23 نوفمبر، 2024 7:11 ص
Search
Close this search box.

الحبل حول رقابنا مجددا

الحبل حول رقابنا مجددا

يبدو ان 13 عاما من التخريب والتدمير الممنهج للدولة العراقية والأنسان العراقي ليست كافية . وان ماحصلنا عليه من (( مكاسب جمة )) في عملية التحول الديمقراطي وارساء دعائم الدولة المؤسساتية العراقية ليس كافيا أيضا .

فلا يكفي أن يضيع ثلث العراق وماتبقى منه ممزق متناحر .

ولاتكفي طوابير الشهداء التي قدمناها ونزيف الدم والتضحيات المستمرة على جميع الأصعدة .

لايكفي ضياع مقدرات وثروات العراق ورهن قوت أجياله القادمة وتدمير موارده الأقتصادية ومصادر خيراته .

لايكفي كابوس الظلام والأحزان المتداولة بين البيوت وفي الأزقة والقرى والمدن العراقية .

كل ذلك ليس كافيا . .

وثمة المزيد مما يخبأ لنا بين الدهاليز من معطيات وافرازات ومقتضيات مرحلة من مراحل انجاز وتنفيذ (( مخطط كبير )) على المنطقة .

لقد تعلمنا أن يتم اقتيادنا الى الحفرة خطوة فخطوة ، تبدأ أول أدوارها علينا بأطلالة ولمسة حرص وايثار براقة تدغدغ حماستنا وسذاجتنا ، ثم تبدأ بلف الحبل حول رقابنا وتقودنا نحو المنزلق والهاوية شيئا فشيئا ، حتى نجد أنفسنا مشتبكين دون وعي في متاهة طويلة وعريضة .

هكذا تم اقتيادنا منذ زمن طويل . وتأريخنا حافل بأمثلة كثيرة يصبح فيها مجرد خلاص أعناقنا ورقابنا من الحبل هو الغاية والهدف الأسمى ، لانريد أكثر من مجرد افلاتنا من الحبل لنولي وجوهنا بأي اتجاه ، هذا كل طموحنا . فنرضى (( بالسخونة )) بعد ان (( شفنا الموت )) . ومن هنا يبدأ التحلل والتفسخ نحو النكوص أو الأنشغال والأستغراق في مغانم وغايات فردية بحتة حتى وان تقاطعت مع كل المفاهيم والأعراف والمثل التي نعرفها جيدا ولكننا نحيد عنها ونمرق عليها بسبب الضغوط التي تتوارد علينا تباعا .

فقد صفقنا للملك وقيام الدولة العراقية ، وحين هوى الملك وسقط نوري السعيد صفقنا .

صفقنا للزعيم عبد الكريم قاسم ، وحين رحل الزعيم صفقنا .

صفقنا للقوميين .

صفقنا للشيوعيين .

صفقنا للحرس القومي و8 شباط و17 تموز .

صفقنا حين جاء البكر وصفقنا حين رحل البكر .

صفقنا وهتفنا وردحنا لصدام طويلا ، وحين رحل صدام صفقنا وهتفنا طويلا .

صفقنا للأمريكان حين دخلوا العراق ، وصفقنا حين قالوا انهم خرجوا من العراق .

حين ينطق الزعيم نصفق . . وحين يصمت الزعيم نصفق . .

حين يأتي شيخ العشيرة نصفق . . وحين يذهب شيخ العشيرة نصفق . .

وكل مرحلة من هذه المراحل كان لها حبلها وطريقتها في جرنا الى الحفرة ، وكان لها تداعياتها وأثرها علينا وعلى وجداننا وتربيتنا .

فرضت علينا طقوس ومفاهيم الصبر ، وتجرعنا كؤوس القناعة والرضا لنبرر النكوص والخذلان .

وفي كل مرة نحن مطالبين بمزيد من الصبر ، ومزيد من الهمة والعزم . . اصبروا وصابروا فغد أفضل :

تحرير القدس على الأبواب وفلسطين حرة عربية من البحر الى النهر . . الوحدة العربية قادمة . .المساواة في الحقوق والواجبات . . الحرية والأشتراكية هدفنا . . وطن حر وشعب سعيد . . أولادنا أكبادنا التي تمشي على الأرض . . الأم مدرسة اذا أعددتها أعددت جيلا طيب الأعراق .

ولاشيء . .

حتى يشتد الحبل حول أعناقنا ، فتصبح الهزيمة والخسران والفرار والأبتعاد والنكوص غاية وحلم جميل لنا .

اليوم بعد 13 عاما من (( تحرير العراق )) :

يفترض ان العراق قد أصبح (( جنة )) من جنات الأرض بسبب توفر كل المستلزمات المطلوبة لأنشاء جنة – خير وفير لاحدود له – شعب بسيط صبور مهيأ لأستقبال كل توجه وطني جاد يعلن عن نفسه بالفعل والعمل الملموس وليس بالكلام والهذر فقط – نهران – أرض منبسطة كراحة اليد صالحة للزراعة من أقصاها الى أقصاها – ثروات دفينة في الأرض وثروات فوق الأرض . كل هذا ونجدنا مفلسين من كل شيء , وقد نفلس مما تبقى من العراق .

13 عاما تم تحشيتها بالأحداث وتعبئتها بالتشنجات وتوفير كل الضحايا لها واغراقنا بشكل متعمد بالفوضى والترهات التي عبأت صدورنا وضيعت مستقبل أولادنا .

13 عاما كانت كفيلة بمليء الأمهات والأباء والأخوات والزوجات والأطفال بالدموع والمآسي والويلات .

وكافية لضياع مقدرات المواطن العراقي .

وكافية لبناء عشرات الدول داخل الدولة العراقية الواحدة وعشرات مراكز القوة المقابلة لمركز قوة الدولة الأوحد .

وكافية لظهور عشرات (( المليارديرات )) العراقيين من مزدوجي الجنسية على مستوى العالم وآلاف الأغنياء وحديثي النعمة والثراء ممن لاوجود ولادور يذكر لهم في أي من مجالات العمل في العراق ، لم يذكر انهم قد بنوا طابوقة أو زرعوا شجرة أو باعوا ثورا ليتوفر لهم سبيل الثراء الفاحش .

13 عاما كانت كفيلة بجلب وايجاد مفاهيم مجنمعية هجينة وزرع وتنشئة ثقافات عبثية ، وتحويل الفساد الى ظاهرة وثقافة وقيمة اجتماعية .

أغرقنا بالعفن وبكل المفاهيم المتفسخة البالية . .

أصبحنا كالتماسيح المفترسة التي تغط في الوحل .

نهبنا بكل ما لهذه الكلمة من معنى .

واليوم بعد كل مآسي 13 عاما يطل علينا خطاب جديد وهو :

في نية رئيس الحكومة تشكيل حكومة (( تكنوقراط )) . .

هذا التكنوقراط سيخرج من خلال التوليفة المتصدرة للمشهد السياسي العراقي القائم (( الكتل السياسية )) أو سيأتي من خارجها وبشرط موافقتها عليه . . ! . .

والحالتين تؤدي الى نفس المعنى ، معنى واحد (( العودة للكتل القائمة )) ، وكأنك (( يابو زيد ماغزيت )) . فهذه الكتل هي صاحبة الدور والفعل والمسؤولية الكاملة عن كل ماحصل للعراق خلال 13 عاما الماضية .

فكيف سيولد هذا الكائن الوزاري الجديد الذي نضع عليه آمالنا من داخل هذه المنظومة ذات التاريخ الحافل أو بمباركتها وموافقتها .

من هذا الرحم سوف يظهر المخلص . .! . .

فهل سيحمل هذا الكائن الجديد صفة (( تكنوقراط )) . .؟ !. .

التكنو قراط ليس فقط (( سلطة التقنية والأختصاص والمهنية )) فهذا لايكفي لأي انجاز اذا لم يكن رديفا طبيعيا لنزاهة عالية وشعور كبير بالمسؤولية والواجب وايثار المصلحة الوطنية على المصالح الخاصة أو المصالح الحزبية أو الفئوية .

بهذا التعريف هل تستطيع هذه الكتل التي وظفت العملية السياسية لخدمة مصالحها الضيقة جدا من انتاج هكذا حكومة أو الموافقة على هكذا تشكيلة وتسليمها مقاليد ادارة البلاد والتنحي جانبا . . ؟ . . هل تستطيع . . ؟ . .

هل بأمكان السيد رئيس الوزراء العراقي الحالي ، ابن هذه العملية السياسية بكل تفاصيلها تحقيق ذلك . . ؟ . .

هل بأمكان هكذا عملية سياسية بنيت على أساس المحاصصة الطائفية والمكاسب الحزبية الترفع عن كل هذه المكاسب الكتلوية وانتاج حكومة تكنوقراط بالمواصفات الصحيحة والمفهوم الصحيح للتكنوقراط ؟ .

هل بأمكان جميع الكتل الأقرار والأعتراف بأن مسيرة الفترة الماضية كانت عبارة عن مسيرة أخطاء وسيتم الآن علاجها بهذا التوجه ؟ . ومن هو القادر منهم على الأعتراف بذلك وتحمل وزر ماحصل؟ .

المآسي والتبعات التي حصلت خلال مامضى هل سيتم تجاوزها أو تجاهلها أو القفز فوقها ؟ .

ولكي نقوم برسم برنامجنا الحكومي الجديد أليس المطلوب قبل ذلك أن تتم مراجعة الأخطاء وتشخيصها وتسميتها بدقة مهما كانت عظيمة ووضع اليد على مكامن الخلل وبترها بشكل حازم لكي تتوفر رؤية صريحة وصادقة ودليل عمل وأرضية لأدارة تكنوقراط .

هل الكتل السياسية ووجوه العملية السياسية القائمة مستعدين لمثل هذه المكاشفة والمصارحة والمحاسبة واحقاق الحقوق بكل ماتعني هذه المكاشفة ؟ .

ان كل ماسمي بالأصلاحات السابقة انما كانت عملية ترقيع لاأثر لها سرعان ماتفتقت من جديد .

وكل محاولات (( ترتيب الطاولة )) لاتجدي نفعا ، ولم تفد العراقيين أو تغنيهم من مكابدات الوضع القائم .

الآن ،

بعد كل ماجرى ، وبعد سلسلة متتالية من الميزانيات الأنفجارية يتم تلقيمنا من جديد بطقوس ومفاهيم الصبر والعزم مجددا . . ! . .

والآن ،

بعد كل ماجرى مطالبين نحن كشعب مرة أخرى بمزيد من الصبر ومزيد من العزم والهمة وشد الحزام على البطون مجددا ، فلربما . . ربما . . تجد الحكومة ظالتها أخيرا .

وان لم تجد ظالتها فلا مشكلة لديها فهي باقية كم سنة (( بنص الخير )) كما لم يعش قارون وفرعون المسخمين من قبل ، وبانتهاء الدورة الأنتخابية تحمل حقائبها وتعود الى مواطنها من حيث أتت مع عدد من المليارات تلفها أيديها من قوت الدامعين والمحرومين وأولاد الشهداء والمعوزين واليتامى وبنات الصرائف والخيام وبيوت التنك .

وكالمعتاد يمسح العراقي يده بالحائط ويحمل كل خساراته على ظهره بصمت .

فخطاب حكومتنا الجديد يقول :

اصبروا وصابروا فغد أفضل ، اسوة بماقيل ويقال للعراقي خلال قرن من الزمان .

فهل مطلوب منا 13 سنة أخرى لترتيب الطاولة مجددا . . ؟ .

E.MAIL: [email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات