قد يبدو عنوان المقال غريبا و لا ينسجم مع عيد العراقيين سنة و شيعة الذي بدأ في نفس اليوم ، بعد ان اعلنت مرجعية السيستاني ان أول أيام العيد للشيعة هو الخميس ٢٤-٩ و هو أول ايام عيد السنة خلاف ما كان يحصل سابقا ، و قرار المرجعية هذا هو الذي ينكأ الجروح و يطرح السؤال التالي : لماذا لم تفعل المرجعية ذلك في السنين السابقة ؟ و لماذا الآن و هذا العيد حصل ذلك ؟ واضح انها تحاول الآن أن تبعد التهمة عن نفسها بإنها عامل تفريق للعراقيين و ليس عامل جامع أو موحد لهم ، في السنين السابقة كانت المرجعية تتعمد شق وحدة الشعب العراقي بجعل الشيعة لا يحتفلون بالعيد مع السنة بل تؤخرهم يوما بعد عيد السنة ، و هذا حصل قبل شهرين تقريبا و في عيد الفطر الفائت … و هذا التراجع التكتيكي للمرجعية في هذا العيد سببه غليان الشارع العراقي و توحده سنة و شيعة ضد الفساد فلم تتجرأ المرجعية على مواجهة هذا التوحد في الموقف فرضخت و احتفل العراقيون بسنته و شيعته في نفس اليوم ، و هو واحد من تداعيات التظاهرات و ثورة العراقيين و التي لم تتوقعها المرجعية نفسها فاضطرت لمواكبتها و مسايرتها بانتهازية واضحة ، في السنين السابقة كان لا يسمح لشيعة و سنة العراق أن يبدأ عيدهم في نفس اليوم و كأن لدينا نوعين من الاسلام و ليس إسلام واحد ، و لتوضيح اصرار هذه المرجعية على دق اسفين بين سنة و شيعة العراق يمكن ملاحظة ان المرجعية لا تعلن عن موعد اول ايام العيد للشيعة و تلزم الصمت … الا بعد ان يعلن السنة عن موعد اليوم الاول رسميا ، لماذا ؟ لانها مصرة على تخريب العلاقة بين أبناء الوطن الواحد بعدم السماح للشيعة مشاركة السنة الاحتفال بالعيد في نفس اليوم الاول ، و بكلام اكثر وضوحا نلاحظ انه لايوجد في الذاكرة ما يشير الى ان المرجعية قد سبقت السنة في اعلان موعد العيد ( لماذا ؟ اليست مرجعية السيستاني سباقة في كل امر و كل شأن كما يدعي اتباعها و المدافعين عنها ؟! ) و السبب هو خوفها ان يتوافق الموعد مع بداية عيد السنة ، اي انها تخاف و لا تريد ان ترى العراقيين يحتفلون جميعا بنفس اليوم ، لإنها تعتاش و تتغذى على هذه التفرقة بين ابناء الشعب الواحد ، هل يوجد بلد في العالم يحتفل نصف شعبه بالعيد في يوم و يحتفل النصف الآخر في اليوم التالي !؟ و هو شعب واحد لا اثنين و يعبدون إله واحد لا اثنين و لهم نبي واحد لا اثنين و لهم دين واحد لا اثنين و هلال الدنيا واحد لا اثنين … ام ان هلال العيد يظهر للسنة فقط و يختفي عن عيون السيستاني لإن عيون سماحته ليست ستة على ستة !؟ ام أن السنة أقوياء النظر و الشيعة عميان لا يستطيعون رؤية الهلال ( حاشاهم أن يكونوا عميان ) و لكن الذي اعماهم ، و لا يزال يعميهم ، هو هذه المرجعية .
قد يرى البعض من المخدوعين بمرجعية السيستاني ان عدم الاحتفال بالعيد في نفس اليوم ليس مشكلة ، و الحقيقة ان هذه الظاهرة المقيتة هي ام المشاكل و أبوها ايضا ، لإنها تمزق النسيج الاجتماعي للشعب العراقي و تقطع التواصل الطبيعي بين سنته و شيعته و تؤدي الى نوع من الإنقسام و عدم الإنسجام و لو كان نفسيا بين افراد المجتمع الواحد ، و يصل هذا الإنقسام الى افراد العائلة الواحدة ، إذ كما نعرف ان الكثير جدا من العوائل العراقية الأب شيعي و الأم سنية أو بالعكس … فهل يحتفل الزوج في يوم و تحتفل الزوجة في اليوم التالي ؟ و ماذا عن الاطفال الأبرياء فعندما يحل العيد مع من يحتفلون مع الأب أم مع الأم ؟ و ماذا عن الجيران و الأصدقاء من يهنئ من و من لا يهنيء من ؟ اليست هذه مهزلة ؟ أليس هذا تدمير و تخريب للعلاقة بين البشر ، ناهيك عن العلاقة بين أبناء الشعب الواحد و العائلة الواحدة ؟
مرجعية السيستاني ليست في وارد الإهتمام بالمجتمع العراقي و لا بشيعته ، ناهيك عن سنته ، ولا بما يجري في البلد من خراب و تخريب و في كافة المجالات و آخرها و ليس أخيرها وباء الكوليرا الذي تسلل الى أبناء الوسط و الجنوب و أغلبهم من الشيعة ، و كأنهم ما كان ينقصهم الا الكوليرا .
بعد الاحتلال برز دور المرجعية في التأثير على سير الأحداث في البلد بعد أن لجأت اليها الأحزاب الشيعية التي تدعي الإسلام للحصول على دعمها في السيطرة على مقاليد الأمور في البلد ، وتم لها ذلك من خلال دعم المرجعية للقائمة ( ٥٥٥ ) و فازت الأحزاب الشيعية و استلمت الحكم ، و استبشر الشيعة خيرا متوقعين ازدهارا كبيرا سيغير حالهم و حياتهم الى الأفضل و الى الأحسن ، و هذا ما كان يفترض ان يحصل ، خاصة بعد التصريحات و البيانات الطويلة العريضة من أن الشيعة إن استلموا الحكم فسيرفعون المظلومية التي كانوا يرزحون تحتها في العهود السابقة كما يدعون و يزعمون ، و بعد اربع سنوات من حكم شيعة السلطة فاحت الرائحة و إنكشفت حقيقة الحكام الشيعة الجدد من انهم سراق ، دينهم و ديدنهم الدولار الأخضر ، و ليس رفع المظلومية كما كانوا يدعون ، هنا عرف الشيعة و ادركوا ان حكامهم الجدد لا يستحقون التجديد لهم مرة ثانية في الإنتخابات المقبلة ، و عقدوا العزم على عدم انتخابهم مجددا … لكن .. مرجعية السيستاني تدخلت لمنع حصول ذلك و اطلقت فتواها المضحكة داعية الناخب الشيعي الى انتخاب نفس هؤلاء اللصوص شرط ان يقدم هؤلاء اللصوص تعهدا بان لا يمارسوا السرقة مرة ثانية !! و هذه الفتوى المهزلة اعلنها خطيب الجمعة عبد المهدي الكربلائي ، و كانت تظهر على قناة البغدادية يوميا و على مدى أسابيع و يتذكرها العراقيون جيدا ، و جرت الإنتخابات الثانية عام ٢٠١٠ و رغم التزوير و رغم تسخير المالكي كل مرافق الدولة لصالحه كي يفوز بالولاية الثانية ، خسر المالكي الإنتخابات و جاء ثانيا بعد الفائز الأول السيد أياد علاوي ، و كان ذلك دليل و مؤشر قوي ان الشعب لايريد التجديد لشيعة السلطة ، غير أن الملعون في دنياه و آخرته إن شاء الله مدحت اللامحمود تدخل ليغير الوضع لصالح المالكي ، و هذا حصل تحت سمع و بصر المرجعية التي لم تعترض على عودة اللص الى سدة الحكم ثانية رغم عدم استحقاقه ذلك .
الفعل بنتائجه ، شيعة السلطة حكموا العراق اكثر من عشر سنوات و بغطاء و دعم واضح من مرجعية السيستاني ، فما هي النتيجة و ما هو المنجز ؟ النتيجة و المنجز ان العيش في العراق اصبح لا يطاق إن لم يكن مستحيلا ، و الدليل هو هجرة الناس الى اوربا افرادا و عوائل رغم علمهم التام ان رحلتهم محفوفة بمخاطر الموت غرقا أو الاعتقال أو الطرد و العودة من حيث أتوا ، و الآلاف الآن يتمنون مغادرة الوطن لو توفر لديهم ثمن رحلة الموت و الحياة ، كل ذلك حصل و لا يزال المستفيدون من هذه المرجعية يجترون كما البقر مقولة ان المرجعية ( صمام الأمان ) فأين الصمام و أين الأمان و قد تحول العراق الى محرقة وقودها ابنائه و إنقلب عاليه سافله ؟ و عبارة ( صمام الأمان ) تذكرنا بعبارة ( السنة انفسنا ) التي اطلقها من أطلقها لغرض التغطية على طائفية المرجعية و هي كذب في كذب ، لم تصدر لا من أفواه وكلاء السيستاني و لا من فتاويه المكتوبة ، و من يدعي عكس ذلك فليثبته لنا بالدليل القاطع .
رغم ان الكلام عن العيد في العراق ترف زائد لا داعي و لا لزوم له و هو عيد بالتسلسل الزمني للأيام لا غير ، عيد ليس له طعم أو لون أو رائحة في ظل الوضع الدموي الحالي للعراق ، فالعيد الحقيقي للعراقيين يحصل عندما يتخلصوا من شلة اللصوص الجاثمة على صدورهم منذ اكثر من ١٢ عاما ، و يستلم قيادته ابنائه الشرفاء و ما اكثرهم .