17 نوفمبر، 2024 7:36 م
Search
Close this search box.

بالنضوح يُعرف الإناءْ .. وبالكتابةِ تُعرف الأسماءْ !

بالنضوح يُعرف الإناءْ .. وبالكتابةِ تُعرف الأسماءْ !

أليس عجيبا أن ترى و تسمع و تقرأ. أن ترى كاتبا مغمورا يتطاول على رمز ديني في غيابه دون أن يبدر من هذا الرجل أي تطفل في كل مجالات الحياة إلا بالنصيحة التي أمر بها الله ورسوله.

أو على رمز وطني كأن يكون شخصية محافظة أو أدبية ينظر إليها المجتمع نظرة مثالية ليصنع منها قدوة لأجياله سواء كانت الغيبة بقصد أو من دون قصد فيقال عنهما أنهما قائدان قاهران للمجتمع أو داعمان لتفكيكه من دون أن يقدم قرينة تؤيد ما يقول .

يحدث هذا بشكل مجحف من قبل هذا الكاتب أو ذاك ربما بدوافع كثيرة نتحفظ في إعطاء الشبه والمثال لكي لا تأخذ المقالة منحى آخر.

أو من العجب ان تسمع عن رجل أو امرأة يغتابون زميلا لهم في العمل. وهذا,أيضا ربما, بقصد زرع انطباع حسي سلبي إزاء ذلك الرجل, بغضا له, أو إزاء تلك المرأة لدى السامع. أو ربما هناك أسباب خاصة تتحدد في إطار عدم انتظام آراء الذي يقال فيه السوء بالدقة التي تراها عين المغتاب.

ناهيك عن مواضيع متعددة من صيغ الأخلاق التي لا يستجيب لها عاقل يلصقها ذلك المغتاب بذلك الرجل أو المرأة ربما بسبب خطأ عفوي أقترفه ذلك الرجل أو تلك المرأة بحقه. ولكن كيف بنا برجل يغتاب آخر ذو مكانة علميه كبيرة لم يصل إليها لا هو ولا أبيه ولا عشيرته بل ولا ينتسب إليه بعلاقة أو زمالة شخصية لا من بعيد ولا من قريب إلا في رباط الدين الحنيف , الذي يربطنا جميعا بباقي المسلمين , الذي لا يسمح بالغيبة ؟ !

وأحيانا نقرأ مقالا يشير إلى درجة عالية من التحامل والسلبية إزاء الأخر ( الضحية ) , مقالا يرمي إلى إلقاء اللوم والمسؤولية على عاتق الضحية بطريقة هوجاء ناجمة عن غيظ جامح , ولكن من دون معنى ينطوي على كشف أو تمحيص أو مضمون واقعي يمكن أن يقبله أي عاقل كقرينة لذلك الذي جرى القول فيه . وفي هذا الإطار يقول الشاعر العربي عبد الله بن جعفر بن أبي طالب:

فعينُ الرّضا عن كلِّ عيبٍ كليلةٌ.. ولكنّ عينَ السُّخطِ تُبدي المَسَاوِيا

وعجيب أيضا أن البعض من مجتمعنا العراقي الكريم , يمجد علي الوردي في أحاديث له , مثلا , بفم بعرض كتابه ( شخصية الفرد العراقي ) ولسان بطول تمساح وخاصة عن مقالته في وصفه لشخصية الفرد العراقي التي لم تنأى عن الموضوعية والاعتدال . فيحوّل مقتبسات من مقالته إلى سلاح يطعن به زميلا أو صديقا أو مناوئا بسبب تعرض هذا المتكلم أو ذاك إلى موقف سلبي من احد هؤلاء وكأنه يتشفى بهذه المقتبسات لأنها تساند إدعاءاته , بل كأن على الوردي كتبها من أجل حماقاته لتكون سلاحا جارحا يضاف إلى لسانه .

ولكن من ناحية أخرى نرى هؤلاء أنفسهم في موقف تمجيدي للوردي, يتهامسون فيما بينهم قائلين: أهو سني أم شيعي ؟! وكأن الطائفة التي ينتمي إليها هي التي تقرر وتبيح لأخلاقه بالتمجيد أو التنديد بأعماله. ترى هل يقبل ويقرّ العراقيين العقلاء بهذه الازدواجية التي وصفهم بها عالم الاجتماع علي الوردي من قبل ؟!!

في ضوء ذلك يتعين على الكاتب أن يضع أول عنصر يبدأ به الكتابة هو أن يتأكد عمليا من منظومة أخلاقه ومن ثم دينه. لأن الأخلاق كانت عند العرب قبل الدين الذي جاء ليتمم مكارمها. ثم يبدأ الكتابة بالعنصر الثاني وهو الموضوعية والشفافية والاعتدال للإقتداء ليس بعلي الوردي فقط وإنما بكل الرموز العربية الدينية أو والأدبية وهم كثرُ.

أما إذا تناول احدهم القلم وبدأ يكتب من دون علاقة سببية بينه وبين أي ضحية له أو من دون المعامل الإنساني Humanistic coefficient – وهو المعيار الذي نظّر له عالم الاجتماع البولندي فلوريان زنانيكي Znanieki Florian الذي ينظم العلاقات الإنسانية – فستكون الكتابة معولا يساهم في هدم المجتمع بخيره وشره . وفي هذا يقول الرسول الكريم : امرني ربي بالعدل في الغضب والرضا .

مما يستحق الذكر أن الكثير من العلماء تعرضوا إلى الازدراء والنقد الجارح من قبل مواطنين مناوئين لهم بسبب الغيرة من النضوج العلمي أو الثقافي المبكر الذي بلغوه والذي تمت ملاحظته من قبل علماء آخرين.

فقد تعرّض الفرنسي أوجست كونت Auguste Comte لمثل هذه السلوكيات من مواطنيه رغم أن آرائه انتشرت في ألمانيا وبريطانيا بشكل كبير واعتبروه أول من وضع دينا للإنسانية , أي في التعامل مع الإنسان , ليجنبها الحروب والنزاعات فيما بينها على الرغم من مسيحيته .

فهل بإطلاقهم عبارة ” دين ” تنسجم لتطلق على أفكار إنسان كرّس حياته لخدمة الإنسانية من خلال الكتابة ؟! أم أن الرابط الأخلاقي والديني ( المسيحية ) هما المحفز الأول في هذا الوصف المطلق رغم أنهم ليسوا مواطنيه ؟! أم أنهم أرادوا بوصفهم المتطرف هذا الوصول إلى الدرجة من الإعجاب بآرائه !

الإجابة : نعم , إنه أقترب من المفاهيم السماوية التي تؤمن بإنسانية الإنسان (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) التين .

ترى هل تكتب الأقلام هذه الأيام نقدا للرموز الدينية والوطنية, يتصدر سطوره العنصرين المذكورين سابقا والحافز الذي ذكرناه, بوعي وشعور أخلاقي أنساني لتجنب الحروب والنزاعات ؟! أم تكتب لمجرد الإساءة ؟!

ولكن لمصلحة من ؟! وتقربا لمن ؟!

وليعلم جمعنا الكريم إن أمير المؤمنين عليا قال: تكلم أقول لك من أنت !

إذن فلنتكلم ونكتب بالاستعانة بالدراسات والقرائن ليس من اجل درج أسمائنا التي يزيفها البعض ,أحيانا , للإساءة بأخلاقنا أولا ومن ثم برموزنا الدينية والوطنية الأصيلة التي لم تتلوث بجريمة مياه المجارى التي تسببت في اغتيال الإمطار التي أرسلها الله لتحيي أرضنا الظامئة لتأتي بالرزق الحلال لفقرائها , فقلبت الرحمة إلى نقمة فوق رؤوس الأغنياء والفقراء على حد سواء وكأن الأمطار هي السبب في غرق مدننا الكريمة .

ولنكتب أسمائنا الحقيقية , من دون القاب ضبابية , في النقد لننال شرف المساهمة في إصلاح بلادنا ومجتمعنا لأن بالنضوح يعرف الإناء وبالكتابة تعرف الأسماء .

أحدث المقالات