17 نوفمبر، 2024 9:58 م
Search
Close this search box.

شفرات النص..ومفروزات الكحل والزبيب..

شفرات النص..ومفروزات الكحل والزبيب..

مقداد مسعود في ديوانه (مايختصره الكحل يتوسع فيه الزبيب)
2-1
(1)

من اي المعابر من الممكن ان يخترق القارئ ، الفعل الكتابي الذي يقوم به الشاعر مقداد مسعود عبر كتابه الشعري الموسوم – مايختصره الكحل يتوسع به الزبيب -؟ اي من المنافذ من الممكن ان يتخذ منه القارئ وسيلة للوصول الى ما يريد ان يقوله الشاعر ، علما ان الشاعر لم يكن شارحا او مفسرا ، بل كان معتمدا الخوض في حقل اخر مختلف ، ومتضاد تماما ، واعني به الحقل الذي يشتغل على ما وراء ،القول – ميتا قول – وهذا ديدنه في معظم مايكتب .فما دام هناك واقع وميتا واقع . او ما هو متداول بين شريحة المثقفين – فيزيقي وميتا فيزيقي – فمن المفترض ان يكون هناك – قول وميتا قول .وهذا ما يعمل – مقداد مسعود – على اجتراحه .اذاعلى القارئ ان لا يتصور ان كل الطرق سالكة . وان البراءة كافية تخلصه من احابيل القراءة .هل يبدأ القارئ من صفحة الغلاف الاولى – الثريا – ام الصفحة الرابعة / الأخيرة حيث صورة الشاعر واقتباسه ؟ ام من – عذراء اليقظة – ص5 ام من الاحداث ص8 !ام سوف يبدأ من الفهرس ! الذي عمل الشاعر على منحه عنوانا اخر ، عنوانا دالا فاعطاه صفحة الغصون – غصون الكحل والزبيب – ص227 . هذه الصفحة التي يجب ان توحي للقارئ بان هناك شجرة / ديوان ، وان هناك غصون / حقول شعرية وان هناك ثمارا / قصائد ..الشاعر يتلاعب بالعنوانات منذ البداية ، في محاولة منه ، لأستفزاز القراءة ذاتها كفعل من الواجب ان يكون غير منتم للسكونية . في عذراء اليقظة – ص5 يعمل الشاعر على شيء من الإسفار ، انه يرمي بسنارته ضمن شي من الغواية …. لا من اجل الاطاحة بالقارئ . بل من اجل صناعة علاقة تعتمد على كشف بعض الاوراق .التي لاتذهب بما تمتلك القصيدة من خصائص . حيث تتوفر الابانة , والقرار , والتحدي , والتصريح والاستناد على المختلف . .

(2)

هل من الممكن ان يتحول هذا النص – عذراء اليقظة – ص5 بين يديّ القارئ كما تحول من قبل بين يدي الشاعر الى ورقة عمل . ولكن قبل هذا , ماالذي تريد ان تقوله القصيدة, عبر الثريا , وما دلالة الكحل وكذلك الزبيب ؟ وهل هناك تطابق وتماثل , ام علاقة افتراق واختلاف ام ان هناك علاقة توازن وتكامل ! وهل بأمكان الشاعر، أن يأتمن القارئ على ما يكتب ؟ اي هل يمتلك الشاعر تصورا عن القراءات ومستوياتها . وعن القراء واختلاف معاييرهم ! ام ان القصيده بامكانها ان تدافع عن نفسها عبر مفروزاتها . عبرما تمنح كل قارئ ما يوازي معرفياته . ام ان قلق الكتابة سوف يصاحبه لحظة القراءة التي سيقوم بها سواه .! ليظل مكبلا بالحراك أي ان مسؤلية كتابة القصيدة لن تنتهي بوضع القلم جانبا . او ما يكن ان يطلق عليه البعض موت المؤلف – واذا ما صح هذا القول فهو لايصح ما دامت القصيدة قادرة على التواصل .ان – مقداد مسعود – الشاعر لم يعد مقتنعا بما تقع عليه العين / الكحل . وسيلة البصر هذه لاتشكل سوى جهاز لتصوير الواقع بل لتصور ضواهر الواقع اما البواطن , او ما

يمكن ان تسميه اللاواقع فتتصوريره من مهام سواه , من مهام الخيال الذي تغذيه المعارف , ومخيال الشاعر هنا لايشتغل على المادة الخام للواقع المعيش .

(3)

لأن – مقداد مسعود – لايسمي الاشياء بأسمائها . فهو يعمل على الايحاء , على ايقاد ذهنية القارئ ومدها بالأشارات , وما اشارة الزبيب الذي اصله الكرم / العنب إلاّواحدة لأدارة وجهة القارئ الى ماء العنب الى النبيذ , وقدرته على اطلاق قدرات المخيال من عقالها .

فثنائية , الاختصار والتوسع , والكحل والزبيب ، العين والمخيلة , لابد لها من ان تدير رأس القارئ لتدفع به الى حافات القراءة البعيدة عن الواقع وتفسيراته , ورغم تصريحات الشاعر باعتماده اليقظة / الصحو مفتاحا للكتابة , إلاّ ان ذخيرة القصيدة لايمكن ان تفتتح بتوجهات القارئ الذاتية . فذات القصيدة لايمكن للشاعر وكذلك القارئ من اقصائها .

ولان القصائد التي اختصرها الكحل – عمل على الحد من حراكها – على تجميعها قد توسع بها الزبيب / اطلقها . تلك القصائد القصار لم تكن قابلة للنفاذ . ونضوجها لايمكن ان يؤدي

التلف لذلك سوف تبقى محافظة على قدراتها في صناعة تعدد القراءات لذلك فان القارئ سوف يكون بحاجة متواصلة في التأني في اطلاق الاحكام . وان وضع اليد على مصدر انتاج الاحكام لا يمنحه حالة فضائية نهائية . فقصيدة – مقداد مسعود – قصيدة ولودة . متعددة الارحام . القصيدة المعاصرة عامة – رغم عدم ضرورة الاستشارات – قصيدة قلقة . لان الشعر عامة , منذ بدايته , لم يكن إلاّنتاج مواجهة الكائن البشري للمجهول /المستقبل الجزء الغائب من الزمن الذي لم يكن الانسان الاول عارفا بكنهه .

من الممكن ان تشكل هذه بنيه شعرية بعض النظر عن سكونية الواقع , فالشاعر لايجوزله ان يكون مرآة عاكسة لواقع معيش مصاب بالخجول والترهل واذا ما عملنا ان القصيدة كشكل غير فيزيائي – هي التي تشكل المرآة حتى تشي / تكشف دواخل الشاعر لابظواهر الواقع الواقف خارج الشاعر . وبالتالي فان القصيدة هي البنية القادرة على تقديم محمولات الشاعر .

في معظم ما يكتب – مقداد مسعود – سوف يجد القارئ ان الشاعر مأسور بفعل تعدد المراكز او البؤر داخل النص الواحد على الرغم من ان هندسة معمارية كهذه تكاد تكون فعلا عاما . الا ان وجودها بشكل واضح وبين وملفت للنظر في النص المسعودي يكاد يكون خصوصية مكشوفة . الشاعر داخل نصه لا يقر له قرار . ما ان يلقي عن كتفيه حمله / صخرته – صخرة سيزيف حتى يبجث عن سواها الطالعة من المكان المحيط به . تلك الصخرة / الوهم . هذه الصخرة التي تتحول الى وسواس جميل , الى حالة من الجنون الهادئ المنتمي الى الجماليات ..

(4)

هل هناك قوانين تسير هكذا افعال كتابية ؟

القارئ الذي في حيازة الشاعر , قارئ غير متعجل . هكذا يجب أن يكون وإلاّ سوف لا نحصل الا على كومة من القش . قارئ لا ينتمي الى السكونية إلاّ بقدر انتمائه للتأمل . قارئ متأن , يحايث القصيدة رغم تعدد الانتقالات التي لاتعود لمرجعية التدفق اللغوي . بقدر رجوعها الى تدفق الافكار والصور الخاضعة لتصور سبق يعمل على تشكيل بنية النص . هذا الفضاء الذي يعاين النص بعين عدم الرضا من أجل حذف سلطة القناعة والتي هي واحدة من مفروزات ضرورة الابقاء على ما مضى على اعتباره نسقا يهيئ للشاعر وللقارئ شكلا كتابيا قراءاتيا

مقبولا من قبل السلطة المحافظة . قد يكون هناك قانون ينظم الفعل الكتابي عامة – قد يقف النص الشعري خارجه – كما هو الحال مع النصوص السردية مثلا – وان تداعت هكذا قوانين وانظمة في الفترة الاخيرة – او نصوص الكتابات الاخرى في الفلك والدين والثقافة والتاريخ والرياضيات , إلاّ ان القصيدة لدى – مقداد مسعود – لن تقف داخل قفص الرياضيات / الفرضيات الهندسية . والمطلوب اثباته والبراهين واذا ما تم تحجيمها , فسوف تقوم بنسف نفسها وبتدمير ما يحيط بها من قوانين وانظمة وفعاليات , تعمل على تشويه النص لا على تنظيمه .

القصيدة ما بين الكحل / العين والزبيب / الروح , ما بين الواقع واللاواقع تنتج أشكالها الهندسية التي لا تنتمي في الاساس الى التشابه . فما ان يجد الشاعر نفسه وسط توصيف او اظهار حتى يعدل / يميل عنه لسواه . فالبؤر المتعددة تعتاش عبر وجودها على وجود ازاحة

ماقبلها ضمن حالة مؤقتة ، لتحل محلها أزاحة ثانية ..

(5)

.ثمانية غصون , و خمس وستون قصيدة .

ثمانية عناوين رئيسية وخمسة وستون عنوانا فرعيا . بصفحات تعدادها مئتان وثلاثون صفحة . تقف تحت عنوان لتجربة او لمجموعة تجارب تشتغل على صناعة المخيلة . هذا المفصل الذي لايمكن لغير الذخيرة المعرفية التي يمتاز بها الشاعر . هذا الخزين الذي يعمل على دفع الارتجال او الارتباك جانبا , ليفسح المجال الى صناعة النص .

ان هذه التقسيمات / الغصون والعنوانات والاشتغال على المفروزات التي تتحرك خارج سكونية الواقع المعيش . هكذا هندسة لابد لها من ان تشكل مجموعة توجيهات قراءاتية توفر للقارئ اشارات وايحاءات تمكنه من الدخول الى شفرات النص . من غير ان تفسر ,اوتشرح .

لتبق مهمة صناعة المختبر من مهمات القارئ .

ولأن – مقداد مسعود – يقف خارج السلطات التي لاتشتغل على صناعة الشعر لذلك سوف يراه القارئ شبه متفرع للقصيدة . فالمفردات الحياتية لا يمكنها ان تعيق اشتغالات الشاعر الشعرية . وكذلك الحال مع الانتماءات الفكرية والوقوف تحت خيمة السياسة اضافة الى السلطات الايدبولوجية , وماينتمي الى التحريم والممنوعات .بدءا بسلطة المجتمع مرورا

بالدولة /الحكومة وإنتهاءً بسلطات الدين والميثولوجيات والتوجه الجمعي . وعلى القارئ ان يضيف الى ماسبق ,قدرة الانساق الشعرية والانماط السائدة . وهدفها لتدير الجديد , والوقوف بمواجهة التجارب المستحدثة . وذلك عبر تفعيل سلطة القدامة . ان هذه الكم الهائل وسواه , كثير ما دفع بهذا الشاعر او ذلك المبدع وعلى العديد من المستويات المنتجة للثقافة بدءا بالادب وليس انتهاءا بالموسيقى او الغناء كثيرا مادفع المشتغلين وسط هكذا افعال ابداعية الى التخلي عن مستقبليتها أوالى الدخول الى فضاء القناعات او ركوب قطار السطات المضادة .- مقداد مسعود – من الممكن ان يكون قد وقف . او سيكون واقفا بمواجهة واحدة من هذه السلطات . او بمواجهة مجموعة . حاله حال الكثيرين من الشعراء والمبدعين . وقد يكون من الكثرة بمكان . الا ان قوة سلطة الابداع المتمثلة بكتابة القصيدة المختلفة . واصراره على الكتابة المتميزة مكانه من ان يقف على ارضية صلبة قوامها المعرفة والوعي والادراك والمخيال . تلك الارضية التي مكنت الشاعر من ان يقلب الموازين . وان يحول البعض من

السلطات التي تمتلك شيئا من الضدية الى سلطات سائدة . الى بؤر اضاءة . والى والى دليل عمل ,فمن العلاقات الفارقة في صناعة الشاعر للابداع عدم انصياعه للأدلجة تلك السلطة التي ادارت رؤوس الكثير من المبدعين . وحولت العديد منهم الى دعاة سلطات السياسية . والى مجموعة من البواقين . حيث يتحول النص الشعري الى بيانات ,والنص السردي الى تلفيقات . والابداع الى انتاجات للصحف . . ..

(6)

القارئ لما يكتب – مقداد مسعود – لابد له من ان يفتح عينيه على اتساعهما من اجل ألاّ يغفل امرا من الممكن ان يحول القصيدة الى ترديد لمقولات السياسي تلك القصيدة التي سوف يتحاشى الشاعر كتاباتها . ليكتب مجموعة نصوص في الانتماء الى الوطن . الى الجماعة .

لقد كان – مقداد مسعود – مخلصا للقضية الشعرية بقد ما كان مخلصا للانتماء الفكري وقد استطاع عبر هكذا كتابات ان يخلق حالة توازن , استطاع عبرها من الحفاظ على فنية النص الشعري مع عدم التفريط بالانتماء للفكر .ان قراءة امينة للغصن الثالث , , غصن نمنمات آذار مناسبة 78- ص61-94بمجموعة نصوصه الأثنا عشر , ان تؤكد تلك القراءة ماذهبنا اليه..وسوف تؤكد للقارئ مدى حرص الشاعر على الكتابة الشعرية حول مناسبة ما .

مع عدم الانتماء لكتابة قصيدة المناسبات ..لقد استطاعت قصيدة – مقداد مسعود – ان تعلن عن نفسها , عبر لحظة انتمائها للفن وللمخيال , ولصناعة اللاواقع . مع الاستفادة من لحظة الساكنة / المناسبة . لقد استطاع ان يفعل تلك اللحظة لتتحول الى مجموعة عقود تمتلك من التحولات ما يمكنها من الانتماء الى حركة الافكار غير الخاضعة لسلطة التحجيم ,بل ان العديد من هذه النصوص رغم انتمائها الظاهر للفكرالسياسي مرة / ولأدب المناسبة مرة اخرى . إلا انها تمتلك من فنية الكتابة الابداعية مالا يصنفها ضمن تصنيفات الكتابات السياسية . بل ان الكثير من القراء سوف يقف عاجزا عن الوقوف الى جانب محاولات التحجيم في سحبها الى جانبه . اذ ان الفنية التي تتمتع بها هذه القصائد استطاعت ان تعصمها من الدخول الى نفق الادلجة . لقد كان – مقداد مسعود – فطنا لما يكتب , عارفا بمطبات جادة الشعر . غيرقابل للوقوف تحت سلطة الواقع .

ان توجيهات الغصن القراءاتية ( منمنمات اذار بمناسبة 78)من الممكن ان تشكل حالة مضادة للقراءة الحيادية .إلاّ ان تلك النصوص لم تكن خاضعة للمناسبة بقدر انتمائها للنمنمات ،والنمنمات : حقل فني ابداعي يعتمد على تشكيلة تأخذ من – النمنم – تلك الخرز الصغيرة الناعمة , المتعددة الالوان . والتي تدخل كمادة اساسية في فن التزين للملابس او المنسوجات الشعبية وهي تنتمي كذلك لأصطلاح – الأرابسك – فن التطعيم بالخشب . اذا هي محاولات للاحتفاء بالمناسبة , وليست الكتابة عن المناسبة .

(7)

انتقالات الشاعر ضمن مايسمى بالاستهلال أوالافتتاحيات . لم تكن حكرا على النص الواحد . بل استطاع هكذا نسق ينتمي الى الاختلاف ان يمد اصابعه الى جميع القصائد يمنحها صبغته المتغيرة .. شكل إنتقالة توفر للشاعر مساحة اوسع للحراك . . . للاستخدامات اللغوية مرة . ولأستخدام الصورة مرة اخرى . مساحة بمستطاعها اكساب القصيدة دما دافئا وهواء نقيا يتمكن الشاعر من خلاله التخلص من ضغوطات نمطية الكتابة . بل ان انفتاح النص يجبر الشاعر على البحث عن مستويات جديدة للكتابة . قد يشكل امتداد اليد الى اجناس ابداعية

اخرى متجاورة او غير متجاورة . يشكل هذا الامتداد واحد او اكثر من هذه المستويات . اضافة الى قدرات الشاعر في تجديد الصورة لا استهلاكها .

وعلى الرغم من ان كتابات – مقداد مسعود – بحاجة الى قارئ فطن , صبور غير متعجل في استقبال النص إلا ان حالة الادهاش والتي هي واحدة من مرتكزات النص لدي الشاعر , لاتمنح القارئ فرصة أنية لهكذا حالة من التأني . وبالتالي فسوف يجد القارئ نفسه مضطرا الى انتاج قراءة اخرى , تمكنه من استيعاب الدهشة ,مع دعم التضحية بمفاصيل النص الشعري .. الكثير من مفاصل الادهاش تتأتى من خلال القانون الذهبي / اللاقانون الذي يعلن – كل شيء شعر , كل شيء مخيال , كل شي دهشة .القصيدة لدى شاعر الكحل والزبيب تعمل على تدمير مقولة – لاجديد تحت الشمس والتي تنتسب للعسكريتارية والبونابرتية – لتحليها الى ركام ولتقيم بدلها مقولة – كل الاشياء جديدة تحت الشمس – هذا الفعل ذو الوجهين ,الأقالة والاقامة هو من يمنح القصيدة القدرة على تجديد تصورات القارئ حول الذات وحول العالم .

(8)

على الرغم من اهمية الكحل / العين في تحديد نقطة المسار لحظة الحراك فأن الزبيب / الروح هو الذي سوف يكمل ما بعد النقطة التي سوف تجد نفسها وسط نسق الالغاء .

لتترك المجال امام المخيلة في صناعة العالم الآخر . اذ ان قدرة اللا متوقع هي التي سوف تملأ القصيدة بما ينتمي الى المفاجات التي كثيرا ماتأخذ بيد القارئ الى عوالم لم تكن قد رسمها على ورق توقعاته . القارئ مجبر على الانقياد – لاكفريسة – بل كمكشف . القارئ سوف لن يجد امامه تاريخا او وقائع . لن يجد ابطالا او خرافات . لن يجد اساطير او كائنات متعارف عليها . القارئ لن يجد سوى نفسه والشاعر كذلك داخل القصيدة .

(9)

هل من الممكن ان يجد نفسة ممتحنا ؟باحثا عن مخرج يقيله عثرات القراءة ؟ام انه سوف يحظر في الذاكرة وكذلك في المخيلة , من اجل ان يعثر على ألية تزيح من امامه قراءات اولية وواقع معيش ساكن . لتضعه على ساحل القصيدة . اوتقله الى منتصف الطريق / البحر . اذ لا وجود لساحل آخر. فكل مابعد الساحل الاول / نقطة الشروع هو البحر . قدرات القراءة لا تأتيه من خارج التكوين الثقافي والمعرفي . بل ان الباطن هو وحده من يتمكن من الاحاطة

بأ شكاليات القراءة وبالتالي تحويل النص الى منصة للأبحار ثانية وبما إن الشاعر لايكل ولايمل من صناعة اللاحدود / اللاواقع , فأن المخيال سوف يكون بدوره مصدرا للغريب من الصور , الغريب من التصورات هل كان الشاعر يعمل على استنفاد قدراته في صناعة العقل الشعري ؟

(10)

انه لا يعمل على تدمير اللغة او كما يقال على تثويراللغة – بل ورغم احساس القارئ بفعل الشاعر في الوصول الى المختلف , والى المغاير . إلاّ انه وضمن شعور طاغ – يشعر بأن الانسان هو هدفه . الإنسان والعالم – وكل ما يدورفي فلكهما – فهما اداة الشاعر ووسيلته . الا ان القصيدة تأبى ان تكتب إلاّ وفق هكذا مثال متحرك او وفق هكذا نموذج غير سكوني .قد يصنع الشاعر على وجهه قناع سواه .سوا كان كائنا بشريا او موجة ً او نخلة ً او هندياً احمر او حصاة . انه يقف خلف كل الأشياء الموجودة داخل النص الشعري . وما على القارئ الا ان يكون شجاعا في صناعة الأزاحة ليكشف عن وجه الشاعر المتخفي وراء سواه . بل ان الاخر

الذي فد يكون صديقا او لا يكون الاخصما .هذا الاخر كذلك يعمل الشاعر على عدم الكشف عنه . اذ ان مهمة الكشف هذه هي من مهام القارئ . الاخر قد يقف خلف ذئب او خلف عنكبوت . او خلف مجموعة فرائس . او خلف حشدا من اللصوص….

الشاعر لا يكشف اوراقه . قد يترك بصمة على الجدار . أو بعض ظله على صخرة قد لايبخل على القارئ بدليل .. ببرهان أو بحلم . إلاّ ان كل هذه الاشياء لن تذهب معه حتى نهاية المطاف ونهاية المطاف قد لاتكون الجنة . قد تكون شيئا من الضباب . أوأمتاراً من نفق . إلاّ ان الاحساس بوجود النهايات هي التي تمنح القارئ القدرة على المطاولة .على البقاء على المقاومة على القراءة. على الاستعداد للمواصلة . مواصلة الاستكشافات لأن القراءة / الحياة لا يمكن لها ان تعلن ديمومتها الامن خلال استمرارية اكتشاف من خلاياها الممولة للتحديث .

(11)

انتقالات النص التي هي انتقالات الشاعر نفسه , المتتالية , والمتتابعة , تلك التي ما انفكت تأخذ بيد القارئ . حيث الجمل القصيرة , والعبارات المقتضبة – هكذا يكتب الشاعر قصيدته – كثيرا ماتحول النص الى جملة واحدة . فرغم استخدام الشاعر لشروط الكتابة من علامات استفهام وتعجب والنقطة , وتعدد النقاط , والفراغات , إلاّ ان جملة الشاعر لا تتجاوب مع هكذا اجراءات كتابية . اضافة الى العديد من القصائد تخلو تماما من هكذا اشارات تمكن القارئ من الاستفادة من شروط القراءة . ولتتحول بالتالي الى حالة من التواصل الذي يحيل القارئ الى قراءة ثانية يتمكن من خلالها ان يضع اصبعه على اكثر من مركز لصناعة الاستجابة .ولأن الكثير من مفاصل الشاعر تنتمي الى مهنة الساحر فأنه سوف لن يطلع القارئ على اسرار الكتابة الشعرية , لأن قوة السحر في مغاليقه . في صعوبة تفسيره وقد يستدل القارئ عبر حركة او اشارة على الفعل الشعري الذي هو نوع من السحر .الا انه لم يتمكن من الوصول الى منظومة الكتابة . على الرغم من ان هذا القارئ او ذاك بمقدوره امتلاك الكثير من ادوات اللغة . الكثير من المعارف والوعي و الأدراك . الا ان ما يتفرد الشاعر عن سواه هو امتلاكه للخيال . هذه الخصلة او مجموعة الخصال التي لم تفسر لحد الآن .تلك التي يسميها البعض بالموهبة التي لم يجد لها الدارسون والمهتمون مبرر وجودها لدى المبدعين عامة والشعراء خاصة ولا يمتلكها اي قارئ كان . الساحر الاول لم يتلق دروسا في السحر إلاّانه يمتلك حسا منفردا حسا استطاع من خلاله تشكيل آليات الفعل السحري المتمثل بصناعة الاتصال مع الالهة . علما ان صناعة الألهة في نهاية الامر لم تكن حكرا على الساحر الذي كان اول من صنع آلهته . لقد كان الساحر الاول يمتلك عقلا فذا , تمكن من خلاله ان يصنع ان تواصلا مع اللاواقع . وبالتالي اخذ دور رجل الدين وبامتياز . لذلك ساد السحر في اول مراحل تشكيل المجتمعات . ولتتشكل المرحلة الثانية عبر المنظومة الدينية . هكذا يحدد – السير جيمس فريزر في – الغصن الذهبي – مراحل تكوين المجتمعات .

*مقداد مسعود/ مايختصره الكحل يتوسع فيه الزبيب / دار ضفاف / بغداد – دولة الأمارات المتحدة / ط

أحدث المقالات