8 أبريل، 2024 10:47 م
Search
Close this search box.

عبد الحي حلمي.. طريقة أدائه للأدوار الشائعة تتسم بالتحرر من القواعد

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“عبد الحي حلمي”  مطرب مصري، (1857 – 1912)، من أوائل مشاهير المطربين الذين أقاموا حفلات عامة يحضرها الناس مقابل مالي في المحلات العامة والكازينوات والمقاهي، ومن تلك الأماكن حديقة الأزبكية التي افتتحت رسمياً عام 1872. إلا أن ذلك لم يمنعه من الغناء أيضاً في الصالونات وفي حضرة الأمراء العثمانيين في إسطنبول سنة 1910.

ولد “عبد الحي حلمي” في مدينة بني سويف في صعيد مصر، تعلم تعليماً أولياً، ثم انتقل إلى الإسكندرية حيث عمل لدی إسماعيل باشا حافظ الذي كان من أعيان الإسكندرية وأثريائها. في صالون إسماعيل باشا التقی “عبد الحي” بكبار المطربين في مصر في أواخر القرن التاسع عشر، وعلی رأسهم “عبده الحامولي”. في هذه البيئة الفنية حفظ “عبد الحي” الكثير من الألحان القديمة التي كان يغنيها المطربون القدامى، أمثال “عبده الحامولي”، و”محمد عثمان”، والشيخ “عبد الرحيم المسلوب”. ومن خلال عمله مذهبجياً في تخت الحامولي تعلم أصول الغناء قبل أن يجيزه نقيب الموسيقيين في القاهرة ليكون مطرباً منفرداً يرافقه تخته الخاص.

وقد عرف عن “عبد الحي حلمي” أنه كان شديد الاهتمام بمظهره متأنقا واشتهر بنزواته الغريبة حتى كان إذا ما جلس للغناء ولم يطب له محيا الحاضرين ترك المجلس وراح يقضي سهرته مغنياً لغرباء يسرون لناظره. وكان مقبلا على الكحول ويستعمل سائر المخدرات حتّى يبلغ مرحلة “السّلطنة” التي لا بدّ منها لإطلاق العنان لارتجالاته الموسيقية. وقد أدّى به شططه إلى أن يستهلك عمره قبل الأوان ومات سنة 1912 بالإسكندريّة إثر إفراط في الكحول ووليمة على سلحفاة البحر.

كانت طريقة أدائه للأدوار الشائعة تتسم بالتحرر من القواعد المألوفة والجاهزة، فكان يغفل أجزاء كاملة من اللحن ليصب كامل اهتمامه في مقطع أو جملة أو خلجة مقامية مخصوصة. كذلك عرف عنه استخفافه بالإيقاع واللحن الجاهز، مما عرضه لانتقادات شتی في زمانه. لذلك وجد “عبد الحي حلمي” في الموال المبني علی الارتجال خير شكلٍ لإبداعه، ومن المواويل التي أداها “يا حادي العيس” و”الفجر اهو لاح” و”قاضي الغرام”. كذلك اشتهر بالأدوار مثل “على روحي أنا الجاني” ل”محمد عثمان”، و”بستان جمالك” ل”محمد عثمان”، و”قدك أمير الأغصان”.

من العازفين الذين رافقوا تخت “عبد الحي حلمي”في أدائه يذكر عازف القانون” محمد عقاد” وعازف الكمان “إبراهيم سهلون” وكذلك الكماني الحلبي “سامي الشوا”. كان أول تسجيل له مع شركة “زينوفون” سنة 1906 تلاه تسجيلات مع شركات اسطوانات مختلفة في مصر مثل “جراموفون” البريطانية “واوديون” و”بيضافون”.

وقد أدى “عبد الحي حلمي” عددا كبيرا من المواويل، وصلنا أكثرها مسجلا بصوته، ومنها: “قوم في دجي الليل”، “بحر الصبابة بنار الشوق عديته”، “ساهي الجفون”، “الليل أهه طال وعرف الجرح ميعاده”، “يا ناس أنا رايق عاشق”، “موارد الصبر”، “قاضي الغرام”، “أهل السماح الملاح”، “يا مفرد الغيد”، “صبح الصباح”، “ما تحسبوا إن البعاد”، “وفيك ناس يا ليل”، “يا دي الجمال والدلال”، وغيرها.

وحتى في أدائه للقصائد، كان يكثر من التصرفات والارتجال، ولعل المهتمين بطرب عصر النهضة يذكرون جيدا طريقته في غناء قصيدة “أراك عصي الدمع”، من تلحين “عبده الحامولي”، وكيف كان يقطع الكلمات ويقف عليها: “أراك عصي.. الدمع.. شيمتك الصبر”.

والقصائد أدى “عبد الحي حلمي” عددا كبيرا منها من ألحان كبار الموسيقيين في ذلك العصر، مثل: “عجبت لسعي الدهر بيني وبينها”، “أسرت فؤاد المستهام عزيزة”، “ته دلالا فأنت أهل لذاك”، “لم يكل ليلي ولكن لم أنم”، “شعرها الليل جال فوق نهار”، “فيا مهجتي ذوبي جوى”، “عمري عليك تشوقا قضيته”، “وقف الهوى بي”.

أما قالب الدور فيمثل الجانب الأكبر من أعمال “عبد الحي حلمي” وتسجيلاته التي وصلتنا، فقد ترك ثروة من تسجيلات الأدوار كلها من ألحان عمالقة عصره أمثال الشيخ “محمد عبد الرحيم المسلوب”، و”محمد عثمان”، و”عبده الحامولي” و”داود حسني”، ومن هذه الأدوار الخالدة: “بستان جمالك”، “الحلو لما انعطف”، “على روحي أنا الجاني”، “قلبي داب”، “كادني الهوى”، “البلبل جاني وقالي”.

ورغم اهتمامه الكبير بالموال والقصيدة والدور، لم يترك قوالب الغناء الأخرى، فنجده قد غنى عددا من الطقاطيق، مثل: “يا مسلمين يا أهل الله”، “إيدي اليمين يا إيدي”، “الحنة الحنة”، “لبستم زهر الكتان”، كما أدى عددا من الموشحات، منها: “وجهك مشرق بالأنوار”، “يا نحيف القوام”، “هات يا أيها الساقي بالأقداح”.

كان من عادة “عبد الحي حلمي”  أن يكرر تسجيل أعماله لأكثر من شركة، مثل موال “محبكم داب”، الذي سجله لشركتي “بيضافون” و”جرامافون”، وموال “يا دايق النوم” الذي سجله لشركتي “أوديون” و”زنوفون”، مع اختلاف مقامي، وقصيدة “أراك عصي الدمع” التي سجلها ل”جرامافون” و”بيضافون” و”أوديون” و”زونوفون”، وطقطوقة “قمرة يا قمرة يا أمورة” ل”بيضافون” و”أوديون”، و”حلالي بلالي” ل”جرامافون” و”أوديون”.

وكذلك كرر تسجيل عدد كبير من الأدوار، منها “يا ما أنت واحشني”، “مليكي وأنا عبدك”، “لسان الدمع”، “كادني الهوى”، “في مجلس الأنس”، “فريد المحاسن”، “عهد الأخوة”.. وكان يلجأ كثيرا لتكرار التسجيل لعدة شركات لأجل سداد ديونه ومواجهة إنفاقه الباذخ على ملابسه وملذاته، وكانت شركة “زونوفون” أول شركة تسجيلات تتعاقد مع “حلمي”، قبل أن تتسابق كل الشركات العاملة حققت مبيعات تسجيلاته أرقاما قياسية.

عَرف “عبد الحي حلمي” نجاحاً كبيرا، إذ بلغت مبيعات أسطواناته أرقاماً قياسيّة. وقد تعاقد في البداية مع شركة “زونوفون” سنة 1906 وأصدر معها أفضل تسجيلاته رغم رداءتها تقنيّا. ثمّ تعاون مع سائر شركات الأسطوانات في مصر حتّى وفاته. وغالباً ما كان يسجّل العمل ذاته عدّة مرّات في السّنة لـ”غراموفون” و”أوديون” و”بيضافون”. وكان شديد التّبذير، فكان يتلقّى من الشّركات مبالغ هامّة من المال فيبدّدها ويضطرّه ذلك إلى منحها المزيد من التّسجيلات لسداد ديونه. هكذا عمد ذات مرّة إلى الاحتيال في دسّ إشارة إدانة لشركة “غراموفون” ضمن القصيدة التي كان بصدد تسجيلها دون أن يفطن إلى ذلك أحد!

ورغم أنّ “عبد الحي حلمي” يُعتبَر مُقلدًا لا خالقًا، إلاّ أنّه نافس، بالرّغم من ذلك، “يوسف المنيلاوي” فترةً من الوقت، لما يتمتّع به صوته من رخامة وقوة. لذا، نراه تربّع على سُـدّة الطّرب بعد وفاة “يوسف المنيلاوي”. ولمع نجمه إذ صار أحد الوجهات الضرورية لكل باحث عن طرب وأداء مميز.

يبقى “عبد الحي حلمي” أحد سحرة الفن، فناناً استثنائياً غير تقليدي، وإحدى علامات عصر النهضة الثقافي في العالم العربي. إنه يشبه أسلوبه الغنائي بتفرده. ويشبه أرواحنا التي تسعى دائما للحرية والهروب من القيد. ولا ننسى أن عبد الحي ورغم مغادرته المفاجئة، إلا أنه ترك ربيبه، صاحب “ليه يا بنفسج” الفنان “صالح عبد الحي”، الذي يُعتبر فارس الغناء التّقليديّ.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب