أمة العرب عالية الإخصاب , وما أن تتخصب بيوضها في رحمها الحضاري حتى تعجز عن الإنجاب الطبيعي أو القيصري , ذلك أنها تحت طواحين الإجهاض , فكل حِملٍ يُجهض بقدراتها الذاتية وإرادة الطامعين بنكاحها وإنجابها ما يريدون.
فكل تجربة عربية مصيرها الإجهاض , أو الولادة المبكرة التي تحتاج لحاضنات حضارية غير متوفرة في بلاد العرب أوطاني , ولهذا تلفظ أنفاسها وتدوسها سنابك الويلات والتداعيات القاهرة.
فالأمة إستيقظت منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر , وكان عليها أن تكون سبّاقة ورائدة في ميادين المعارف والعلوم , وتصبح ينبوعا دفاقا للإنتاج الفكري والعلمي , لكن تجربتها اليقظوية الإستنهاضية أُجْهِضت عن بكرة أبيها , وتبعثر روّادها وانهزموا فتحققت بهزيمتهم مأساة أجيال متعاقبة على بساط اليأس والقنوط والإنكسارات.
ويبدو أن الحرب العالمية الأولى كان لها تأثير يوازي تأثير سقوط بغداد عام 1258 ميلادية , حيث إنمحقت خطوات التواصل الحضاري الكبرى , وجفت منابع الأفكار والعلوم والإبداعات العربية الأصيلة.
فالأمة ومنذ الحرب العالمية الأولى وحتى اليوم , وعلى مدى قرن ثقيل من الصعوبات والقاسيات , تحولت إلى ركام من النكبات والإنتكاسات , والإنكسارات الحضارية المفضية إلى مجهول هائل الخسران.
أمة بلا تقاليد حضارية ذات قيمة تراكمية تواصلية فعالة , تساهم بإنتاج العلم والفكر , وإنما إرتضت أن تكون عالة تستورد وتستنسخ من غيرها , ما لا يعرفها ولا تعرفه من الحالات القائمة في مجتمعات أخرى.
كما أنها تمتلك طاقة عدوانية غريبة ضد وجودها الجوهري وصيرورتها الأصيلة , مما يدفعها لمحاربة عقولها وتشريدهم , وحضانة الجهلاء والذين بلا قدرة عقلية ونفسية على وعي ذات الأمة ومنطلقاتها الإنسانية السامية.
وتعيش تخلفا نفسيا مروعا أوقعها في متاهات وإنحدارات وتعثرات تزداد يوما بعد يوم , وهي في محنة التلظي على حطام ذاتها وموضوعها.
وأصابها الركود وأكثر , ذلك أنها أخذت تسير القهقري , وتمعن في تدحرجها في ظلمات الغابرات , وتحسب أنها ذات قدرة على التفاعل مع الذي فات وما مات.
ولهذا فأن الأمة عليها أن تصحوَ من رقدتها أو غفلتها , وتؤمن بضرورات المسيرة العلمية المتواصلة مع الأجيال , والقادرة على صناعة التراكم الحضاري اللازم للإنطلاق في آفاق حضارية , ذات إمتدادات مطلقة وخلاقة في ميادين الحاضر والمستقبل.
فهل ستؤمن الأمة بنفسها وعقلها , ولا تُجهض حِملها؟!!