31 يناير، 2025 10:49 م

“آلة حرب هوليوود” يكشف .. كيف نجحت أميركا في عسكرة الثقافة الشعبية لصالح عدوانية إمبراطوريتها !

“آلة حرب هوليوود” يكشف .. كيف نجحت أميركا في عسكرة الثقافة الشعبية لصالح عدوانية إمبراطوريتها !

وكالات – كتابات :

تطورت وظائف الهيمنة لشرعنة النزعة العدوانية والتوسعية للإمبريالية لتحتل مجالاً واسعًا من وسائل الإعلام الراسخة والثقافة الشعبية، وتتمثل مهمتها في إضفاء الشرعية على الإمبراطورية الأميركية. كما هو متوقع، فإن “الفضائل العسكرية” لا تنقلها فقط الأفلام، بل والتلفزيون وألعاب الفيديو ووسائل التواصل الاجتماعي.. وأصبحت أكثر رسوخًا في المجتمع الأميركي بشكل خاص – هذا الموضوع يتناوله كتاب (آلة حرب هوليوود، العسكرة الأميركية والثقافة الشعبية)؛ لـ”كارل بوغز” و”توم بولارد”، الصادر عام 2016 عن دار “روتليدغ”، وفيما يلي مختارات مما ورد فيه.

في محاولات الحفاظ على التفوق العالمي لـ”الولايات المتحدة”، الذي ورثته من الحرب العالمية الثانية، يمتلك (البنتاغون) عشر مناطق قيادة عسكرية تغطي معظم أنحاء الكوكب، مع أكثر من: 800 قاعدة في عشرات الدول. ونظرًا لعدم وجود إمبراطورية في تاريخ العالم اقتربت حتى من هذا الحجم من القوة العسكرية، فسيكون من المدهش ألّا تعمل قنوات الإيديولوجية الإمبريالية بشكل مستمر لاستثمار تلك القوة بأقصى قدر من الدعم المحلي، والذي من دونه تزداد إمكانية مقاومة عموم السكان لمخاطر الحرب وتكاليفها المرهقة.

حتى كتابة هذه السطور؛ (أواخر 2014)، ترك الجيش الأميركي في أعقابه ظروف الفوضى الهوبسية؛ (نسبة إلى هوبس – حرب الجميع ضد الجميع)، في معظم الدول التي تدخل فيها؛ “العراق وأفغانستان والبلقان وليبيا وسورية”.. ساهمت سنوات من دعم “واشنطن” المطلق لـ”إسرائيل”؛ في خلق الظروف نفسها في “فلسطين” أيضًا. نمت الدولة الأميركية كدولة أمنية يُغذّيها العمل المكثف لـ”وكالة الأمن القومي” (NSA)، و”إدارة مكافحة المخدرات” (DEA)، والوكالات الفيدرالية المماثلة. محليًا هناك مجمّع السجون الصناعي مترامي الأطراف يضم حوالي: 2.3 مليون محتجز. بحلول عام 2013، كانت “الولايات المتحدة” تنفق ما يقرب من: 700 مليار دولار سنويًا على جبروتها العسكري، وهذا أكثر من: 40% من الإجمالي العالمي، أكثر من “الصين”: (166 مليار دولار)؛ و”روسيا”: (90 مليار دولار).

الإيديولوجيا الإمبريالية تدعم بنيانها التحتي..

المنطق الأميركي الرسمي حول أن الحرب ضد الأعداء تعمل على “تقوية الأمة”، وحماية “أمنها” إلى جانب الإدّعاءات المزعومة بتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان – يتعارض بشكل صارخ مع الواقع التاريخي. مثل هذه الإدعاءات تقابل بالسخرية في جميع أنحاء العالم، ولكن للأسف، يتم أخذها على محمل الجد من معظم الأميركيين، بمن فيهم النخبة المتعلّمة. أحد أسباب هذه الفجوة المتسعة هو التأثير المنتشر للثقافة الإعلامية، التي تفعل الكثير لإضفاء الشرعية على دولة الحرب ومشاريعها الخارجية المتكررة.

وسائط “ميديا” للإيديولوجيا..

تزامن النمو المطّرد لمجتمع عسكري في “الولايات المتحدة” مع توسع وسائل الإعلام بأشكالها المتنوعة: الأفلام والتلفزيون والراديو والإنترنت وألعاب الفيديو والصحافة المطبوعة وتكنولوجيا الهاتف المحمول. تُعدّ وسائل الإعلام المشتركة، التي تُمثل ناقلاً ممتازًا للمعلومات والرأي والاتصال والترفيه، ركيزةً أساسية للهيمنة الإيديولوجية، ومستودعًا حيويًا للقيم والمواقف والمعتقدات والأساطير التي تُشكل الرأي العام على أساس يومي. تكتلات وسائل الإعلام العابرة للقوميات مثل” (ديزني، وتايم وارنر، ومايكروسوفت، وآبل، وفياكوم، ونيوز كوربوريشن) – جميع مواقع الثروة والسلطة التي لا يمكن فهمها – تحتفل بشكل طقوسي بعجائب اقتصاد “السوق الحرة”، وفضائل الاستهلاك الشخصي، وبركات نظام سياسي مبنيّ على الحرية والديمقراطية، وسياسة خارجية “خيّرة”؛ لـ”الولايات المتحدة”، والحاجة إلى تفوق عسكري معولَم، وبالطبع “الوطنية” الأميركية قديمة الطراز. لذلك لا ينبغي أنْ نتفاجأ عندما نجد تدفقًا مستمرًا للصور والخطابات العسكرية عبر المشهد الإعلامي، ربما ليس في أي مكان أكثر من سينما هوليوود.

تذكير تاريخي..

منذ فترتها التكوينية الأولى، تحركت “الولايات المتحدة” بلا هوادة على طريق الاستعمار والعنصرية والنزعة العسكرية، حيث احتلت أولاً أراضي الهنود الأصليين ومناطق شاسعة من “المكسيك”، ثم بعد استيطان “أميركا الشمالية”، اندفعت إلى “أميركا اللاتينية”، وجزر “المحيط الهاديء”، و”آسيا”، في ختام الحرب “الإسبانية-الأميركية”. ولجزء كبير من القرن العشرين، كانت “الولايات المتحدة” في حالة حرب (أو تستعد للحرب)، امتدت إلى حربين عالميتين، وتدخلات في: “كوريا والهند الصينية وأميركا الوسطى والبلقان وأفغانستان والعراق وليبيا وسورية”.. مع مزيد من الحروب في الشرق الأوسط لدفع الأولويات الاقتصادية والجيوسياسية. في هذا السياق، تُريد النخب الحاكمة بطبيعة الحال أن يعتقد الجمهور أنّ هذه القوة العالمية يتم استخدامها من أجل “غايات نبيلة” تمامًا حول المباديء العالمية للحرية والديمقراطية المتوافقة مع الأسطورة القَدَريّة.

“تطبيع” الطموحات الإمبريالية..

تتطلب جميع هياكل السلطة دعمًا إيديولوجيًا وثقافيًا منهجيًا – إجماعًا شعبيًا – لكن ضرورات الإمبراطورية تُضيف المزيد من التعقيدات إلى هذه المتطلبات العادية. الطموحات الإمبراطورية، واقتصاد الحرب المتضخم، وشبكة المراقبة، والتدخلات المسلّحة المستمرة – جميعها يجب أن تظهر بطريقة ما “طبيعية”، عادية، وتستحق “الواجب المقدس”. تُساعد دوافع الاستثنائية القومية، والحرب عالية التقنية، “والمهمة الحضارية”، على تلبية وظيفة الشرعية هذه، كما تفعل الشوفينية المرتبطة بالتفوق الاقتصادي والتكنولوجي والعسكري.

