23 ديسمبر، 2024 11:22 م

كمت 6: ديانة مصر القديمة ونشوئها من خلال نظام المقاطعات

كمت 6: ديانة مصر القديمة ونشوئها من خلال نظام المقاطعات

 

خاص: قراءة- سماح عادل

مازلنا في ملف “الحضارة المصرية القديمة”، في الكتاب الأول ل”موسوعة مصر القديمة” للكاتب المصري “سليم حسن”.

آلهة المقاطعات..

يؤكد الكتاب على أن الفكرة الدينية الأساسية كانت واحدة في كل إنحاء البلاد، ولكن الخلاف كان في كيفية عبادة كل إله في كل مقاطعة، ويوضح الكتاب أنه لا نكون مغالين إذا قلنا أنه يوجد في مصر بوجه عام ديانات بقدر عدد المقاطعات.

أهم المعبودات التي ذاعت عبادتها في غربي الدلتا الآلهة “نيت” إذ كانت تقدس في المقاطعتين الرابعة والخامسة، وكان مقر عبادتها بلدة “سايس” “صالحجر” الحالية، وهي عاصمة المقاطعة الخامسة، وقد انتشرت عبادة “نيت” في كل البلاد منذ بداية الأسرة الأولى، وكانت الإلهات في ذلك الوقت لهن لحق في وراثة الملك، كما كان للمرأة في الشرائع الدنيوية، وقد جاء في النصوص القديمة عن هذه الآلهة “نيت الأم العظيمة للإله رع وقد ولدت في الأول في الوقت الذي لم يكن قد ولد فيه أحد”، وقد أصبحت فيما بعد على رأس الثالوث الذي كان يتألف من “أوزير” الزوج ومن ابنه “أري- حس- نفر” الذي كان يمثل على شكل أسد وديع.

المقاطعة السادسة وتشمل بحيرة البرلس، وسكانها يمتهنون صيد الأسماك وعاصمتها “بوتو” ” بر – وزيت” ابطو الحالية، وموقعها تل الفراعين الحالي، حيث كانت تعبد إلهة تتقمص ثعبانا ساما يطلق عليه “وزيت”، وفي الجهة الغربية المقاطعة السادسة عشرة وعاصمتها “منديس” تل الربع وكانت تسمى بالمصرية “بر- با- نب- زد” أي “بيت روح سيد زد”، وهي مقر عبادة إله على شكل تيس يعبد باسم “خنوم” غنم، ثم جاء في العصور المصرية فيما بعد الإله “أوزير”، كان يتقمص هذا التيس ولم يصور قط على شكل آدمي بل بجسم بشري ورأس تيس، وجدير بالملاحظة في هذه المقاطعة أنه كان يرمز لها باسم إلهة على شكل سمكة درفيل “حات- محيت” وتقديس هذه السمكة في تلك الجهة دليل على أنها كانت تدرج في النيل إلى هذه النقطة، أي أن الماء المالح الذي تعيش فيه هذه السمكة كان يصل إلى هذه الجهة وتوجد في دمياط إلى يومنا هذا.

وجنوب هذه المقاطعة نجد بلدة “زدو” أبو صير وهي عاصمة المقاطعة التاسعة، وهي مسقط رأس إله النباتات العظيم “أوزير” الذي حل محل إله قديم يدعى “عنزتي” كما تنبئنا متون الأهرام، والإله “أوزير” بكر إله الأرض “جب” ويسكن في أعماق الخصب فيخرج الزرع والأشجار وكل الثمرات، أما الرمز الذي تتقمصه روحه في هذه البلدة هو جذع شجرة قد شذبت فروعه فأصبح على هيئة وتد، ويرى علماء اللاهوت في هذا الرمز أنه يمثل العمود الفقري لهذا الإله، ومن أجل ذلك كان رجال الدين يحتفلون سنويا بعيد عظيم لإقامة هذا الرمز وجعله منتصبا في المعبد، إذ يرون في ذلك ضمانا للثبات الأبدي للعالم، ولهذا السبب يرمز هذا الرسم في المتون والتعاويذ التي تعمل على شكله إلى معنى الثبات.

وعندما كان يفيض ماء النهر ويطفو على الأراضي ويغطيها كان ذلك يسبب غرق الإله الذي يسكن الأعماق، ولكن زوجتيه الآلهة “ازيس” والإلهة “نفتيس” كانتا تخلصان جثته من الغرق كما تقول الأساطير، وبذلك ينتعش “أوزير” ويحيا حياة جديدة بمفعول السحر من جهة، ولأن والده إله الأرض “جب” قد أمر بذلك من جهة أخرى، ومنذ ذلك العهد كان “أوزير” عاملا فعالا في نمو النباتات وجعلها يانعة، وهو مع ذلك في أعماق قبره ولذلك يعتبر إله النيل كما جاء في متون الأهرام، وهذه الأطوار في حياة “أوزير” كانت تمثل في احتفال ديني عظيم يفرد لهذا الغرض فيحتفل فيه بذكرى وفاته وعودته للحياة، وكان يقام في بلدة العرابة المدفونة حيث يقال أن رأسه كان مدفونا هناك.

وقد جاء في الأساطير أن أوزير حكم في سالف الأزمان على الأرض ونشر أعماله الطيبة، لكن أخاه “ست” اغتال حياته خلسة في مؤامرة دبرها له، ومنذ ذلك الوقت أصبح مقره الأبدي القبر، بعد أن جمعت أختاه “ازيس” و”نفتيس” أشلاءه من الأمكنة التي وجدت فيها، ومع ذلك فإن هذا الملك الذي يعبر عنه المصريون “الذي لا يدق قلبه” يمكن أن يعود إلى الحياة ثانية ويمنح قوة التناسل بمفعول السحر، وقد نتج عن عودته للحياة الثانية أن ولدت له إلهة السماء “ازيس” ابنه “حور” ولكن أمه هربت به خوفا من اضطهاد عمه وشروره، فذهبت إلى المناقع التي في غرب الدلتا بالقرب من “بوتو” ولما اكتملت رجولة “حور” انتقم لوالده وفتح ثانية مملكته بفضل مساعده جده “جب” إله الأرض الذي نصبه وازنا على ملك والده، وكان من نتائج هذا أن أصبح “حور” يعبد في بلدة “بوتو” التي كانت تعد مسقط رأسه وانتشرت عبادته في مواطن أخرى كثيرة في الدلتا.

وهناك إلهة أخرى كثيرة غير ما ذكرنا يرجع منشؤها إلى بلاد الدلتا وقد لعبت دورا هاما في تاريخ ديانة مصر، فمنها الإله “تحوت” وكان مقر عبادته بلدة “هرموبوليس” “بحدت” عاصمة المقاطعة الثالثة، وهي دمنهور حاليا وكذلك الإله “سبك” التمساح الذي كان بعد في مناقع غربي الدلتا في بلدة “سايس”، وكان يطلق عليه ابن الآلهة “نيت” كما رود في متون أهرام الملك “وناس” آخر ملوك الأسرة الخامسة، وقد بقى اسم هذا الإله محفوظا إلى الآن في أسماء بعض القرى المصرية في الدلتا مثل “سبك الأحد” و”سبك الثلاث” وكان الاعتقاد السائد في هذه الجهات أن هذا الإله يساعد على نمو النبات على ضفتي النيل.

ومن الحيوانات التي شاعت عبادتها في الدلتا البقرات والثيران، فكان الثور يعبد في المقاطعة الحادية عشرة وعاصمتها “شدنو” هربيط الحالية وكان يطلق عليها اسم ثور “شدنو” العظيم، وكشف حديثا مكان كان مدفنا للعجول والطيور المقدسة، وتدل مدافن هذا النوع من العجول على أنه كان معتنى به كثيرا في العصور المتأخرة حوالي الأسرة الثلاثين، والنقوش التي وجدت على توابيت هذه العجول ليس لها مثيل في تاريخ الديانة المصرية، خاصة أنها تكشف عن صفحة جديدة في منازل القمر وأوجهه وعبادته في هذا العصر، أما في المقاطعة العاشرة فكان الثور يعبد فيها قديما على ما يظهر باسم الثور الأسود وقد بقى الثور رمزا على اسم المقاطعة وعاصمتها “اتريب” “تل اتريب” وهو بنها الحالية.

أما في منطقة منف فكان يعبد بصفته العجل “حابي” أي “أبيس”، أما البقرات فكانت تعبد في منطقة منف، البدرشين وتقمصت روحها شجرة الجميز، وكان يعتقد أنها جسم الآلهة “حتحور” الحي على الأرض، وكثيرا ما يشاهد على الآثار المصرية رسم شجرة الجميز والإلهة مطلة من بين أغصانها على شكل امرأة وبيدها إبريق تصب منه الماء للسابلة والأموات في وسط الجبانة، وقد بقى احترام الجميزة باقيا للآن إذ تزرع بجوار المقابر يستظل بفيئها وتروي ظمأ الأموات، ويعد قطعها من الأمور المحرمة.

أما في المقاطعة الثانية عشرة وعاصمتها “زبات نثر” سمنود الحالية ومعناها “نعبد الإله” فكان يعبد فيها “اونوريس” “انحور” فكان يمثل إله الشمس في شكل إنساني “أوزير” محنطا ويقال في الأساطير انه هو الذي أحضر عين الشمس من بلاد النوبة، وقد حل محل الإله “شو” إله الهواء في أماكن مختلفة، أما أعظم الآلهة المحلية التي كانت تعبد في الدلتا فهو الإله “آتوم” الإله المحلي للمقاطعة الثالثة عشرة والواقعة في عين شمس، ولا نعرف شيئا عن أصل نشأة هذا الإله لأن الكهنة وحدوه مع الإله “رع” ملك الكون، وكان يمثل “آتوم” أو “تم” في شكل حيوان يشبه فار فرعون الحالي، لأنه كما جاء في الأساطير كان يبتلع الثعبان الذي يريد أن ينقض على “آتوم” الشمس عند الغروب ويبتلعه عند غروب الشمس، والحقيقية أن هذا الحيوان لا يظهر إلا عند الغروب ويسطو على الثعابين، وكذلك كان يمثل على شكل رجل متوج يحمل شارات الملك، وذلك لأنهم كانوا يعتقدون أنه ملك الآلهة.

أما عندما كانوا يمثلون “رع” إله الشمس فكانوا يرون فيه قرص الشمس في الأحمر الذي يسبح في السماء في سفينته، وقد كان الخيال المصري أحيانا يصوره في صورة غريبة فكان في إحدى الجهات يمثل إله الشمس على هيئة جعل، تلك الحشرة التي تدحرج أمامها قرص الشمس في إنحاء السماء كما يدحرج الجعل الأرضي كور الروث التي تشتمل على بويضاته وتلد نفسها بنفسها دون أن تحتاج إلى أنثى، وفي جهة أخرى تمثل الشمس على هيئة عجل من الذهب ولدته إلهة السماء، وفي خلال النهار يكبر ويصبح ثورا ويسمى “كاموتف” أي ثور أمه لأنه يلقح البقرة لأجل أن تضع شمسا جديدة لليوم التالي، أما إذا مثل الإنسان السماء على شكل امرأة فإنها تلد الشمس على هيئة طفل يكبر كذلك خلال النهار ليغيب في السماء كرجل مسن في عالم الآخرة، وتمثيل الشمس على هيئة رجل مسن كان يعبد بصفته “آتوم” في عين شمس، أما الجعل “خبري” فكان يعبر عن شمس الضحى، وهكذا كان يفرق القوم بين مظاهر الشمس الثلاثة “خبري” في الصباح و”رع” وقت الظهيرة و”آتوم” عند الغروب، على أن هذا الترتيب لم يكن متبعا بصفة قاطعة في كل الجهات.

وعندما نترك الدلتا صاعدين في النيل أول ما يواجهنا منطقة “منف” أي في المقاطعة الأولى للوجه البحري، ونجد فيها عدة إلهة تعبد جنبا إلى جنب منها أولا الإله “سقر” ومنه اشتق اسم بلدة “سقارة”، وهو إله كان يمثل على شكل إنسان يحمل رأس صقر، ويعد إلها للموتى والإله “تاتننت” ومعناه الأرض التي ترفع، ويعد مظهرا من صور الإله “فتاح” الذي كان يعتبر من أهم معبودات هذه الجهة أيضا، وكان يمثل على هيئة رجل ملفوف في اللفائف كأنه مومياء برأس صلعاء عارية، وليس في حالته أو شكله ما يشير إلى وظيفته أو هو في الحقيقة يمثل إله الفن والنحت، وإليه ينسب خلق العالم، وكان ينعت “فتاح” بصاحب الوجه الجميل، وثالثا العجل “آبيس” ولكن أهميته لم تصبح ذات شأن إلا عندما صارت “منف” عاصمة الدولة، ومن المدهش أن هذا العجل كان يحفظ في معبد الإله “فتاح” مع أنه لا علاقة بينهما إلا في عهد الدولة الحديثة، إذ كان القوم يعتقدون في ذلك الوقت أن روح الإله “فتاح” قد تقمصته.

