18 ديسمبر، 2024 7:49 م

الوطنية بسعر الصرف

الوطنية بسعر الصرف

لم يعد ممكناً إصلاح الأوضاع في العراق، فقد تطبّعت الحياة بقيم وسلوكيات تجاوزت مفاهيم المواطنة وحدود الانسانية، الى نوع خاص من الالتفاف والنفعية، غير المنصوص عليها في جملة القواعد والأعراف حتى، فقد بات موظف الخدمة العامة لا يفكر بما يقدمه للناس بموجب العقد الوظيفي المبرم أساساً بين الدائرة وبين ضميره وواجبه الأخلاقي المفترضين وجودهما أصلاً، من واجبات، إلا بحدود ما ينتفع منه في الباطن، ذلك لأن الدولة لم تبنِ على أُسس من الواجبات والحقوق، إنما بُنيت على أسس ابتدعها كل حزب وتعرفت عليها كل طائفة وتيقن وسلم بها كل زعيم للحرب.
لم يعد البعض من شرطة المرور ينظرون الى سائق المركبة إلا بوصفه ورقة نقدية حمراء، من فئة الـ 25 ألف دينار، ولم يعد الطبيب ينظر الى المريض إلا بعين ما في درج منضدة السكرتير من دنانير نهاية مساء كل يوم، وكذلك حال بائع كاميرات المراقبة المنزلية فهو ينظر له بعين اللص الذي لم يسرقه بعد، ومثل ذلك أصبح الشرطي الذي يأخذ أوراق المتهم والمحكوم الى القاضي، فالمتهم هذا هو ورقة نقدية، يتراوح سعرها بحجم التهمة وعلى وفق المادة القانونية، والحال نفسه مع المدرس الخصوصي فهو لا ينظر الى الطالب من خلال المنهج الذي يُدرّسه إنما من زاوية جيب والده، والقضية تنسحب الى عامل النظافة وووو.
منذ أن ذهب الشباب لمقاتلة داعش، وانا أعاين، متأملا صور الشهداء التي تعلق على أعمدة الكهرباء، لكنني، ومع مرور الوقت، بتُّ أحدّق في وجوه ونظارات وملابس أمراء الحرب، التي صارت تعلق معهم، وجوههم التي كبرت وتضخمت خلف صور هؤلاء الغيارى، حتى ما عدت أرى صورهم، اولئك الذين ذهبوا من أجل خلاصي ، هو نوع من ضمور وأفول صورة الدم الشريف المراق صدقا وبراءة، إزاء الثياب والنظارات والنياشين التي يعلقها هؤلاء. الوطن والمقدسات مفاهيم كبيرة وبمعان عظيمة لو حملت بطهرها الى عليائها، وعلى الوجهة التي أرادتها قيم المواطنة، لكنها ستصبح بضاعة أخرى، خارج القيم تلك، وعلى النحو الذي يريده هؤلاء، يرتفع سعرها ساعة، ويتدنى ساعة أخرى، حتى إذ لم تعد ذات نفع لهم، رميت في سلة نفاياتهم، وما أكثرها.
منذ سنوات وأصحاب الشركات والمقاولون الذين ترسو عليهم المشاريع في القطاع الخدمي، بخاصة، المشاريع التي دفعوا من اجل الحصول عليها الملايين الى موظفي دوائر العقود ولجان الاستثمار، وهم لا ينظرون الى المشاريع هذه بوصفها جزءاً من صيرورة البلد وقيامته، لا ينظرون لها على وفق حاجة ناسهم واجيالهم القادمة، أبداً، إنما هي اموال يمكن مضاعفتها من خلال عقود ملطخة بالوحل، سافلة، قذرة، دنيئة أخرى، طالما أن الموظف الفلاني لا يعنيه امر البلاد والعباد، وهكذا صارت الأموال تنفق على وفق درجة الانتفاع بين الطرفين، اما الحديث في رؤية البلاد وهي تنمو وتزدهر وتتقدم فهذا مما يتندر بها هؤلاء علينا، نحن الذين ننظر الى البلاد بقلب مثقوب.
في أحد التقاطعات، وبأحدى المدن العراقية، يعلق أحدهم، هو زعيم كتلة سياسية، أو امير حرب، مَن يدري فهم كُثر. يافطة ملونة، توسطها صورة كبيرة له، يقول فيها: بانه سيتصدى لأي عدوان يتعرض له العراق !!! أنا، ومعي كثيرون يرون بان العراق لن يتعرض لأي عدوان خارجي، فهو، وبموجب قواعد اللعبة الدولية محمي من قبل الولايات المتحدة، عن أي عدوان يتحدث الرجل؟!

نقلا عن المدى