إن ترجمة هذه المصفوفة الإيديولوجية إلى لغة وفهم شعبيَّين، ودمجها في الثقافة السياسية، ليست مهمة جهاز دعاية كلاسيكي بقدر ما هي مهمة نظام تعليمي وشبكة اتصالات وثقافة إعلامية مناسبة للرأسمالية الحديثة. في “الولايات المتحدة” اليوم، يُعد المجمع الإعلامي مترامي الأطراف امتدادًا لعمليات الشركات العملاقة التي تضم أكبر نظام ترفيهي إعلامي عرفه التاريخ وأكثره نفوذًا. ومنها صناعة أفلام هوليوود، التي أصبحت مركزية بشكل متزايد لهذا النظام، حتى باتت حصن الإمبراطورية الذي لا غنى عنه.

إن سعي “الولايات المتحدة” للهيمنة العالمية، وهو هدف يتقاسمه الجمهوريون والديمقراطيون بالتساوي، يُغذّي الحكومة المركزية، والشركات، والقوة العسكرية، ناهيك عن فرض تطبيق القانون وأمر المراقبة الذي لا يمكن أن يوفر الشرعية بمفرده. هذا هو بالضبط دور الثقافة الإعلامية. تُساهم صناعة الأفلام في “هوليوود” بسخاء في هذه الوظيفة، على الرغم من إفلات بعض إنتاجات الصور المتحركة هنا وهناك والتي قد تتعارض مع الأنماط السائدة. يجب التأكيد على أن الشرعية تكتسب القوة ليس من خلال رقابة الدولة أو ضوابطها في المقام الأول؛ ولكن من خلال العمل العادي الذي يتم تنفيذه على جميع مستويات وسائل الإعلام، حيث الدعاية الفظّة أو الجهود “التآمرية”.

نادرًا ما تكون هناك حاجة إلى جهود لفرض قوانين الهيمنة. من المتوقع أن تؤثر الصيغ والصور والأساطير والأوهام المتكررة الموجودة في أفلام “هوليوود” وبرامج التلفاز الشهيرة على الجماهير بطرق يمكن التنبؤ بها إلى حدٍ ما، مثل الإعلانات والعلاقات العامة وعمليات مراكز الفكر. أحد الردود المحتملة على الفيضان السنوي من صور القتال العنيف، والأكشن/المغامرة، والخيال العلمي، وأفلام الرعب، هو تسريع تقبُّل المُستَهدفين لدعم المشاريع العسكرية الأميركية التي تتطلب عمومًا القليل من المنطق الفكري في بيئة مشحونة إيديولوجيًا.

من المؤكد أن المجتمعات الصناعية المعقدة تمتلك وكالات متنوعة للهيمنة والتسييس، ولكن لا يوجد اليوم ما ينافس قوة ثقافة وسائل الإعلام المؤسسية المُعَولمة. كما يُشير “دوغلاس كيلنر” إلى أنّ: “مشاهد الثقافة الإعلامية تُحدّد مَن تُظهره قويًا ومَن تُظهِره ضعيفًا، مَن يُسمح له بممارسة القوة والعنف ومَن يُمنَع من ذلك. إنهم يضخّون ويشرعنون القوى القائمة ويثبتون من لا حول لهم ولا قوة، والذين إذا فشلوا في الإذعان يتعرضون لخطر الحبس أو الموت. ألعاب الفيديو، ووسائل التواصل الاجتماعي، والموسيقى – إنها تشكل وجهات نظرهم السياسية، وبالتالي يكون تشكيلها أسهل بكثير. إن كون مثل هذه الآراء متحيّزة، أو غير متساوية، أو تفتقر إلى التماسك، بالكاد ينتقص من بروزها أو كثافتها، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بقضايا السياسة الخارجية والعسكرية… هوليوود تصنع أفلامًا ترفيهية باهظة الثمن وعالية التقنية، تقوم بشكل مباشر أو غير مباشر، بإضفاء الطابع الدرامي على الموضوعات الإيديولوجية التي تتناسب مع المتطلبات التوافقية للإمبراطورية”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة