المقدمة:
لم يكن الامام الحسين بن علي (عليه السلام) يهدف الى الاصلاح من اجل الحصول على مكاسب دنيوية، ولا لرد خصومة شخصية او عائلية، وإنما سعي لتحقيق العدل والعودة الى الصراط المستقيم.
ولم يكن الامام وهو يسلك طريق احقاق الحق والتصدي للظلم والجور مهادنا او ضعيفا امام اي نوع من الاغراءات الدنيوية، بل كان جادا وواضحا عندما اطلق صرخته (مثلي لا يبايع مثلك)
فهو السائر على خطى النبوة ولا يقبل بالفاسق الفاجر الطاغية. وكان( عليه السلام ) متقينا ان ايقاف الظلم لابد ان يقابله تضحيات، وكان مستعدا لهذه المهمة الصعبة رغم جسامة التضحيات، لانه رجل المرحلة الذي لا يساوم على مبادئه وقيمه التي تربى عليها.
ابتدأ الامام منهجه الاصلاحي بسلوك الطرق التي تؤدي الى توعية ونهوض الامة لمجابهة خطر الاستيلاء على موقع الحكم بطرق غير شرعية، قائلا:
( أَنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِراً وَ لَا بَطِراً وَ لَا مُفْسِداً وَ لَا ظَالِماً، وَإِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الْإِصْلَاحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي (صلى الله وعليه وآله) أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَ أَسِيرَ بِسِيرَةِ جَدِّي وَ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) فَمَنْ قَبِلَنِي بِقَبُولِ الْحَقِّ فَاللَّهُ أَوْلَى بِالْحَقِّ وَ مَنْ رَدَّ عَلَيَّ هَذَا أَصْبِرُ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ بَيْنِي وَ بَيْنَ الْقَوْمِ بِالْحَقِّ وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِين)
اهم معالم المنهج الاصلاحي الذي اختطه الامام الحسين (ع) تمثلت بما يأتي:
اولا: الدعوة الى التركيز على المنهج الاخلاقي في عملية الاصلاح والحث على الابتعاد عن الظلم والفساد، و نبذ استخدام السلوكيات غير المشروعة.
ثانيا:التأكيد على ان عملية الاصلاح تبنى على مبادئ وقيم الاسلام التي انزلت على رسول الانسانية محمد (ص) ومارسها اهل البيت (ع) .
ثالثا: الأمر بالمعروف والإحسان والعدل.
رابعا: النهي عن المنكر، وشجب الطرق غير المشروعة في الاستيلاء على السلطة ، وعدم شرعية الحكم عندما يكون شبيها للحكم الجاهلي والعائلي حيث تؤدى الشعائر الاسلامية فيه من صلاة وصيام وحج وغيرها حسب رغبة الحاكم ومنهجيته ومتبنياته، بعيدا عن المفاهيم والقيم التي ارادها الدين الاسلامي الحنيف وبخلاف ما انزله الله سبحانه وتعالى.
خامسا:الاستمرار باتخاذ الخطوات الايجابية بدعوة الناس الى الإصلاحات فان قبلوها فهو منهج الحق ألرباني وان رفضوها، فعلينا الصبر والاستمرار في الدعوة بالمكان الذي نستطيع فيه ان نمارس دورنا الدعوي بمعونة الله لعباده.
حيث قدم الإمام إلى كربلاء حاملا رسالة ألإصلاح داعيا من يؤمن بها للمضي معه من اجل التصدي لانتهاكات حقوق ألإنسان والرجوع إلى الأمة لبيان رأيها بالحاكم، وتطبيق القوانين الإسلامية التي ألزم نفسه بها، أما من يرفض هذه الدعوة فان الإمام يصبر لعل الله يهديهم إلى الحق وهو خير الحاكمين .
سادسا: ان عملية الاصلاح تستوجب مساعدة الامة للمصلح ، وما لم يتوفر دعم الناس للمصلح لا يستطيع ان يؤدي دورة ويكون عرضة لهجوم الاعداء الذين يريدون الفتك به والقضاء عليه.
سابعا: ان عملية الاصلاح لا تختص بفئة او جماعة او كيان او حزب معين، وإنما هي شاملة للجميع.
ثامنا: ضرورة تضمين البعد الانساني في عملية الاصلاح .
تاسعا: العملية الاصلاحية تبدأ بتوعية الأمة بما يجري حولها، وتشمل جوانب الاصلاح الديني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والعلاقاتي وغيرها.
عاشرا: الاصلاح هو عملية تصحيح للانحراف عن الخط المستقيم، ويستفاد من تلك العملية بما تحمله من مضامين قيمية وعملية المجتمعات التي بقت محافظها على التزاماتها وأخلاقياتها.
حادي عشر: اراد الامام الحسين (ع) في نهضته الاصلاحية الشاملة أن يحدث تغييرا شاملا للإنسان يشمل الجوانب الايمانية والحركية والالتزامات والواجبات، وأراد ان يرتقي بإنسانيته حتى يكون مؤهلا بتحمل مسؤوليته الفردية أمام ما تقتضيه واجباته الملزم بأدائها، وذلك من خلال إصلاح سلوكه وطريقة تعامله مع اخيه الانسان في المجتمع وفي مواقع السلطة والاستدلال على انتهاج الطرق الشرعية والقانونية في حل المسائل التي تحتاج الى موقف وقرار.
ثاني عشر: الاتجاه نحو التعبئة الاعلامية للأمة بخطاب معرفي إنساني قادر على توعية الانسان بواجباته في التصدي للتحديات، وامتلاك إلارادة القوية التي يتجانس فيها القلب مع العقل لتحديد معالم الموقف المطلوب .
ثالث عشر: اعداد قيادات مهمتها الاصلاح من المؤمنين الاشداء الذين لا يترددون في القيام بالتصدي المطلوب عند مواقع التحدي، ويساهموا بفاعلية في انجاح المهمة ، اذ ان اي انكسار في الفئة المتصدية تجهض مشروع الاصلاح برمته، وهذا هو سر دعوة الامام لمن معه للرحيل اذا رغبوا، لكي يبقي معه فقط المجاهدين الذين لا يتزعزع إيمانهم في المواقف الخطيرة وفي المجابهات الصعبة .
رابع عشر: الاصلاح يستوجب البناء الذاتي للمصلح ليشعر ان السعادة هي في التصدي للظالمين، وهذا ما اكد عليه الامام الحسين (ع) بقوله 🙁 الا ترون الى الحق لا يعمل به؟ والى الباطل لا يتناهى عنه؟ ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقا ً فاني لا ارى الموت الا سعادة ً والحياة مع الظالمين الا برما ً).
خامس عشر: العملية الاصلاحية مسؤولية الجميع، ولا مفر من التعاون في التصدي لها حيث يقول الامام عليه السلام : ( من رأى منكم سلطانا ً جائرا ً مستحلا ً لحرم الله، ناكثا ً لعهد الله، مخالفا ً لسنة رسول الله (ع) يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول، كان حقا ً على الله ان يدخله مدخله).
سادس عشر: أكد الامام (ع) في نهضته على الاهتمام بتوعية الأمة بمواصفات الحاكم العادل، وعدم المساومة على الحق. والالتزام بالاتفاقيات والعهود، ودعم سيادة القانون، وجعلها مقياسا لقيمة الحاكم ومشروعية حكمه وهذا ما أراده عليه السلام بقوله : (ولعمري ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، الداين بدين الحق، الحابس نفسه على ذات الله).
سابع عشر: التركيز على الجهاد الاكبر في تربية الانسان والقائمة على تربية النفس للصمود اوقات المحن والشدائد، وهذا ما اكد عليه الامام عليه السلام حين قال: (إن الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم، فإذا ما مُحصوا بالبلاء قل الديّانون ).
وهذا التركيز يعيد التذكير بالمنهج المشترك القائم على اصلاح البلاد والعباد ، حيث يظهر الجانب الاصلاحي فيه والمتعلق بالإنسان في مسائل تحصن النفس بالجهاد الأكبر، وبناء الشخصية الإنسانية على قيم الإسلام المتمثلة بالحرية، والعدل، والشجاعة، والإيثار، والصدق، والمساواة، والزهد والتضحية، والوفاء، والوقوف مع الحق حتى الشهادة.
