26 نوفمبر، 2024 7:02 م
Search
Close this search box.

وجهك

احمرارُ الثمرة.. وخزُ الاشتياق.
 في الضحى المغروس خلَلَ مماشي البصر
أرقبُ، لا أترقّبُ، جريَ خطابك ينهضُ، ينهشُ صفحة شوقك.
تتعثّرُ به قامتُك بين قيامات الأناسي تزحمُ بها دروبُ الصبح الملتوية والمستقيمة.
فجأةً يصحو نشيدُك ، يخترمُ جدران المملكة.
يستهلكُ حالك وخبالك وخَيالك ومآلَ أهلك في استقصاء ما يجيءُ به المجهولُ. مدادُك آيلٌ آفلٌ لا تتبيّنه شفرةُ العقل.
مهلاً، بودّي لو أمتّعُ سمعي بمظهرك ومنظرك ومنظور وقفتك يسرقُ صمغَ الأفق.
أنا من سليل الذُؤبان، أجيءُ مُكشّراً عن براءتي ويراعي المستغرق في العفّة. أمنعُ الغدرَ قبل أن يُغادر وجارَه. أقمعُ صولتَه.
…….
للريح الصباحية وخزاتٌ تسفك حَيرة حيلتي .
ألتحمُ بذاتي، ألامسُ ما يجري عن كثب.
المرأةُ التي أعرفُها تكنس بقايا أرَقي . أراها تارةً من فتحة الباب، وأخرى خللَ زجاج النافذة.
ثمّ.. لم أزل أتصفحُ مجلةً قديمة ، وضعتْ قدراً أمامي : كُلْ رزّاً ولحماً مسلوقاً / لكنّه كثيرٌ عليّ/ سيأتي أبنُ أخيك ليُشاركك/ .
التقطتُ قطعة لحم ، احتضنَ القدرَ. وبكفّه مسحه لحماً ورزّاً ودسَماً. ابتسم لي ومضى.
الشرفةُ الطويلة خالية من أيّ نفَس ٍ والنفوسُ متواريةٌ ، تُرى أينَها؟ ثمّ أقبلت، نزعت ثيابي الّا من لباسي، صبّت عليّ قدر الماء الدافيء، واختفى زمهريرُ قشعريرتي, وجاءت بثانٍ وثالث، رمت عليّ المنشفة الحمراء . ولجتُ الغرفة ، ارتديتُ ثيابي.
/ عليك أن تحلق ذقنك / قالت ومضت. فما أصغيتُ لمطلبها.
الزمنُ مطاط ٌ ينبسطُ وينكمشُ حتى يجرحُ أصابعنا /
المجلةُ قديمةٌ / قلتُ. هزّت رأسها: / نعم.. وجدتُها مصادفةً في تلك الزاوية،  الا تّذكّرُك بشيْ خبا وانطفأ؟  بلى.. بأيام الشباب يومَ كنتُ أقرأ أيّ كتاب أحظى به. بعد قليل رمت أمامي كتباً من خمسينيات القرن الماضي التي عدتُ اليها، وأراني جاثياً في مقهى الزهاوي أو  مقهى حيدر الفيلي الصغير قبالة القسم الداخلي الذي يؤويني ويُطعمني في مبتدأ شارع حسّان بن ثابت. رحب بمقدمي وبانت اسنانُه البيض تحت الشارب الأسود المصبوغ بعناية. حسوتُ استكانة الشاي وطلبت أخرى/ لا، تعالَ بعد وجبة الغداء ، ستشرب شاياً مُميّزاً.. رميتُ جسدي فوق سريري وغفوتُ، أيقظني صوتُ سعيد شريكي في الغرفة، الذي لا أراه الّا  ليلاً ، وفي المطعم أحياناً. اليوم آخرُ أيام الآمتحانات . سيفرغ القسم الداخلي، لكن مديره يسمح لي بالبقاء والمبيتُ في غرفتي، بل يصرفُ لي ما يسدُّ أودي. أحياناً يزورني مساءً برفقة أحد العمال يحمل استكانتي الشاي. وأسمعُه يقولُ: سيكون لك شأنٌ في المستقبل .                               
حين تخرّجتُ في الجامعة كنا تلتقي في مقهى الزهاوي ، وأحياناً أدعوه الى مطعم العاصمة أو هو يُضيّفني. لكنّه لم يرني أبداً وأنا لا أحمل معي كتاباً.                                                      
اليوم أنا في وضع آخر، أعبر فوق ممرّات مائية ضيّقة وعريضة، أمرّ أمام أبواب واطئة ، التقي نسوة أعرفهنَ أو لا أعرفهن. لكنّهن يتأملنني بمودة . واحدة تبيع بطيخاً أحمر ، أغرتني بشراء واحدة، حزّتها بالسكين فبانت حمرتُها ، تركتها في مكان لا أتذكّره. كنتُ مع أخي ، اقترض مني نصف دينار ، كنّا نروم الخروج، بيد أنّه أعتذر ،أعاده اليّ.                                                              
أختفينا، كلانا، مضى الى حنية غير معلومة. وأنا بحثتُ عن وجار آخر أكملُ فيه قصتي  ….

أحدث المقالات