لا أدري على وجه التحديد، هل لا يزال العراق عضواً في حركة عدم الإنحياز ، التي تأسست عام 1955 ، أم إبتدعنا منهجاً جديداً في العلاقات الدولية، يعتمد أساساً على توحيد المعسكرين الشرقي والغربي من خلال عقد تحالفات مشتركة، وبالتالي تنتفي الحاجة الى وجودنا في حركة كان هدفها الأساس النأي عن سياسات الحرب الباردة بين قطبي الرحى : الإتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة الأمريكية.
لاندعي أن العراق كان على الحياد في علاقته مع المعسكرين الشرقي والغربي طوال التقلبات السياسية التي مرت عليه، لأن واقع المنطقة يفرض نمطاً من العلاقات التي من شأنها أن تحافظ على شكل التوازنات الدولية، وبالتالي كانت هناك إتفاقات وعقود وتحالفات، مع أحد المعسكرين، في ظل ما يعرف بتقاسم مناطق النفوذ، مع الحفاظ على السيادة الوطنية.
لكن طبيعة التحالفات اليوم، تجاوزت المعنى السابق، لتتحول الى صياغة جديدة للتدخل في الشأن العراقي، بحيث لم يعد بالإمكان تحديد الهوية الوطنية، التي يعبر عنها بالقرار السياسي والسيادي، الا بعد العودة الى قوى التحالف المؤثرة، ليس بمعنى الإستشارة، وإنما صياغة القرار.
في العهد الملكي، شهد العراق إبرام حلف بغداد، عام 1956، للوقوف بوجه المد الشيوعي في “الشرق الأوسط”، مع المملكة المتحدة وتركيا وإيران وباكستان.
كان رئيس الوزراء، نوري باشا السعيد، متحمساً لذلك الحلف، داعياً العرب الى الدخول فيه، ليس من أجل وقف المد الشيوعي، كما هو معلن، وإنما لقطع الطريق أمام الكيان الصهيوني ليصبح القوة الضاربة للغرب في المنطقة.
لكن أياً تكن النيات التي كان يحملها الباشا للترويج للحلف، فإن إستقراءه لطبيعة الكيان الذي غرس وسط أمتنا العربية، كانت صحيحة، غير أن الشكل العام للحلف ظل مثار ريبة، ورفض جماهيرياً بصفته حلفاً إستعمارياً، لذا كان من بين أهم إنجازات إنقلاب ( ثورة) 14 تموز 1958 إسقاط هذا الحلف.
هذا الحلف الأشهر الذي حمل إسم بغداد، لم يعد شيئاً مذكوراً، لولا أن وجدنا إنبثاق أحلاف جديدة، محورها بغداد أيضاً، وأطرافها لهم حضور قوي في أرضه وسماه، حتى أختلطت الأجواء بأنواع الطائرات، وضاعت خطوط العرض والطول، الى حد بتنا نسمع عن غارات مجهولة الهوية.
ترى ، كم يستوعب العراق من أحلاف، من كل لغات العالم، لخوض معركته الكبرى، ومن سيتنازل عن حصته فيه، عندما تنتهي المعركة؟.