خاص: حاورته- سماح عادل
“رياض حلايقه” كاتب روائي وقاص فلسطيني المنشأ أردني الجنسية، من مواليد الخليل- فلسطين عام 1956، يكتب الخيال العلمي بطابع غربي، صدر له (رجل من الماضي في الأردن ومصر والجزائر وترجمت للفرنسية- أسرار القلعة في مصر والجزائر- البريئة في الأردن والجزائر)
إلى الحوار:
(كتابات) متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور؟
- في عام 1981 كنت أعمل في شركة في عمان. كان ثمة شركة للتعهدات مقابل الشركة التي أعمل بها لكنها دائما مغلقة, عندما سألت عن السبب أخبروني أنها تفتح ليلا وأن هناك شبهات حولها, بعد أيام رأيت طالبة تحمل حقيبتها المدرسية، ويبدو أنها فقيرة تفتح تلك الشركة وتغلق الباب خلفها. كان هناك علامات استفهام كبيرة؟
وفي تلك الفترة سمعت قصة عن أخوين تولى الكبير رعاية أخيه وتعليمه حتى تخرج من كلية الصيدلة, استدان الكثير ليفتح له صيدلية خاصة, لكن الأصغر بعد أن تزوج خان أخاه وتنكر له وطرده من صيدليته. تأثرت كثيرة بتلك الحكايتين فكتبت رواية الأولى بعنوان الأخوة الأعداء لكنها وئدت في مهدها من قبل كاتب معروف, لكن البداية الحقيقة كانت عام 2000 مع رواية (رجل من الماضي).
من الممتع أن تكتب ولا شك أن القراءة والاطلاع على روايات عالمية من الشرق والغرب حمسني كثيرا لمتابعة الكتابة، وفتح أبواب كثيرة للخوض فيها، وعندما أكتب أجد أن الأحداث تسير بسلاسة لدرجة أنني أكتب ما أشاهده في مخيلتي كأنني أشاهد فيلما وأنقله على الورق، ويجد القارئ أن كتاباتي هي لوحات فنية أكثر منها قطع أدبية وحاولت جاهدا أن أجمع بين اللونين.
(كتابات) في رواية (رجل من الماضي.. مائة عام في الفضاء) لما اخترت أن تدور أحداث الرواية في أمريكا؟
- كما تعلمين الرواية خيال علمي ومخلوقات فضائية وأعتقد أن طرحها في بلد عربي لن تكون مقبولا من قبل القارئ العادي على الأقل, من جهة أخرى وهو الأهم عندما قمت بزيارة لرابطة الكتاب الأردنيين في عمان سمعت حوارا بين عدد من الكتاب يشكون صعوبة الحياة أصابني بالإحباط، فأردت أن أكتب رواية غربية قلبا وقالبا خاصة أن الغرب الأمريكي تحديدا يعشق الخيال والغموض، كحرب النجوم وهاري بورتر وغيرها، ونجد أيضا أن نجاح الاختراعات والبحوث في شتى المجالات في أمريكا، وما يهمنا هنا الطب حيث أن العلم تدخل في كل ما يتعلق بالقلب حتى أن الأطباء قاموا بزراعة القلب ونجحوا في ذلك.
والقلب والعقل هما أهم عضوين في الجسم, ففكرت لما لا يكون هناك عمليات للدماغ كما جرى في أحداث الرواية, نحن نعلم أن الدماغ هو أكبر مخزن للمعلومات, لما لا نجري بحوثا على إمكانية تخزين ذاكرة شخص ما ونقلها لآخر كما هو الحال في الأفلام والكتب وغيرها, هل ينجح العلم في ذلك؟
(كتابات) في رواية (رجل من الماضي.. مائة عام في الفضاء) هل استعنت بكتب أو مصادر قبل كتابتها لتتعرف على طبيعة المجتمع الأمريكي؟
- نعم, فأنا لم أزر أمريكا ولا أوروبا يوما, استعنت بالنت في اختيار الأماكن والمدن والنهر والأسماء, أما عن طبيعة حياة الغرب فأنا متابع شغوف لكل الأفلام الأمريكية خاصة والعالمية بشكل عام.
