النقدُ التراثيُّ ضرورةً علَّمية من أبرز أهدافهِ كشفُ الخَللِ ومتابعةُ الأخطاءِ ورصدُ الزَللِ بروحٍ علّمية خالصة بعيدةٍ عن الأساءةِ والتشهيرِ والانتقاصِ , وينبغي للناقدَ متابعةُ التحقيق وألاَّ تفصل بينه وبين العملِ المنقود سنوات طويلة لكي يُحققَ الغرض وتثبت علّميةَ الناقدِ ومتابعتهُ , وخلافَ ذلك يفقدَ النقد اهَّميته وعلميته وتقل فائدتهُ.
فقد نشَر الدكتور حاتم صالح الضامن (1938 – 2013) ( شِعر المُخبَّل السعديَّ ) في مجلة المورد المجلد الثاني العدد الأول – 1973 ص 121 – 136 . ثم صدر كتاب الدكتور الضامن ( شعراء مقلون ) عن ( عالم الكتب / بيروت ) مكتبة النهضة العربية / بغداد / ط1 / 1407 هـ = 1987م وبضمنهِ ( شعر المخبَّل السعدي ص277 – 332 ) مع مصادره. ثم صدر كتاب الدكتور حاتم ( عشرة شعراء مقلون) عن جامعة بغداد 1411هـ = 1990م وفيه ( شعر المُخبل السعدي ) في الصفحات 49 – 83 مع مصادره.
نشر الدكتور وليد السراقبي (1956- …) ( الأستاذ المساعد في كلية اللغة العربية / جامعة محمد بن سعود الأسلامية – بالرياض ) مقالا عنوانه (المُخبل السعدي : حياته وما تبقى من شعره : صنعة حاتم الضامن ) في مجلة معهد المخطوطات العربية بالقاهرة المجلد 54 / الجزء الثاني / 2010 ص 261 – 293 مع مصادره.
جاء في ص ( 263 ) ” وحظي شعر المُخبَّل بجهد مشكور قام به احدُ المهتمِّين بهذا المنجز في العراق , وهو حاتم الضامن المدرَس في الأعدادية المركزية ببغداد حينذاك , فجمع شعر المخبل السعدي ونشره في مجلة ( المورد ) العراقية في العدد الأول من المجلد الثاني لعام 1973م ثم تلا ذلك قوله ” فقد جاء العملَ آية مِن آياتِ التعجّل والتسرّعِ , وهما آفتا كلِّ عمل , واكثر المعاني التي تُغمزُ بها الأعمالُ العلميةِ إيلاما ً”
ويتابع السراقبي . ثم اعاد الضامن نشَر هذا المجموع في كتاب سمَّاه ( شعراء مُقلون ) ” ثم قام عبد الحميد المعينيُّ بجمع شعر بني تميم في العصر الجاهلي 1982 ويعد شعر المخبل احد اقسامه وقام بسام الزعبي بصنع ديوان للشاعر في رسالة قدمها الى كلية الآداب بجامعةِ دِمشقَ لنيل درجةِ الماجستيرِ بإشراف الدكتور عبد الحفيظ السطلي.
وأضاف السراقبيَّ ” وقد كان لي معَ عمل الضامن وقفةٌ مطولةٌ اردتُ بها التنبيه الى بعض ما فاَته من دون ان ابغيَ الأقلالَ من شأنه ِوقيمته فحسبه انه اجتهد , فلِكلّ مجتهدٍ نصيبٌ , وما تبقى مِن المقالِ ( 205 – 289 ) خصَّصه السراقبيَ لنقدِ مجموعِ الضامنِ والإستدراكِ عليهِ.
بعد ان انتهيتَ مِن عرضِ مقال السراقبيَّ أُسجلُ الملاحظاتِ الآتيةِ :
1- جاء نقد السراقبيَّ للدكتور حاتم الضامن بعد 37 سنة من نشر شعر المخبَّل السعديَّ ( 1973 سنة نشرهِ في المورد و 2010 سنة نقد السراقبيّض ) وهنا أقول : لماذا أغفل السراقبي عمل الضامن كلَّ هذه السنوات وأين كان هو عن عدد المورد وعمل الضامن فهل كان يدري وسكت أم لا يدري حتى وقع مجموع الضامن ومجلة المورد بين يديه ؟ أيجوز للناقدِ التراثيِّ ذلك ؟
2- ذكر السراقبي ان د. الضامن نشر شعر المخبَّل حين كان مدرساً في الإعداديةِ المركزية , والسراقبي الآن استاذ مساعد واغفلَ ان الدكتور حاتم الضامن هو استاذ منذ 1989 فهل يجوز ذلك وما درجة السراقبي العلمية سنة 1973 حين نشر الضامن مجموع شعر المخبل السعدي ؟ ( دكتور وليد السراقبي مواليد 1956 حصل على الإجازة سنةَ 1987 والماجستير 1995 والدكتوراه 2000 وحصل على لقب أستاذ مساعد 2001 – 2002 في حين نال حاتم الضامن البكالوريوس 1961 والماجستير 1973 والدكتوراه 1977 وحصل على لقب أستاذ مساعد 1983 ولقب أستاذ 1989)
3- ذكر السراقبي ان المعيني نشر شعر المخبل ضمن ( شعر تميم ) ولم يُشر الى ان المعيني أغفل ذكر الضامن الذي سبقه بعشر سنوات في جمعِ شعرِ المخبّلِ , فلماذا سكت السراقبيَّ عن هذا ؟
4- ان السراقبيَّ ذكرِ مجموعَ شعرِ المخبَّل في عمل المعيني وأضاف أن رسالة ماجستير لباسم الزعبي تناولت شعر المخبَّل جمعاً وتحقيقا .. فما فائدة الإستدراك على عمل الضامن ما دام هو أي الزعبي قد استقى معلوماته من المعينّي والزعبي , فهل انتظر 37 سنة ليستدرك على الضامن من عملين هما في متناول القُرّاء؟
5- نشر السراقبي مقالته سنة 2010 وأغفل ذكر ( ديوان المخبّل السعديّ ) ( جمع وشرح وتحقيق : د. محمد نبيل طريفي ) دار صادر / بيروت ط1 / 1428هـ – 2007م أي قبل ثلاث سنوات من نشر مقالة السراقبي أليس عمل طريفي أولى بالنقد لكونه حديث العهد ولا سيَّما ان طريفي ذكر ريادة حاتم الضامن في جمع شعر المخبل السعدي واغفل ذكر مجموع المعيني وبسام الزعبي وكل من طُريفي والزعبي سوريٌ , أليس الأولى بالسراقبيَّ أن ينقدَ عمل طُريفي وقد جاء بعد ثلاثةِ جهودٍ أغفلَ ذكرِ اثنينِ منها؟!
6- وملاحظة أخيرة : كيف أَجازت مجلةُ ( معهدِ المخطوطات ) المعنية بنشر التراث ونقد التحقيق نَشر هذا النقد الذي يتناولُ عملاَ مَرت عليه 37 سنة أعقبته ثلاثة جهود تناولت جمع شعرَ المخبل ( المعيني , وسام الزعبي ومحمد نبيل طُريفي ) أليس من شأن الخبير ان ينتبه الى ذلك ويحدد ما وراء هذا النقد فهو اشبه بـ ( كلمةِ حق يرادَ بها باطلٌ) !!
أخرجُ من ذلك كلَّه بالقول : ان الدكتور السراقبيَّ ان كان يضمِرَ امراَ وراء هذا النقد ( وهو امرٌ محتملٌ جداَ ) فكان يَنبغي ان يتسامى عن الضغائن والخلافات الشخصية لأنه في اعتقادي أساء الى نفسه قبل ان يسيئ للضامن , فالمتابع يعرف المؤاخذات التي ذكرها تدين السراقبي أكثر مما تدين الضامن , فالمتابع يعرف أن الضامن سنة 1973 غيره سنة 2010 , والضامن محقق (مشكل اعراب القرآن ) لمكي بن ابي طالب المطبوع بجزأين , ومحقق ( الزاهر في معاني كلمات الناس ) للانباري بجزأيه وهو محقق عشرات الكتب والرسائل في اللحن والناسخ والمنسوخ , وعلوم القرآن , والمذكر والمؤنث , فما معنى العودة الى عمل نشره الضامن حين كان يعمل في التعليم الثانوي , في حين هو عند نقد السراقبي دكتور درجته العلمية استاذ مضى على نيله اللقب العلمي اكثر من 30 سنة ؟!
وما معنى تخصيص ( 33 ) صفحة من مجلةِ معهد المخطوطات العربية لعمل مضى عليه ( 37 ) سنة لم يكن مسروقا ليسوّغ نقد السراقبيَّ, بل كان رائدا فيه , أليست هذه الصفحات أولى ان تخصص لما هو جديد نافع وليس لقديم يمثل مرحلةَ من مراحِل البحث, ولو عاد السراقبيَّ الى المرحلة نفسها التي كان فيها الضامن لكان أولى ان ينقد نفسه , فهل من المعقول أن ننقد أحمد شوقي – مثلاً- على مرحلة معارضته قصائد الشعراء العباسيين ونغفل أحمد شوقيّ الشاعر في ديوانه ومسرحياته الشعرَّية ؟؟
أخلصُ , ممّا سبق ذكره , الى القول أن للنقد أصولاً واخلاقاً ينبغي ان تتوافر في عمل الناقد التراثي وعليه أن ينظر في ما يكتب الى المتلقي قبل أن ينظر الى نفسه لتحقيق مأرب أو غرض شخصي , وعلى الناقد التراثي أن ينتبه الى أن القارئ هو ناقد ايضا , يستطيع ان يحكم على ماكتبه الناقد ويعرف ما وراءه ؛ إن كان يهدف الى العلم او الى حاجة في نفس يعقوب قضاها!!
إنَّ غياب موضوعيّة العلم , وتحقيق الأغراض الشخصيّة هي أبرز آفات النقد في حين أنّ تحقيق الموضوعية والحياديةِ والمتابعةِ الجادة تحقق اهدافاً أبرزها احترام الناقد لنفسه اولاً , ومن ثم احترامُ القارئ للناقد , وانتفاع المنقود بملاحظات الناقد , وفي حالة نقد السراقبي ماذا سينتفع القارئ بنقد عمل مضى عليه 33 سنة ؟ وماذا ينتفع الضامن وقد ظهر ديوان المخبّل بَعد 34 سنة من ظهور عمل الضامن ؟؟ وما فائدة الإستدراك والنقل من مصادَر متوافرة للقرّاء سوى تسويدِ الصفحات وإطالة المقالة , وهو يدري او لا يدري ان ديوان المخبل قد طبع كاملا قبل مقالته بثلاث سنوات ( أعني عمل د. محمد نبيل طريفي ) .. ولا اظن السراقبيّ يجهل ذلك , ولكنه تجاهل فطُريفيّ سوريّ مثله ودار صادر قريبة منه .. وان كانَ لا يعلَم فتلك مصيبة ( كما يقول الشاعر ) اذ كيف قد علم بعمل الضامن بعد 37 سنة , وجهل عمل طريفي وقد نُشِر قبل مقالتهِ بثلاث سنوات ؟ فهل ينتظر السراقبي 37 سنة اخرى لنقد مجموع طريفي شعر المخبّل أم أنه حقق ما أراده بنقد الضامن فحسب ولا يعنيه غيره؟ أيُّ نقد هذا .. اليس ذلك عبثا ما بعده عبث؟!
بعد هذا كله لم أُرد المقارنه بين مطبوع ديوان المخبَّل للضامن بنشراته الثلاثِ , ونشرة المعينيَّ والزعبيَّ وطريفيَّ .. لأنَّ قصدي هو ( النقد التراثيّ واخلاق النقد ) وليس نقد الطبعاتِ الأربعِ لديوان المخبّلِ والموازنة بينها فلذلك حديث آخرُ …