وأول ما يواجهنا في طريقنا من مقاطعات الوجه القبلي المقاطعة الثانية والعشرون وعاصمتها “بر- حمت” “بيت البقرة” وموقعها أطفيح الحالية، وكانت البقرة تعبد بصفتها إلهة السماء، والمقاطعة العشرون وعاصمتها “هراكليوبوليس” اهناس المدينة الحالية، وفيها معبد الإله “حرشف” الذي على بحيرته وتتقمص روحه كبشا، وكان يعتقدون أنه إله عالمي وأن عينيه هما الشمس والقمر، ومن أنفه يخرج الهواء، أما المقاطعة الحادية والعشرون وتسمى مقاطعة النخيل السفلي فهي واحة الفيوم نفسها، التي سكنها المصريون منذ فجر التاريخ وعاصمتها “شدت” فيوم الحالية وكان يعبد فيها الإله “سبك” وقد أقيم له معبد آخر عظيم في بلدة “آمبوس” كوم أمبو الحالية.

وفي المقاطعة الثامنة عشرة والسابعة عشرة والثانية عشرة كانت تسود عبادة الإله “آنوبيس” بجانب آلهة أخرى وخاصة في المقاطعة السابعة عشرة، والإله “آنوبيس” يمثل على شكل ابن آوي وكانت عبادته عظيمة في هذه المنطقة، وفي بادئ الأمر عبد رهبة وخوفا منه، إذ أن هذا الحيوان كان بطبعه يحوم ليلا على حافة الصحراء بالقرب من الجبانات فكان القوم يخافون منه على أجسام موتاهم، ولكن الكهنة فيما بعد البسوا عبادته ثوبا آخر، وأصبح يعبد بصفته حامى الموتى والمشرف على تحنيطهم وإعداد جنازتهم، ومن المحتمل أنه أخذ هذا المركز في العبادة بسبب الدور الذي لعبه في أسطورة الإله “أوزير” إذ هو قام بتحنيطه وإقامة عشائره الدينية وخاصة عند تمثيل عيد إحياءه.

أصول الديانة المصرية..

ديانة مصر أساسها ديانات المقاطعات المختلفة، وكل إله كانت له منطقة نفوذ ثابتة محدودة في بادئ الأمر، وكان سلطانه فيها هو السائد لم تكن المنطقة التي يسيطر عليها الإله تتألف من ذات عصبية واحدة بل من أهل المنطقة التي كان يوجد فيها هذا الإله وممن يحمون في سلطانه، وبجانب هذه الآلهة الرئيسية عدد كبير في كل مكان من الآلهة الأخرى ذات الأهمية النسبية، غير أنها كانت تشاطر الإله الأعظم العبادة بصفتها أما زوجة له أو ابنا، وأحيانا كان لها عبادة مستقلة وسلطان، على أن وجود هذه الآلهة وتأثيرها في الديانة كان ينحصر في معابدها وفي شكل عبادتها.

والآلهة عند قدماء المصريين كائنات معينة معروفة اتخذ كل منها شكلا ثابتا باقيا لا يتغير، وقد انفصلت هذه الآلهة عن عالم الأرواح وهذه الأرواح تلعب دورا هاما عظيما في مظاهر الديانة المصرية، وتبرز بدورها الهام في السحر الذي كان له تأثير خطير في العقائد الدينية في كل عصور التاريخ، ومن المظاهر المحسوسة التي تتجلى فيها الأرواح المقدسة الحيوانات، وهي أما منزلية تقدم للإنسان خدمات أو متوحشة ضارية تفتك به فيخاف شرها، وأهم حيوانات النوع الأول الثور والبقرة والتيس والكبش، وأهم حيوانات النوع الثاني فهو الأسد والتمساح وجاموس البحر والثعبان والأفعى، وكان الإنسان يسعى لاتقاء خطر هذه الحيوانات والظاهر أنه كان يرجع سبب قوتها وفتكها بجنسه إلى أن الإله قد حل فيها وأنه إذا استعطفها وقدم خضوعه وقرب إليها القربان نجا من شرورها.

وهناك صنف آخر من الحيوان مثل القطط وغيرها كان لا يضر ولكنه يعبد لأن فيه قوة سحرية خاصة وسرية، وأهم هذه الحيوانات القردة والأسماك والطيور، ومنه الطائر “آبيس” أبو منجل ومالك الحزين “الفنكس” والصقر والنسر والضفدعة والجعل إلخ.

وكان يعتبر قتل أي حيوان من النوع المقدس ضربا من الكفر ويعاقب المجرم بالقتل وينطبق الحكم على أكلة لحوم هذه الحيوانات، فكان محرما أكل القطط والكلاب لكن يذبحون الخراف والماعز والثيران أما البقرة التي تدر اللبن فكان مجرما ذبحها وهذه الطريقة متبعة في الهند.