(كتابات) ما سر شغفك بالخيال العلمي الممزوج بأحداث بوليسية؟
- الغموض يشد القارئ كثيرا خاصة في ما يتعلق بالجاسوسية والمطاردة والبوليسية وما شابه. وهذا ما يبحث عنه الكاتب لتجد أعماله القبول والنجاح, من جهة أخرى الخيال يفتح للكاتب آفاق واسعة ليغوص في بحورها ويستخرج اللؤلؤ المطلوب لعشاقه بكل سهولة ويسر.
(كتابات) هل أدب الخيال العلمي مزدهر في الأدب العربي خاصة في الوقت الحالي.. ولما؟
- حسب علمي ليس كثيرا كما هو الحال في روايات الدراما والرومانسية وحتى البوليسية, قد يعود الأمر كما ذكرت سابقا لعدم تقبل الخيال الذي يعتبره بعض الناس خرافات وأوهام بعيدا عن الحقيقة.
(كتابات) ما تقييمك لحال الثقافة في فلسطين والمنطقة العربية؟
- أعتقد أن هناك اهتمام متزايد في نشر الثقافة والاهتمام بها فنحن نر كل بضعة أيام معرض للكتاب في كل أرجاء الوطن العربي, وهذا مجهود خاص بدور النشر وتكاتف مع الكاتب الذي يرضى بالقليل ليتابع شغفه بالكتابة, لكن للأسف أولا لا يوجد دعم للكاتب من الحكومات، وميزانية بعض وزارات الثقافة بالكاد تكفي رواتب موظفيها وثانيا أن المواطن العربي لا يهتم كثيرا بالقراءة وهذا محبط جدا.
(كتابات) ما رأيك في حال النشر وهل يعوق مسيرة الكاتب؟
- بالرغم أن الناشر لا يهمه إلا الربح, وقد عرض علي عقد من قبل دار نشر معروفة ومهتمة بالروايات نشر رواية (رجل من الماضي), كان العقد ينص على أن أدفع كامل تكاليف الطباعة وأحصل على 10% من النسخ فقط, وهناك الكثير منها, وبالرغم من ذلك الكاتب ينشر ولو على حسابه ولا ينتظر المردود المادي الذي يستحقه في سبيل نشر الثقافة واتصال رأيه للناس من خلال كتاباته.
(كتابات) يميل بعض الشباب إلى كتابة الروايات البوليسية وروايات الرعب بسبب الإقبال الجماهيري عليها.. ما رأيك في مستوى هذه الروايات؟
- لم أطلع على الكثير منها إلا أن هناك كتاب نجحوا في ذلك، ونتمنى على دور النشر التي لا تقرأ النص وتكتفي بقبض المال وعملها مجرد تجارة بحته أن تعرف هل يستحق نشره أم لا، وأن تكلف نفسها بعرض النص على أهل الاختصاص لنشر الجيد منها فقط والمحافظة على مستوى الثقافة.
(كتابات) حدثنا عن روايتك أسرار القلعة؟
- هي خيال أيضا وتدور أحداثها بايطاليا وتبدأ من حيث انتهت رواية (رجل من الماضي), ويلعب “سام” و”سوزي” أيضا الأدوار الرئيسية فيها بالرغم من اختلاف الزمن يحث تدور أحداثها في القرن الأول للميلاد في مدينة “بومبي” الايطالية وتسمى أيضا مدينة الخطيئة أو المدينة الهالكة وفي الزمن الحالي, وكل الرواية تدور في سنة من النوم ل”سوزي” التي كانت تبحث عن قصة جديدة لروايتها الثانية بعد (رجل من الماضي).
(كتابات) ترجمت رواية لك للفرنسية ما أهمية ذلك بالنسبة لك؟
- كنت أحلم وأتمنى ترجمتها للانجليزية الأوسع انتشارا ولتصل إلى شركات إنتاج سينمائي ودور نشر أمريكية فقد تواصلت مع عدد من المخرجين الأجانب وكلهم طلبوا نسخة مترجمة, على كل حال فترجمتها للفرنسية كان رائعا وهذا أعطاني جرعة قوية لكتابة أسرار القلعة.
قصة “لحظة ألم”..
لرياض حلايقه
حولت لفيلم سينمائي فلسطيني بعنوان “ميلاد مر” للمخرج “محمد فرحان الكرمي”
“تَحدَّى الموتُ تلكَ الليلةَ المُرعبةَ الحالكةَ الظلامِ، زَخَّاتُ المطرِ تتساقطُ بين الفينةِ والأُخرَى مع هَبَّاتِ ريحٍ قويةٍ, عربدةُ الجنودِ وأصواتُهم عَبْرَ مكبراتِ الصوتِ المزعجةِ سيدةُ الموقفِ, منذُ فجرَ أمسٍ والقريةُ مُحاصرةٌ كأنَّها ثُكْنَةٌ عسكريةٌ, الجندُ مُنتشرون في كلِّ مكانٍ, أسْطحُ المنازلِ نقاطُ مراقبةٍ تُؤذي الأهالي, الدَّوريَّاتُ تجوبُ شوارعَ البلدةِ وكشَّافاتٌ تدورُ في كلِّ الاتجاهاتِ بحثًا عن عددٍ من الشبابِ, طائراتُ الهليوكوبتر ما إنْ تختفي حتَّى تعود, قنابلُ الإنارةِ تُطلقُ في سماءِ القريةِ فتحيلُ الليلَ إلى نهارٍ للحظاتٍ؛ حتى بلغت القلوبُ الحناجرَ، صراخُ زوجته التي أوشكتْ على الولادةِ يقصفُ كِيانَهُ, طِفلهُ الذي يصارعُ بكل قوته للخروجِ من ظلماتِ ثلاثٍ إلى ظلامِ الدُّنيا المضطربِ, بناتُهُ الثلاثُ يرقدْنَ كالملائكةِ في غرفةٍ مجاورةٍ, كان يدعو اللهَ أنْ يرزقه طفلاً ذكراً يحملُ اسمه ويكونُ الجارحَ له عند كِبَرِهِ, طلقاتُ الرصاصِ تُسمعُ كلَّ حينٍ ترهيبًا وجُبنًا, الطبيبُ الوحيدُ في آخرِ القريةِ ومن المستحيلِ الوصولُ إليهِ, القابلةُ غيرُ القانونيةِ وصولُها بحاجةٍ لمُعجزةٍ رَبَّانيةٍ, تساءلَ: – لِمَ القدرُ يعاندُني حتَّى اختارَ هذا التوقيتَ السيِّئَ؟ لعن الصهاينةَ الذين يُعكِّرون صفوَ القريةِ دون سابقِ إنذارٍ كلما طابَ لهم ذلك. – حمدًا للهِ أنَّ للبيتِ بابًا خلفيًّا يفتحُ على الحديقةِ، حمدًا لله أنَّ بيتَ القابلةِ بعيدٌ عن الشارعِ الرئيسِ، قال لزوجتهِ كي تطمئنَّ. الزوجةُ تتألمُ والطفلُ يأبى إلا الخُروجَ, أطفأ النورَ وأبقى على نوَّاسةٍ صغيرةٍ، فتح البابَ ببطءٍ شديدٍ, لبسَ عباءَتَه ذاتَ اللونِ البنيِّ, سمع صوتَ الدوريةِ تتوقفُ أمامَ بيتِهِ, الجند يصرُخُونَ ويُعربدون. ـ يا إلهي! لماذا الآن؟ متى سينصرفون؟ دقاتُ قلبهِ تزدادُ مع كلِّ ثانيةٍ ينتظرُها, كان يخشى أن يقتحمَ الجندُ منزلَه في غيابه فيزدادَ الأمرُ سُوءًا؛ سيتهمونَه بالإرهابِ ودعْمِ الفدائيين -الإرهابيين كما يزعُمُون- هو يعلمُ تمامًا أنهم يُطلقون النارَ على كلِّ مُتحرِّكٍ, أعصابُه مشدودةٌ, صراخُ زوجتِه يُعذبُه, صوتُ الدوريةِ يزدادُ قوةً. -لا بُدّ أنهم سينصرفون الآنَ. لحظاتٌ قاتلةٌ, قلبُه يكادُ يخرجُ من قفَصِهِ الصدريّ, تحرَّكت السيارةُ إلى قلبِ البلدةِ, أخذ يزحفُ في الطينِ غيرَ مبالٍ, كلما سمعَ صوتًا أو أنارت السماءُ بقنابلِهِم أخلدَ إلى الأرضِ, يزحفُ ببطءٍ شديدٍ, ساعةً وهو يجاهد حتى وصلَ إلى بيتِ القابلةِ, دقَّ البابَ بلطفٍ؛ تجمَّد الأهلُ بالداخلِ, خشيتْ أنَّ جندَ الاحتلال سيقتحمونَ المنزِلَ غيرَ مُبالين كالعادة, أسعفَهُ لسانُهُ فنطقَ:
– أنا عِمرانُ يا أمَّ محمودِ.