ثامن عشر: تضمنت معالم النهضة الاصلاحية في منهج الامام (ع) تمتين أواصر الثقة بالمعتقدات من خلال طرح الصحيح منها الى ألأمة، والتأكيد
على وحدة الامة ومنع إثارة التفرقة العنصرية والطائفية والقبلية والقومية واعتمادها للتمييز بين الناس .
تاسع عشر: وضع الامام شروط الكفاءة والاستقامة في تولي شؤون الأمة وتسيير مهام الحكم والسياسية فيها ، بالإضافة إلى ممارسة حق النقد والبيعة والنصح والتوجيه ومناقشة سياسة الحاكم. وهذا ما أكد عليه الحسين (ع) عندما قال: (أنا أهل بيت النبوة، ومعدن العلم، ومختلف الملائكة، وبنا فتح الله، وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله).
عشرون: ان الإمام (ع ) قد استجاب لخيار ألاف الجماهير من اهالي الكوفة والبصرة واليمن الذين دعوه لنصرتهم والدفاع عن مظلوميتهم من الحكم الجائر ليزيد ، حيث أجاز (عليه السلام) مشروعية الأسلوب الذي تستخدمه جماهير الأمة لمقاومة السلطة الجائرة والحث باتجاه التربية والتثقيف والتوعية على الثوابت القيمية، وتأسيس الحكومة الرشيدة التي تضمن حقوق الناس .
الحادي والعشرون: نبه الامام إلى إن الأحرار لا ينبغي أن يكونوا أذلاء قائلا : (والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقر إقرار العبيد) .
مشيرا إلى إن يزيد اغتصب الخلافة ويريد فرض حكمه بالجور والذل كما يريد استسلام أهل الحق لذله ، وهذا لا يتلائم مع أصحاب المبادئ والقيم الذين خصهم الله بالكرامة والعزة وهو ما أكده (ع) بقوله (ألا وإن الدعي ابن الدعي قد تركني بين السلة والذلة، وهيهات له ذلك مني، هيهات منا الذلة، أبى الله ذلك لنا، ورسوله، والمؤمنون، وحجور طهرت، وجدود طابت، أن يؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام).
الثاني والعشرون: اكد الامام على ان لا يكون الدين لاغراض دنيوية او شخصية من دون ضوابط، فالانسان يحاسب يوم القيامة للحسنة والسيئة التي يقوم بها، فاذا ما امتحن في الدنيا بالصبر على الشدائد عليه ان لا يسقط في الاخرة بسبب شدة حبه للمال والجاه والدنيا، حيث قال: (الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم، فإن محصوا بالبلاء قل الديانون).
وهكذا فان صورة المنهج الاصلاحي للإمام الحسين (ع ) قد رسمت وحددت المسالك والأدوات التي بإمكانها النهوض بالأمة والسير بها نحو تحقيق المجتمع المطلوب الذي يتخذ من اخلاقيات نهضة الامام الحسين (ع) بوابة للنفاذ الى الرقي بالإنسانية جمعاء بغض النظر عن المعتقد أو الطائفة أو القبيلة، لأنها نهضت وخرجت من رحم الظلم لتنتفض على الظالم وتؤشر على حقبة تاريخية مليئة بالتآمر والفساد والإفساد الممنهج للفكر والعقيدة.
ان انتفاضة الامام الحسين (ع) شكلت سدا منيعا لتمادي الفكر والسلوك اليزيدي المخالف للدين والقانون والذي يحاول اليوم أحفاده الدواعش احياء ذلك التاريخ الاسود بكل ما حمل من سلوكيات ومنهجيات شكلت وما زالت ابشع صور التشويه للدين الاسلامي.
ان الابطال الذين يجاهدون في ساحات التصدي ضد الخوارج على الدين الاسلامي من القاعدة والدواعش واشباههم، ويدافعون عن وطنهم بدمائهم يجسدون حقيقة ان انصار منهج الامام الحسين (ع) لا زالوا في الساحة يسيرون على نهجه (ع) الذي بقى فاعلا في كل زمان ومكان.