17 نوفمبر، 2024 4:21 م
Search
Close this search box.

ممارسات التهجير والتغيير الديمغرافي في الإسلام التاريخي‎

ممارسات التهجير والتغيير الديمغرافي في الإسلام التاريخي‎

ظلّ الإجلاء -كحكم من أحكام القبيلة- ساريًا في الإسلام، ينال كل من خالف سنن القبيلة، وخرج عن أعرافها الاجتماعية والدينية، كي يحرم من حمايتها وعزوتها التي كان يحظى بها، ويتحصل على الأمن في غضونها. وعادة يتم الإجلاء بعد حكم صادر من شيخ القبيلة، أو من أحد حكام العرب المشهورين بالتقاضي في خلافات الناس، وفي التنافر بينهم على الحقوق والأعراف، كمنافرة هاشم لأميّة وإجلائه الى الشام عشر سنين (ابن حبيب: المنمق، ص100). أحيانا يكون التهجير بسبب الاضطهاد لجماعة صبأت عن دين القبيلة، ومثله هجرة المسلمين الى الحبشة، هربًا من حُمُس قريش الوثنيّة الى حاكم مسيحي عادل، وكان أول تهجير ديني. 

التهجير الديني

كانت وثيقة المدينة أول معاهدة قامت على أساس ديني بين المؤمنين من المهاجرين والأنصار، وبين اليهود على قبائلهم، ومن بقي على دينه، سواء على الوثنية أو المسيحية، وَأَنَّ المعاهدين إِذَا مَا أداموا شروط معاهدة الذِّمَّة وثبتوا عَلَيْهَا، يبقون محروسين بعين الدّولة، وإذا مَا أخلُّوا بشروط العهد فإنَّهم قَدْ يُعرِّضون أنْفُسَهم وأهْلِيهم إلَى عُقوباتٍ، مِنْهَا الجلاء عَنْ ديارهم، وَهَذَا مَا حدث فعلا مَعَ بعضِ قَبَائِل يَهُود فِي عصْرِ الرّسالة، نحو: بني النّضير الَّذِينَ “قَاتَلَهُمُ النّبِيُّ مُحَمَّد، حَتَّى صَالَحَهُمْ عَلَى الْجَلَاءِ فَأَجْلَاهُمْ إلَى الشّامِ”( عبد الرّزاق: المصنف 5/ 358.)، بسبب نقضهم العهد، فِي مكاتبتهم كفار مَكّة (ابن سيد النّاس: عيون الأثر 2/70)، ومحاولتهم الغدر بالرّسول مُحَمَّد(الواقدي: المغازي 1/363). فِي حِين أنَّ َرَسُولُ اللَّهِ قَدْ أَقَرَّ أَهْلَ خَيْبَرَ بِهَا إلَى أَنْ قَبَضَهُ اللَّهُ، وَهِيَ مِنْ جَزِيْرَة الْعَرَبِ، وَأَصْرَحُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ مَاتَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِالْمَدِينَةِ عَلَى ثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَخَذَهُ لِأَهْلِهِ (ابن قيم الجوزية: أحكام أهل الذمة 1/387).

            أَمَّا نَصَارَى نَجْرَان فَقَدْ عاهدهم الرّسول مُحَمَّد، عَلَى أنْ لا يُغيَّر عَلَيْهِمْ شيء فِي فضاءات حياتهم الدّينِيَّة والاِجْتِمَاعِيَّة والاقتصاديّة “أَبَدًا”، كَمَا نصت عَلَيْهِ معاهدة نَجْرَان: “وَلَهُمْ- عَلَى مَا فِي هَذِهِ الصّحيفةِ- جِوَارُ اللهِ وَذِمَّةُ مُحَمَّدٍ النّبيِّ أَبَدًا، حَتَّى يأتي أمر الله، مَا نصحوا وأصلحوا فِيمَا عَلَيْهِمْ، غير مُكْلِفِين (مثقلين) شيئا بظلم” (البلاذري: فتوح البلدان 1/76). ثُمَّ جَاءُوا مِنْ بَعْدُ إلَى أَبِي بَكْرٍ فَكَتَبَ لَهُمْ (جدّدَ العهد)، وَفَاءً لَهُمْ بِكُلِّ مَا كَتَبَ لَهُمْ مُحَمَّد النّبِيُّ (أَبُو يوسف: الخراج، ص 85).

             لَمَّا أُستخلف عُمَر بن الخطاب أَرَادَ إجْلَاءَ اليهود، استنادا الى قَوْل الرسول “لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ”، وَأَجَلَاهُمْ وَلَمْ يَتَلَفَّتْ إلَى مَا اعْتَرَضُوا بِهِ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِ الرسول: “اُتْرُكُوهُمْ وَمَا يَدِينُونَ”( البابرتي: العناية شرح الهداية 2/ 244). كذلك اسْتَجَازَ إِخْرَاجَ أَهْلِ نَجْرَان وَهُمْ أَهْلُ صُلْحٍ؛ ويعلل أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا نَرَى لِحَدِيثٍ يُرْوَى عَنْ النّبِيِّ مُحَمَّد فِيهِمْ خَاصَّةً، فَإِنَّهُ قَالَ: “أَخْرِجُوا أَهْلَ نَجْرَان وَيَهُودَ أَهْلِ الْحِجَازِ مِنْ جَزِيْرَة الْعَرَبِ”؛ لِنَكْثٍ كَانَ مِنْهُمْ، أَوْ لِأَمْرٍ أَحْدَثُوهُ بَعْدَ الصّلْح (الأموال، ص 129). وَكَذَا قَوْلُ الرسول لِعَلِيٍّ بن أبي طالب: “أَخْرِجْ أَهْلَ نَجْرَان مِنْ جَزِيْرَة الْعَرَبِ” (ابن قيم: م.س 1/384). علل أَبُو يوسف: أَجْلاهُمْ عَنْ نَجْرَان الْيَمَنَ، وَأَسْكَنَهُمْ بِنَجْرَان العِرَاق؛ لِأَنَّهُ خَافَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ (الخراج، ص 86.). واحتجوا باعتذار الإمام عَلِيّ لَهُمْ فِي خلافته، وَكَانَ هُوَ من كتب عهد الرّسول مُحَمَّد إلَيْهِمْ. فِي رِوَايَة ابْنِ أَبِي الْجَعْدِ(م.ن.ص87) ، قَالَ:” جَاءَ أَهْلُ نَجْرَان إلَى عَلِيٍّ، فَقَالُوا: شَفَاعَتُكَ بِلِسَانِكَ، وَكِتَابُكَ بِيَدِكَ، أَخْرَجَنَا عُمَرُ مِنْ أَرْضِنَا فَرُدَّهَا إِلَيْنَا صَنِيعَةً، فَقَالَ: وَيْلَكُمْ إِنَّ عُمَرَ كَانَ رَشِيدَ الْأَمْرِ، وَلَا أُغَيِّرُ شَيْئًا صَنَعَهُ عُمَرُ”.

            ومن خِلَالِ قراءة النّصوص التّاريخيّة من مثل رِوَايَة الشّعْبِيُّ: قَالَ عَلِيٌّ حِينَ قَدِمَ الْكُوفَةَ: مَا جِئْتُ لِأَحُلَّ عُقْدَةً شَدَّهَا عُمَرُ!” و “لست براد عَلَى عمر شيئا صنعه” (ابن قيم: م. ن. 3/1165)، إنَّ عليًّا كَانَ يكره أنْ يُغَيِّرَ عَلَى عمر شيئًا، قَدْ اُتَّخِذ عُرْفًا، أَوْ سنّة بَيْنَ النّاس، وأكبر الظّن أَنَّهُ كَانَ يخشى عَلَى مسيحيّ نَجْرَان الَّذِينَ استقروا فِي الكوفة، مَا يحصل لَهُمْ بَعْدَهُ إِذَا مَا رَدَّهُم إلَى نَجْرَان.

            مِنْ هُنَا يشوب الأسباب والرّوايات مَا يوجب الكَلَام فِيهَا، فَمِنَ القدماءِ نبَّه ابن القيِّم (م. ن.1/385) إلَى ذَلِكَ:” قُلْتُ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ عَلِيٍّ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ عَنْ النّبِيِّ، أَمْرُهُ بِإِخْرَاجِ أَهْلِ نَجْرَان مِنْ جَزِيْرَة الْعَرَبِ، لَمْ يَعْتَذِرْ بِأَنَّ عُمَرَ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَكَانَ رَشِيدَ الْأَمْرِ”.

             لَعَلَّ ورودَ حديثِ الإخراجِ، تَارَةً فِي سياق إجلاء أهلَ خيبرَ، وأهلَ نَجْرَان أُخْرَى، وجمع بينهما ثالثة، للمشركين رابعة (الأموال، ص 127)، كَانَ موعزا للنظر في سند الرواية، وموردًا للشكِّ في مفهومها ودرايتها، من جانب مخالفة الإجراء لسنّة الرسول، مما كان مدعاةً لمَلْحَظِ الطّبريِّ الشّيعيِّ (المسترشد، ص 527)، وردّه : أنّ مَا فَعَلَهُ عُمَرُ مَعَ أهل نَجْرَان وخيبر يخالفُ عهودَ النّبيِّ مَعَهُمْ، وصُلْحَهُ وإقرارَهم عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ.

            كانت أسباب الإجلاء مختلفة -في نظر العلماء- باختلاف المجليّ، يختزلها أحمد بن حنبل في قتال النبي، ويفرق بين المشركين وبين النصارى واليهود، بقوله في الحديث: “أخرجوا المشركين من جزيرة العرب”: هم الذين قاتلوا النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ليست لهم ذمة، ليس هم مثل اليهود والنصارى(الخَلَّال، أحكام أهل الملل والردة ، ص55).

             يبدو أنَّ الأسبابَ الَّتِي وَرَدَتْ فِي المصادِرِ الإِسْلَاميّةِ، والتي تُسَوِّغُ تَنْحِيَتِهِمْ فِي نظرِ الْمُسْلِمِينَ تَعْتَوِرُهَا تناقُضَاتٌ، نحو: تكاثر أهل نَجْرَان، وخوف الخليفة مِنْهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، والشّك بطاعتهم النّاتج عَنْ ضعف التّزامهم بشروط العهد. فِي حِين أنَّ كِتَابًا بَعَثَ بِهِ عُمَرُ، كُتِبَ فِيهِ وُجُوبُ حمايتِهِم، فَضْلًا عَنْ وَصِيَّتِه (تامر باجن أوغلو: حقوق أهل الذمة، ص17). وَبِحَسَبِ تريتون (أهل الذمة فِي الإسلام، ص 158) “لَمَّا تدانَى أجَلُهُ، قال: “أوصي الخليفة من بعدي بأهل الذِّمَّة خيرًا، وأنْ يُوفِيَ لَهُمْ بعهدِهِم، وأنْ يقاتِلَ مِن ورائِهم، وألَّا يُكَلِّفَهُمْ فوْقَ طاقتِهِم”.

            ثمة إشكالية يتوخاها البحث بإيجاز عن ماهية “جزيرة العرب” في الأثر؟، وما حدودها، قبل الفتوح وبعدها؟ وما رأي العلماء المسلمين فيها؟  نجد تفسيرات عدة: في رأي أحمد بن حنبل، إنّ جزيرة العرب، يعني، أولا- المدينة وما والاها؛ لأن النبي أجلى يهود، فليس لهم أنْ يقيموا بها. ثانيا-  ما لم يكن في يد فارس والروم. ثالثا- ما كان خلف العرب. وقال الأصمعي: كل ما كان دون أطراف الشام (الخلال: م.س، 56). وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ، سَأَلْتُ المُغِيرَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَزِيرَةِ العَرَبِ، فَقَالَ: مَكَّةُ، وَالمَدِينَةُ، وَاليَمَامَةُ، وَاليَمَنُ، وَقَالَ يَعْقُوبُ: وَالعَرْجُ أَوَّلُ تِهَامَةَ”( المسند الموضوعي الجامع 2/ 168).

من منظور كبريلي (محمد والفتوحات ، ص113): انَّ الاضطهادات والمضايقات التي شهدتها الجماعة المسيحيَّة تختلف عن تلك المضايقات التي اتخذت مع اليهود، وهي لم تكن معروفة في بداية الإسلام، وأنّه إذا ما أقرَّ محمد اللعنة ضدَّ الكفار في نهاية حياته، وقد مارسها الخليفة عمر، الذي أكره المَسِيحِيِّينَ بالخروج من الجزيرة العربية، فإنَّ اختفاء المسيحيَّة من الجزيرة العربيَّة لم يكنْ له تلك الأوجُه المأساويَّة والقاسيَة، التي مُورِسَتْ على اليهوديَّة، فعلى الرغم من العثرة المُحْبِطَة المتمثِّلة بالثالوث وبالتعليل اللاهوتي لشخصيَّة المسيح، فقد كان الإسلام دائما يشعر- بغموض وغير وضوح- بأن المسيحيَّة كانت العقيدة الشقيقة والأخويّة.

جاء إبعاد مسيحي نَجْرَان من الجَزِيْرَة الْعَرَبِيّة، فِي عهد الخليفة عمر، مؤشرا آخر عَلَى تضاؤل الْمَسِيحِيَّة، فأهل نَجْرَان مِنْ بَعْدِ أَنْ جدّدوا العهد والبيعة مَعَ الخليفة أبي بكر، وثبّتَ أوضاعهم. وعَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّهُمْ لَمْ ينقضوا عهدا، إِلَّا أَنَّ الخليفة أمر بجلائهم عَنْ نَجْرَان اليمن، خوفاً من تعاظمهم، ونزل بعضهم الشّام وفقد أثرهم، ونزل أغلبُهم “النَجْرَانيَّة” قرب الكوفة وبهم سُمِّيَتْ، وظلّوا فِي ذمّة الْمُسْلِمِينَ. أوصى عمر أمراء الشّام والعِرَاق، بأنْ يوسعوهم أرضًا، وأنْ يُعفوا من الضَّريبةِ لمدة سنتين. وَلَيْسَ أدلُّ مِنْ أَنَّ هَذَا الإجلاءَ أفْقَرَ النَجْرَانيّين وأضعفَهم. ثُمَّ أَنَّهُمْ اشتكوا لعثمان تَنَاقُصَ عدَدِهِمْ، فخَفَّفَ عَنْهُمْ الْجِزْيَة، وطلبوا من الإمامِ عَلِيٍّ إرجاعَهم إلَى وطنِهم الأصليّ، فاعتذَرَهُمْ، قائلاً: ” إِنَّ عُمَرَ كَانَ رَشِيدَ الْأَمْرِ (الأموال128)، وأنا أكْرَهُ خِلَافَهُ” (البلاذري: م.س74). فَكَانَ إبعادُهُمْ مُبَادَرَةً سِيَاسِيّةً من عمر، وإنْ كَانَ بعضُهم حاولَ تبريرِها بِتَوْصِيَةٍ من الرّسولِ، لإبعاد الْمَسِيحِيِّينَ من الجَزِيْرَة الْعَرَبِيّة.

            مهما يكنْ من أمرٍ، فإنَّ تطهيرَ جزيرة العرب من الديانات الأخرى، الذي أطلقه الخليفة عمر، ونُسِبَ الى قولِ الرسولِ:” لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ “(مالك: الموطأ 1/257)، ولّدَ مشاعرَ الضياعِ، وفقدانَ الهُوِيَّةِ التاريخيَّةِ لَدَى مسيحيِّي نَجْرَان، وتَشَتُّتَهُم في البلدانِ، واندماجَهم ديموغرافيًّا في بيئاتِ الكوفةِ والشامِ، شكَّل خطرًا على وجودِهم الديني. مَرَدُّ ذلك الى إشتراعٍ على العهد النبوي الى مسيحيي نَجْرَان، او عدم العمل بروحه في صيانتهم الدينية، ومن جهة أُخْرَى، عدم قبول الإمام علي بردِّهم الى نَجْرَان، بسبب كراهيَّته لأنْ يغيِّرَ على سَلَفِهِ، وكان عليهِ أنْ لا تأخذُهُ في الحقِ لائمةٌ، إلَّا إذا كانتْ الكراهيَّةُ سياسيَّةً، وأنَّه خَشِيَ على مستقبلِهم أنْ يُجْتَرَحَ.

 

التغيير الإثني:

لما وجد معاوية أنّ أغلبيَّة السكان في الشام من المسيحيِّين، وأكبر الظنِّ أنَّهم قد يعطون ولاءهم للروم، كان عليه أنْ يطعِّم البلاد بالجاليات الأخرى، ليقلِّص الوجود المسيحيّ، ويحقق التوازن الديموغرافي. فضلا عن القبائل العربية التي نزلت إبان الفتوح وبعدها، من يمن وسليح وزَبِيد وهمْدان ويحصُب، فإنَّه نقل قوما من الفرس الى سواحل الأردن وصور وصيدا سنة 42هـ/662م، ونقل من أساورة البصرة والكوفة الى أنطاكية، ونقل قوما من زُط* البصرة والسَّبَابِجة** الى سواحلها سنة 49هـ/669م. وبحسب اليعقوبي: شملت ناقلة الفرس كورة عرفة وطرابلس وبيروت وجبيل وبعلبك، حتى صار أهل هذه الكور كلها من الفرس. واصل حملة التغيير الديموغرافي عبد الملك بن مروان، فأقطع فُرسَ بعلبك الخمس من مدينة طرابلس، فسكنوها وغيرها من مدن الساحل. وتابعها الوليد بْن عَبْد الملك، إذ نقل إِلَى أنطاكية قوما منَ زط السند ممن حمله مُحَمَّد بْن الْقَاسِم إِلَى الحجاج فبعث بهم الحجاج إِلَى الشام، حتى أضحتْ بانطاكية محلة تعرف بالزط.

شملت سياسة التفريق والإجلاء، التي اتُبِعت في الشام، الجَراجمة، بعدئذ كانوا يقطنون الجُرجومة على جبل اللكام، إبان الفتوح بدروا بطلب الأمان والصلح، فصالحوا حبيب بْن مسلمة الفهري عَلَى أن يكونوا أعوانا للمسلمين، وعيونا ومسالح في جبل اللكام، وأن لا يؤخذوا بالجزية وأن ينفلوا أسلاب من يقتلون من عدو المسلمين، إذا حضروا معهم حربا في مغازيهم . وعلى مقالة البلاذري (فتوح 120) : كان الجراجمة يستقيمون للولاة مرة، ويعرجون أخرى، فيكاتبون الروم، ويمالئونهم، ولاسيما أيام ابْن الزبير، وكان عبد الملك قد شدَّ عليهم فتفرقوا في قرى حمص ودمشق وأنطاكية، ثم أناخ مسلمة بْن عَبْد الملك عليهم وأمرهم أن ينزلوا بحيث أحبوا منَ الشام، ونزل بطريق الجرجومة في جماعة معه أنطاكية، ثم هرب الى بلاد الروم. (العلاقات الاسلامية المسيحية، ص170).

مثل هذه الممارسات عمليات تعريب كركوك في اواخر القرن العشرين، وبعد 2003 عمليات تكريد كركوك، وتتم هذه جميعا على حساب السكان الاصليين من التركمان والآشور كلدانيين. وكان ختامها هجرة المسلمين والمسيحيين من المشرق الإسلامي الى أوربا، إثر الصراع الطائفي وسيطرة الفصائل الأصولية المتطرفة على الأرض في العراق وسوريا، وسوء السياسة في إدارة البلاد.

هامش………………….

* الزُّطُّ، بالضَّمِّ: جِيلٌ من النَّاسِ، الجِيلُ، لَيْسَ بعَرَبِيٍّ مَحْضٍ؛ قيل: هم جِنْسٌ من السُّودانِ طِوالٌ، أو أَنَّهُم: جِيلٌ من الهِنْدَ. الزبيدي: تاج العروس 19/322.
** السَّبَابِجة: قومٌ من السِّند يُستأْجَرُون ليُقاتِلوا، فيكونون كالمُبَذْرِقة، … وكَانُوا بِالْبَصْرَةِ جَلاوِزَةً وحُرّاسَ السِّجْنِ، والهاءُ للعُجْمة والنَّسَبِ. ابن منظور: لسان العرب 2/294؛ الزبيدي: م.ن 6/ 27.

أحدث المقالات