الآلهة كانت لا تتقيد قط بهيئة واحدة من أشكال الطبيعة، بل كانت في الحقيقة كالإنسان لكل منها روح مثله على هيئة طائر “با” وهو عنصر حي يسكن الجسم مدى الحياة، وكذلك كان له قرين “كا” يمثله المصريون على هيئة ذراعين مرفوعين، وكانت وظيفة هذا القرين أن يمد الجسم المادي بالحياة والقوة ويقف خلفه ليحميه بعد الموت، وكان من الضروري وجوده مع الإنسان في قبره وإلا مات أبديا، ويمكن التمييز بين القرين “كا” وبين الروح “با” فالأول يسكن مع الجسم في القبر وتمنحه الحياة بالقرابين التي يقدمها أهل المتوفى له على مائدة قربانه، بوساطة كهنة تسمى خدام القرين، وقد كانت تحبس عليهم الأوقاف الشاسعة من أجل ذلك.

أما “البا” فهو الروح الذي يصعد إلى السماء بعد وفاة الإنسان، غير أن الآلهة كانت تختلف عن بني الإنسان في ذلك وذلك أن الإله يمكنه في كل لحظة أن يترك الجسم الذي يسكن فيه وينتقل إلى جسم آخر كما يريد، لأنه لم يكن عرضة للموت، يستثنى من ذلك الإله “أوزير”، وفي إمكان الإله أن يوجد في كل مكان يريد أن يشعر فيه بقربه أو بقوته ويمكنه أن يتقمص أشياء مختلفة جدا في وقت واحد، فيسكن الأحجار والحيوانات، وذلك هو السر في أنه في كل معبد مصري غير الحيوانات المقدسة شيئا سريا يحفظ في صندوق يكون في معظم الأحيان تمثالا صغيرا من الحجر والفخار، ويعتبر هذا الصندوق المكان الحقيقي للإله، وبعبارة أفصح المسكن الذي حبس فيه الإله بقوة السحر في الزمن القديم أيام تكريس المعبد.

كان للإلهة المصرية طبيعتان، من جهة يظهرون بأنهم إرادة حرة خالدة ومن جهة أخرى كانوا قوى طبيعية خاضعة لدورة الفلك وظواهره، وعلى ذلك كانوا قوة ايجابية وسلبية في نفس الوقت.

في الديانة المصرية نجد بجانب الآلهة المحلية، أرباب المقاطعات، آلهة أخرى يمكن أن تقوم بأعمال خاصة في أزمان وأحوال معينة، وهذه الآلهة تكون أحيانا خاضعة للآلهة المحلية ومن هنا نشأ تأليف مجاميع كاملة من الآلهة تتكون في أغلب الأحيان من تسعة آلهة، يستثنى من ذلك مجموعة آلهة الأشمونين التي تتألف من ثمانية، وعلى رأسهم إله المقاطعة الأعظم وفي بعض الأحيان تكون هذه الآلهة مستقلة عن آلهة المقاطعات.

شعائر وطقوس دينية..

الإله يطلب من أتباعه قرابين من خبز ولحم ولبن ونبيذ وملابس وأدوات زينة وأزهار وحلى وبخور، التي يعيش منها الإله، وكذلك الأعياد والعناية بمعبده، وتقديم قسم كبير من الغنائم التي يغنمها أتباعه بمساعدة الإله، مقابل ما يمنحه لعباده من حمايتهم والمحافظة عليهم، ومعرفة هذه الطقوس التي زادت على مر الزمن يحفظها خدام الآلهة الكهنة عن ظهر قلب، وقد نصبهم القوم لينهضوا بخدمات بيت الإله والعناية بالحيوانات المقدسة وإقامة الأعياد والمواكب، كما أنهم كانوا يعرفون فن تخمين ما يريده الإله وينتزعون منه بساطة الوحي تنبؤات عن المستقبل، وأحكاما فاصلة في قضايا وحقائق تتعلق بالمخاصمات.

بجانب الكهنة ومساعديهم كانت توجد طائفة أخرى عظيمة من المطهرين في معزل عن عامة الشعب، وافراد هذه الطائفة كانوا يقومون بالتطهر بالماء الذي كان يصب عليهم، وتنقسم هذه الطائفة أربع فرق كل فرقة تقوم بخدمة الإله بالتناوب طوال أشهر العام، فكانوا بذلك يشاركون الكهنة في أعمالهم كما كانوا يشاطرونهم دخل المعبد وخيراته التي توقف عليه، وقد كان هذا النظام قائما منذ الدولة القديمة، وأصبح على أفراد الشعب الذين يريدون أن يتقربوا من آلهتهم أن يلجئوا إلى طائفة الكهنة ليصلوا إلى ربهم في بيته المقدس.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة