26 ديسمبر، 2024 4:26 م

إبراهيم الجرادي.. عبر في شعره عن الهم القومي رغم اتجاهه اليساري

إبراهيم الجرادي.. عبر في شعره عن الهم القومي رغم اتجاهه اليساري

  • خاص: إعداد- سماح عادل

“إبراهيم الجرادى” شاعر سوري، من مواليد الرقة 1951، وهو عضو اتحاد الكتاب العرب وجمعية الشعر، تلقى تعليمه في الرقة وفى جامعة دمشق وفى الاتحاد السوفيتي، وهو أستاذ الأدب العربي الحديث والمقارن في جامعة صنعاء في اليمن، وعضو مؤسس في جمعية (ثورة الحرف) بالرقة. بدأ “إبراهيم الجرادى” الكتابة الأدبية أواخر الستينيات، ويعتبر واحدا من أبرز شعراء جيل السبعينيات في سوريا.

أعماله..

1 ـ أجزاء إبراهيم الجرادى المبعثرة، شعر، 1981.

2 ـ رجل يستحم بامرأة، شعر، 1982.

3-الدم ليس أحمر، قصص، 1984.

4 ـ شهوة الضد، شعر، 1985.

5- موكب من رذاذ المودة والشبهات، شعر، 1986.

6 ـ شعراء وقصائد، مختارات من الشعر السوفيتى، ترجمة، 1986.

7 ـ أوجاع رسول حمزاتوف، ترجمة، 1988.

8- دراسات في أدب عبد السلام العجيلى، تحرير وتقديم وإشراف، 1988.

9- الحداثة المتوازنة دراسات في أدب عبد العزيز المقالح، تحرير

وتقديم وإشراف،1995.

10- مسامير في خشب التوابيت، دراسات في إبداع زكريا تامر، تحرير وتقديم وإشراف، 1995.

11-الأشكال في الشعرين الروسي والغربي ( 1960-1980) رسالة دكتوراه بالروسية 1993.

12- عويل الحواس، شعر، 1995.

13- دع الموتى يدفنون موتاهم، كتابة،  دار المدى 2000.

14-الذئاب في بادية النعاس، شعر، اتحاد الكتاب العرب، 2000.

إيقاع خاص..

في حوار معه أجراه “عمّار أبو عابد” يقول “إبراهيم الجرادي” عن مزجه بين التفعيلة والنثر مشكلا إيقاعا خاصا في شعره: “لا أعد نفسي متورطاً في أي من الجهتين، إنما أكتب الشعر في إطار موروثي العربي الأصيل، فأنا من أوائل الذين رسخوا قصيدة النثر، ولكني لم أعتبرها يوماً خروجاً عن المتوارث وخصوصاً الإيقاعي، فإلغاء منجزات الشعر العربي لا يكفي لكتابة قصيدة جيدة. لقد كتبت قصيدة التفعيلة كما كتبت قصيدة النثر، وحافظت في الفترة الأخيرة وفي أكثر من كتاب على إيقاعية خاصة مستفيداً من تجارب شعرية عالمية كثيرة، فاستخدمت الترداد والإيقاع وحتى فنية الشكل الطباعي لأن له دوراً مهماً في خلق حالة نفسية ووجدانية خاصة في لحظة التلقي. لكني أعتقد أن الشكل على أهميته لا يعطي قيمة لأي نص، وبعض الشباب المتحمسين جداً لقصيدة النثر يظنون أن تخليهم عن الوزن والقافية يفتح أمامهم باب الحداثة، لكنه ضيق على الكثيرين منهم.. والمزج بين النثر والإيقاع ليس تهمة على كل حال، فللشاعر الحرية في أن يختار طريقة حياته وموته أيضاً.. إذا كانت قصيدة النثر هي السائدة الآن، فهذا لا يعني أن الأشكال الجمالية الأخرى عليها أن تنحسر. فأنا لا أؤمن بالقطيعة في الأدب، والشعر العربي الحديث استمرار لامرئ القيس وطرفة بن العبد والنفري والحلاج”.

ويواصل حول كتابة قصيدة التفعيلة والتي أصبحت في نظر البعض تهمة: “هذا الكلام يطلقه شعراء الطنين والأرصفة. ولا أعتقد أن أحداً يستطيع أن يفرض ذائقته الخاصة على من لا يحتملها، فالجميل جميل، بغض النظر عن الشكل. إنما هذا نوع من المماحكات لتزجية الوقت لمن لا يغوصون عميقاً في الأبعاد الأساسية للاختيارات الجمالية. والشعر حالة جمالية يقبل أشكالاً متنوعة وأذواقاً متنوعة، والذوق مكتسب وموروث، ويلعب دوراً أساسياً في تحديد الاتجاهات الحياتية والشعرية”.

وعن التجريب في شعره يوضح “إبراهيم الجرادي”: “أنا لست من ابتكر هذه الطريقة، فقد كان هناك محاولات سابقة. لكنني شخصياً كنت أرغب في إلغاء الفوارق بين أشكال التعبير باستخدام أكثر الممكنات المؤثرة لإيجاد نص مخلوط لعله يصل إلى الناس. ولاسيما أن هناك عزوفاً عن الشعر كنمط سائد ومألوف لأسباب كثيرة، منها انتشار الوسائل السمعية البصرية، وتغير ذائقة الناس. وقد بدأتُ هذه التجربة في الثمانينيات، انطلاقاً من فكرة أن الأدب الحديث هو أدب الجماليات التي لا تكتفي بالنص المكتوب فقط، فإخراج الكتاب وتزيينه وما يسمى بالعتبات النصية والعوامل المساعدة الأخرى مهمة لتقريب النص من القارئ. وأعتقد أن ابتكار أشكال جديدة هو استجابة لطبيعة الحياة، فإذا كان رولان بارت يقول: (ما أقل الأشكال في شعرنا)، والشعر الفرنسي هو من أكثر الشعريات حرية، فالأولى بنا نحن أن نقول ذلك”.

الهم القومي..

وعن كون قصائده مشحونة بالهم القومي يقول: “من يستطيع أن يتجاهل ما يجري على الساحة العربية؟. إن الظروف التي نعيشها تستدعي من أي إنسان لديه حساسية أن يتخندق، وأن يستثمر هذه الطاقة الجمالية الهائلة، ليزيد من وطأة العار، بجعله علنياً ومفضوحاً. أنا عربي وهذه الصفة ليست عابرة وطارئة، بل هي تؤسس حقيقة وجودي الإنساني، فهل أستطيع أن أتجاهل ما يجري في فلسطين، وهل أستطيع أن أتجاهل باسم الذاتي واليومي والطارئ والشخصي ما يجري في العراق وفي أماكن أخرى!.. وأعترف أنا صاحب النزعة اليسارية الواضحة ذات البعد الإنساني، بأن لدي هماً قومياً، فالحرية أهم من الكتابة عنها، مثلما المرأة أهم من الكتابة عنها. ولذلك أقول إن أي شعر أو أي فن لا يخدم قضية الإنسان العربي، حتى لا أقول أيديولوجيا بالمعنى الشائع، هو معنى جمالي طفو مثل الرغوة تتلاشى بعد حين.. شروط الحياة الإنسانية الكريمة تفرض عليّ ذلك. صحيح أن اللغة الأيديولوجية العالية التي سادت في فترة الستينيات أدت إلى اضمحلال شخصية الشاعر، فأصبح الشعر ظلاً لصوت الجماعة، ولكننا منذ ذلك الوقت وحتى اليوم نتحدث عن الذاتي والهم الصغير تحت ستار القصيدة الشفوية، وهو أمر مهم بالطبع، ولكن الأهم هو الحديث عن هموم هذا الكيان البشري الهائل الذي ننتمي إليه، لأن هذا ما يجعل الأدب خالداً. وبرأيي أنه إذا تعارضت الذات مع المجموع، فإن الكتابة عنها غير مفيد. ولو كان المجتمع العربي قد حقق شروط وجوده الإنساني وحريته، فللشاعر الحرية في أن يكتب ما يشاء ويتجاهل ما يجري على مستوى الجماعة”..

وعن نشأته في تل أبيض بمحافظة الرقة السورية والكتابة يحكي “نشأت في منطقة لا تقرأ حقيقة، ويسيطر فيها الموروث الشفوي والغناء الشعبي، لكنني تأثرت بأخي الذي كان يجمع في دفاتره مختارات من الشعر العربي القديم، فصرت أجمع في دفاتر صغيرة مختارات من هذا الشعر، ثم قادتني مأساة عائلية للانتقال من الرقة إلى قرية (المشلب) التي عرف أهلها بالثقافة، وبمشاركتهم الواسعة في الحياة الاجتماعية والسياسية. وهناك كنت محاطاً ببعض المثقفين اليساريين الذين بدأوا يعيرونني الكتب. وهناك بدأت قراءاتي الغزيرة، لميلاد حنا وميلاد الشايب وسعيد حورانية ونزار قباني، وكنت ما أزال في المرحلة الإعدادية. وتعرفت فيما بعد إلى مجموعة من الشباب، وبدأنا نتبادل الكتب، وأصبحت القراءة عندي حالة يومية، ثم اختار كل منا طريقه، فهناك من ذهب إلى القصة وهناك من ذهب إلى النقد والرواية، وهناك من ذهب إلى الشعر، وأنا منهم”.

نص “من حديقة أنقاض”

الشاعر إبراهيم الجرادي

لستُ محظوظاً لكيْ أغفوْ على وتَرٍ ونايْ

(1)

أنَّةُ الصوتِ التي أدركتُها في الذئبِ

قادتني

إلى ما يجعلُ الذئبَ صديقي

وتَرَفَّقْتُ كثيراً

بالذي غادرني «سَهْواً»

وأهداني أسايْ

لستُ محظوظاً لكيْ أغفو على وَتَرٍ ونايْ.

(2)

لستُ محظوظاً لأنّيْ

كلّما أسْلَمْتُ أسراري لأهلي ساءَ ظني

غادروني

قبلَ ميعادِ الأسى واستدركوني

بالعذاباتِ

وصوتُ اللهِ فيَّ

كلما ملَّحَني الدَمعُ وفاضتْ في عيوني

شهوةُ التابوتِ

أهلي اسْتَعْذَبوني

وأنا

أمشي

إلى

نعشي

وتتبعني خُطايْ

لست محظوظاً لكي أغفو على وترٍ ونايْ.

(3)

لست محظوظاً

لأن الشعرَ غادرني وخلفني وحيدا

في عَرَاءِ النثرِ

واستدركَ ضَعفي

قلت: فلأوقظهُ مِنْ غفوةٍ كي يصطفيني

غير أن اليأس عاودني

وبَدَّدَني يقيني:

كلما أغلقتُ باباً

فتَّحتْ لي صحوةُ المُرْتابِ أبواباً وبابا:

كان يُفضي ليقينٍ خاسرٍ

فيما أسايْ

يتملاني كـ”طير السَعْدِ” من عليائِهِ

شَزَراً

ويعطيني شقايْ

لستُ محظوظاً لكي أغفو على وترٍ ونايْ.

(4)

لستُ محظوظاً لأن الصمتَ أجهدني

وفي روحي ضجيجْ

كلُّ من حوليَ يدعوني لأرخي

خِصلة الخوفِ على عَيْني

فلا أبصِرُ شيا

من خرابٍ عامرٍ كالموتِ: مملوكٍ ومَالكْ

كلما أدركتُ هذا السرَّ

فَصَّلَني على قدِّ الخرابْ

صاحبُ السطوةِ: مملوكٌ وبايْ

لستُ محظوظاً لكي أغفو على وترٍ ونايْ.

(5)

لستُ محظوظاً

لأنَّ الحظَّ لم يسعَ إليّ

في ليالي التيهِ

أو أسعى إليهْ

كلّما حاول أنْ يدركَني غافلتُهُ

كلّما

حاولتُ

أنْ

أدركَهُ

غافلني

في زمانِ اليأسِ واستعصى عليّ.

عندما زيَّنَ في (الغايات) ما أكرهُهُ

عِفْتُهُ كالكلب مأفوناً وما نالَ رضايْ

لستُ محظوظاً لكي أغفو على وترٍ ونايْ.

(6)

لستُ محظوظاً

فلا ظِلٌّ ولا ماءٌ لديْ

في بلادِ القَحْطِ

لا قلبٌ ولا عينٌ عليّ

بَدَداً صيّرني الوقتُ

وقلبي مُسْتَباحْ

وأنا حقلٌ من الشيحِ

ستسفوهُ الرياحْ

وأنا أحمل ميراثي

وميراثي دمايْ

لستُ محظوظاً لكي أغفوْ على وترٍ ونايْ.

(7)

لستُ محظوظاً

لأن الجمرةَ الكانت تُضيءُ العَتْمَ فيَّ

لم تعدْ تأتي إليَّ

لم تعدْ ظِلاً

ولا ماءً

ولا خبزاً وَفَيَّا

لم يعدْ رأسيَ يغفو

بين نهدينِ على جَمْرٍ وماءْ

شاختِ الأعضاء

شاخَ القلبُ

شاخَ الرأسُ

أرْخَتْ نفسها الأشياء

وأنا أُمسيْ إلى رَمْسي

وتسبقني عصايْ

لستُ محظوظاً لكي أغفوْ على وترٍ ونايْ.

وفاته..

توفى اليوم 29 سبتمبر 2018   الشاعر “إبراهيم الجرادي” عن عمر يناهز 67 عاما.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة