يلمْح القارئ والمُثقف المُطلع على الفكر السياسي للإمام الشهيد آية الله العظمى محمد باقر الصدر (قدس سره) ثورة تجديدية في الفكر الديني؛ وحدّاثة في الحياة تتجاوز قدامة الافكار ومواكبة العصر وتطلعاته ونقطة بداية للإصلاح الديني الذي نفتقده هذه الأيام ونحتاجه لتدبير حالنا وإنقاذ امتنا؛ لما يحمل هذا العقل النيّر والفكر التربوي الإصلاحي من تقديم رؤية عصرية مُشرقة لحل إشكاليات الفكر العربي المعاصر السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية؛ فهو مشروع مُعد للإصلاح والنهضة، ومدرسة بحاجة إلى تعميم؛ ومشروع متكامل يوصى إلى الأخذ بها من أجل رُقيّ المجتمع وتطوره.
وننتهز هذه الفرصة العظيمة أيام مُحرم وعاشوراء وأربعينية الإمام الحسين (عليه السلام) لنعلن الى الدعوة الإنسانية إلى كافة الطوائف والمذاهب إلى تبني فكر الإمام الشهيد (قدس سره)؛ لأنهُ فكراً شاملاً ومدرسة إسلامية مشاعية ليس حكراً لفكر وإنما هو رسالة انسانية يخص بها الجميع بكل طوائفهم وعقائدهم؛ فالشهيد الصدر ناضل وجاهد ضد الظلم؛ وألهم حماس الجماهير؛ وطالب بالتحرر من الفكر الظلامي؛ ودعا لرآب الصدع والوحدة الوطنية التي هي أساس مستقبل الأمة وتقدمها؛ فلا ينبغي إلا الالتفات إلى هذه المدرسة العظيمة الغنية بالعلم والإيمان والتنوير؛ واعطاها حقها التاريخي الذي يحاول البعض إخفائه أو تجاوزه.
لقد كان ولا زال الشهيد الصدر يُمثل رمزاً للوحدة الوطنية، والمحافظ على تُراب الوطن، والذائد بفكره النيّر عن مقدسات الأمة الإسلامية؛ الذي قدم روحه فداء للكملة الحرة والفكر النوراني؛ وكان مثال التضحية الانسانية الجليلة؛ والمنبر الذي ظل يُصدح حتى أخر حياته بالعدالة والأخوة الإنسانية والسلام والأمن ورفاهية الفرد والمجتمع؛ معبراً عن ذلك بتقديم نظريات اقتصادية سليمة تصلح اليوم؛ كنظام اقتصادي يُحتذى به لنهضة الأمة وخلاصها من التبعية؛ نظريات اقتصادية لو أتيح لها الانتقال إلى الممارسة العملية لحققت نجاحات كبيرة؛ ولأصلحت حال الوضع الاقتصادي المتدّني الذي نعيشه اليوم؛ في ظل وفرة مالية هائلة مع سوء توزيع؛ وهدر للأموال، من خلال جمله اجراءات طرحها الإمام الشهيد في نظام اقتصادي عصري حيث قدم الشهيـــد الصــدر المذهب الاسلامي في الاقتـــصاد وهـــو أول من طرح هذ الموضوع بعمق وشمولية لم يسبقه اليها أحد في هذا الأمر.
فما تحمله جعبة الثقافة الفكرية للإمام الشهيد ليست مُجرد فكر سياسي أو ديني وحسب؛ بل هو فكر سياسي؛ ديني؛ اجتماعي، اقتصادي؛ ثقافي متعدد؛ أستطاع أنْ يؤسس لمشروع نهضوي إسلامي كبير؛ كان ولا زال بحاجة إلى اهتمام بالغ في هذه العقلية الكبيرة؛ ومن الضروري أنْ تتحول مؤلفاته إلى مناهج دراسية يسترّشد بها الباحثين والكُتاب والمهتمين بالشأن العربي والإسلامي في بناء منظومة قيم تصلح لتكون “حجر الأساس” لمشروع إسلامي حضاري يسعى لتحقيق النهضة والتنمية المستدّامة؛ وخلاص الأمة من كهوف الفكر الظلامي الذي يُطيح بمكتسبات الأمة التاريخية؛ وهذا لا يتم إلا بتحقيق قيم الإنسانية التي ركز عليها فكر الإمام الشهيد.
فقد كانت الإنسانية “الأنسنة” حاضرة وبقوة في فكر الإمام الشهيد في مؤلفاته ومحاضراته؛ كـ ” فلسفتنا، المعالم الجديد في الأصول، غاية الفكر في أصول الفقه وغيرها”؛ وكان أكثر حرصاً على تقديم الإنسان وحريته وتفضيله والاعتناء ببشريته؛ وحرصه على ضرورة وجود فكر إنساني نيّر يجْعل الإنسان محوره وحرية الأنسان هدفه ومبتغاه ضمن أطر الشريعة الإسلامية؛ لقد الإمام الشهيد مشروع حضاري إنساني نهضوي؛ يجدر بالعقل (العربي) البشري أنْ يوّظف كافة الإمكانيات للأخذ بقيام هذا المشروع كشرط أولي لقيام دولة ومجتمع عربي إسلامي ناجح.
فالفكر السياسي للشهيد الصدر كان فكراً نورانياً، تنويرياً، فيه قيمة الإنسان هي المحور والجوهر، وحرية التعبد والإيمان والسلام والمحبة، والتعايش السلمي لكل الطوائف والأقوام والإثنيات، لأن الشهيد الصدر مدرسة تنضوي تحت لواءها المذاهب والطوائف، وهو أوسع واِشمل لمشروع حضاري كبير وهوية أكبر من هوية الطائفة والحزب والمذهب، وأسمى من كل فكر، فالفكر الصدري هو دعوة للسلام والتآخي وتوحد الطوائف، وبلورة مشروع الأمة والحفاظ على دعوة الدين النوّاة، قبل أنْ تشوبه شائبه؛ فالإسلام في الفكر الصدري هو دعوة تسامحية اخوية تدعو للم الشمل والتكاتف والمؤاخاة، وهذا هو جُل ما نحتاجه اليوم من الأنتهال من قيم الإمام الشهيد؛ والسير على خُطاه من أجل مجتمع حضاري متقدم.
واخيراً فمدرسة الشهيد الصدر قدمت نظرية سياسية اسلامية عميقة جاءت بمثابة الرّد على المدارس الفلسفية المادية كالماركسية وغيرها؛ ليطرح “النظرية الاسلامية” في معالجة مشكلة البشرية على أنها الخيار الأمثل في هذ الاتجاه؛ ومن هنا ندعو إلى تعميم فكر الإمام الشهيد وجعله نقطة المحور وحجر الأساس من أجل دولة مدنية إنسانية عصرية لا تفصل النْص عن الواقع، وتقارب بين المتناقضات، وبناء مشروع يحترم الإنسان وحريته وفقاً لعقيدة وفكر الإمام الشهيد التي أصبحت اليوم مطلباً جماهيرياً لخلاصنا مما نحن من إرهاب وتكفير وفكر ظلامي قادم من كهوف الجهل والتخلف.