– عِمرانُ! ما أتى بكَ الساعةُ؟
– زوجتي يا أمَّ محمودٍ, تتألمُ!
– الصباحُ رباحٌ يا عمرانُ, سيكونُ أمانًا, ورُبما ذهبَ اليهودُ.
ـ مستحيلٌ, زوجتي على وشْكِ الوِلادةِ!
ـ كيفَ سنذهبُ والجنودُ يُطلقون النارَ حتى على الحيوانِ؟
ـ سنذهبُ من الخلفِ عبرَ البساتين فلا أحدَ يكشفُنا.
– لا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ! انتظرْ لأرتديَ ملابسي.
ـ أرجوكِ يا أمَّ محمودٍ, علينا أنْ نزحفَ وإلا شاهدَنا الجنودُ.
– نزحفُ! هلْ جُننتَ يا رجلُ؟ الوحلُ يملأُ كلَّ مكانٍ!
ـ هذه هي الطريقةُ الوحيدةُ لنصلَ أحياءً, هيَّا لا وقتَ نضيعُهُ أخذت أمَّ محمودٍ الأرضُ, زحفتْ في الطينِ, المطرُ ينهمرُ بسخاءٍ, طلقاتٌ تُسمعُ كلَّ حينٍ, نالَ الشوكُ من أيديهما, تعثَّرَا كثيرًا في الحجارةِ, وقعَا في الحُفَرِ المملوءةِ بالماءِ, أمُّ محمودٍ تكادُ تبكي ممَّا حَلَّ بها, أخيرًا وصلَا البابَ الخلفيَّ, فتحَهُ ببطْءٍ شديدٍ, سمعَا صوتَ طفلٍ يبكِي بمرارةٍ, دخلتْ أمُّ محمودٍ وأغلقَ البابَ, أنارَ الضوءَ, الدَّمُ يملأُ المكانَ, في عَجَلٍ قطعتْ حبلَهُ السُّرِّي وربطتْهُ, كانت الفتياتُ الثلاثةُ مرعوباتٍ حتى الموتِ, وقد تجمدْنَ حولَ الأمِّ كأصنامٍ.
ـ ولدٌ يا عمرانُ مبروك. إنهُ ولد.
. حملهُ بين يديهِ بحنانٍ, ثم, انفجر باكيًا عندما أكدَّتْ أمُّ محمودٍ أنَّ زوجتَهُ فارقتْ الحياة.
يلقي نظره على بناته وقد أخذن سنة من النوم, يضع ابنه الوليد بجانب أمه, يتجه نحو الغرفة المجاورة, يخرج ومعه بندقية, أم محمود مندهشة.
قتلوها يا أم محمود, قتلوا حرمتي.
يتجه نحو الباب, تلحق به أم محمود.
انت مجنون يا رجل, أنت تقاتل جيش مدجج بالسلاح وحدك.
– حرمتي بألف من هالأنجاس, وبهل المانية قد ما أقدر حقتل.
– يا عمران أنت لديك ولاد, ممن يهتم بهم من بعدك.
لهم الله يا أم محمود, وصيتك العيال.
يخرج ويغلق الباب خلفه.
حرمتك بألف وأنت بمية ألف يا عمران.
تسلل عمران إلى أن وصل خلف جدار, بدأ يصوب ويطلق النار, بعد دقائق كان وابل من الرصاص يدك الجدار وثم طائرتين عمودتين تحلق فوقه ترسل حمم نيرانها نحوه, سكت السلاح وصلوا المكان, وجدوا بندقيته مصوبة نحوهم, انفجرت قنبلة قتلتهم, فتشوا عنه في كل مكان لم يجدوا له أثر.
نقلوا جثثهم وجرحاهم وغادروا البلدة خائبين.
كان يقين عند أهل القرية أنه ما زال حيا يحرس أبناءه وهم يكبرون”.