفت عليك الدجي والذئاب
وعمدت سيفي بعزم المهلب
وكنت الصبور وكنت المعذب
وما قيمة الحب لولا العذاب
فمنزلة العشق ليست بسهلة
(3)
ألم تذكري حين أعرضت عني
وماتت بروضي جميع البلابل؟
حبست دموعي على الرغم مني
وكيف وأنت حياتي الجميلة
وأنت الكناري وأنت الخميلة
وأنت لدربي ضياء المشاعل
وتتكرر هذه الفكرة لدى السقاف، ويلح عليها في معظم ما كتب وما قال، ولا يرى السقاف تعارضا بين القومية والوطنية، فهو يعتز بوطنه الصغير الكويت قدر اعتزازه بوطنه العربي الكبير، يقول د. يوسف عزالدين «الأحمد السقاف عقيدة واضحة كل الوضوح في شعره فهو عريي النزعة، من المخلصين للوحدة العربية، وقف شعره ضد التفرقة والعنصرية والإقليمية مع المحافظة على إنتمائه الشديد لبلده الكويت، والشغف بها، والتغني بجمالها، وهذا لا يتعارض مع الدعوة العربية لأنه وازن بين حبه لبلده الصغير وبلده الواسع الكبير، يقول السقاف :
هي في ديار الغزب مصب
اح ينور كل بيت
ويتكرر الربط بين حب السقاف لوطنه الصغير الكويت ووطنه الكبير الوطن العربي من خلال القصيدة التي نظمها السقاف في عيد جلوس الشيخ عبد الله السالم الصباح :
ياصاحب الكرسي والممولجان
هنئت بالأفراح في المهرجان
هذي جموع الشعب قد أقبلت
يشير بالأنفس لا بالبنان
يسعى بها الود إلى ماجد
لم تسعف الدنيا به من زمان
ماست له تطوان عن غبطة
واهتزت الزوراء حتى عمان
وردت صنعاء لحن الوفا
فأسكر الترديد بر العدان
أنت العلا إما طلبنا العلا
وصنعك الجبار ملئ العيان
كم من غبي يدعي كاذبا
فهما ويستقوي بطول اللسان
السقاف واستلهمام التراث العربي
وفي أبيات أخرى يظهر الهدف القومي حاضرا لدى السقاف حين اتجه إلى التراث العربي، وبخاصة الشعر، فاختار نماذج شعرية مميزة، وطائفة من الملح والنوادر والأخبار، ونشرها في كتيبات حول الأسماء:
قطوف دانية
أحدى القطوف
أغلى القطوف
الطرف في الملح والنوادر والأخبار والأشعار
وفي الأبيات السابقة يرغب السقاف في ربط الشباب بتراث أمتهم والسقاف بذلك يعتبر أن التراث الركيزة الأساسية للثقافة العربية، وقد أحزنني جهل كثير من الشباب الكنوز الثمينة التي تركها لنا الأدباء والشعراء في العصور المتقدمة، وأكد في أكثر من مناسبة أن التراث هو جزء لا يتجزأ من شخصيتنا العربية، وأنه من المستحيل أن تصان الشخصية العربية دون اهتمام بتراث الأمة العربية العظيمة
المراجع
1- إحسان عباس: اتجاهات الشعر العربي المعاصر، عالم المعرفة، الكويت، 1978
2- يوسف اسماعيل – بنية الإيقاع في الخطاب الشعري .. منشورات وزارة الثقافة، دمشق، ٢٠٠٤م
3- التعبيرية في الشعر والقصة والمسرح ، د. عبد الغفار مكاوي ، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر1971 .
4- ليلى محمد صالح . أدباء وأدبيات الكويت. رابطة الأدباء في الكويت . الطبعة الأولى 1996 . الكويت.
5- محمد حسن عبد الله . الشعر والشعراء في الكويت. دار السلاسل للطبع والنشر والتوزيع. الطبعة الأولى. 1987 . الكويت