هيئة النزاهة هي اهم دائرة في العراق لمن يريد بناء الدولة ويحرص على المال العام ويتجاوب مع الطموحات الوطنية فهي المسؤول الاول قانونيا عن محاربة الفساد المالي والاداري هذه الافة التي انهكت العراق ولكن هذه الدائرة لم تحصل لحد الان على الدعم الحقيقي من اي طرف ديني او تشريعي او تنفيذي او شعبي مثلما ان موظفيها وخاصة المعنيين بمحاربة الفساد لم يحصلوا على اي دعم من اي مسؤول في الدولة العراقية حتى من رئاسات الهيئة التي تعاقبت عليها . اضافة الى ان الغالبية العظمى من السياسيين العراقيين ، حكوميين ونواب، يعتبرونها عدوهم الاول لانها تعمل بالضد من رغباتهم في الحصول على المال بطرق غير مشروعة فهيئة النزاهة تطالب قانونيا كبار المسؤولين مدنيين وعسكريين اضافة الى مستويات وظيفية اخرى بكشف مصالحهم المالية سنويا وتتابع التغيرات الخاصلة على ممتلكاتهم وتدقق فيها وهو ما لايرضاه احد ولذلك كثيرا ما نسمع نصريحات ودعوات من هنا وهناك تطالب بالغاء هيئة النزاهة او تجميد دورها على الاقل بدلا من دعمها وتفعيلها .
علما ان الغالبية العظمى من الشعب العراقي مثل اكثر السياسيين والموظفين لايفهمون طبيعة عمل هذه الهيئة ولايهتمون لوجودها ولايبدون اي نوع من التعاون معها ولا دعمها من اجل تحقيق اهدافها في محاربة الفساد المالي والاداري والكثيرون يخلطون بين عملها وعمل القضاء .
هيئة النزاهة وعامة الشعب :
اظهرت التظاهرات الاخيرة في بغداد والمحافظات استياءا شعبيا واعلاميا وسياسيا كبيرا من اداء هيئة النزاهة وتعالت الاصوات باعادة النظر بعملها بل بكيانها ووجودها وطالبت الجماهير ووسائل الاعلام المختلفة هيئة النزاهة بكشف اسماء الفاسدين ومحاسبتهم والاعلان عن العقود الكبيرة التي يشوبها الفساد خاصة وان احصائيات عن اعضاء في مجلس النواب تشير الى وجود عدة الاف من المشاريع الوهمية اضافة ما هو واضح للعيان من تدني مستوى الخدمات وضياع مئات المليارات من الدولارات من غير ان يعرف الشعب اين صرفت او سربت او اختفت ولذلك فانهم يلقون على هيئة النزاهة مسؤولية تفشي الفساد وتمتع المسؤولين الكبار وحيتان الفساد بامول الفقراء وعامة الشعب ويحملون النزاهة فشل المشاريع الخدمية وكثرة المشاريع الورقية ويتهمونها بمحاباة الفاسدين وانحيازها الى جهات معينة .
ومن جهة اخرى فان الكثير من الموظفين المخلصين يعتبرون هيئة النزاهة معرقلا لتنفيذ المشاريع وبعبعا يخيفهم ويجعلهم يفكرون الف مرة قبل ان يقبلوا الانضمام الى لجنة او القيام باي عمل في دوائرهم ويدفعهم الى السلامة بعدم تحمل اي مسؤولية بسبب الاجراءات التي يمكن ان يتعرضون لها . ولذلك ترتفع الاصوات الجماهيرية المطالبة بالغاء هيئة النزاهة لانها تحتاج الى نزاهة تراقبها كما يقولون.
وعلى هيئة النزاهة ان تنظر الى ماكتبناه بعين المسؤولية وتبذل الجهود لتحسين صورتها امام المتظاهرين والموظفين وعموم الشعب .
هيئة النزاهة والعبادي :
اثارت تصريحات رئيس الوزراء السيد حيدر العبادي الاخيرة المعبرة عن رايه بهيئة النزاهة استغرابا كثيرا من اوساط عديدة مختلفة فقد اشار السيد العبادي الى ان الهيئة المذكورة لم تقدم للدولة ما يوازي الاموال المصروفة لها وان كثرة التخصيصات المالية لها يعد بحد ذاته فسادا وانه لايحتاج الى هذه الدائرة في هذه الحالة وكذلك تسرب الى الاعلام من قبل احد المقربين للعبادي بانه يفكر جديا بالغاء هيئة النزاهة وهذا الامر خطير جدا لانه سيترك الساحة العراقية بلا رقيب حقيقي يومي يردع الفاسدين وكذلك يؤشر خطأ في منهج التفكير لدى السيد رئيس الوزراء وحاشية المستشارين المحيطة به فاذا كانت كل دائرة لاتقدم للدولة ما يوازي الاموال التي تصرفها لها الحكومة تلغى فان على العبادي ان يلغي وزارات عديدة مثل الزراعة والصناعة والصحة والتعليم العالي والتربية والنقل وغيرها اضافة الى امانة بغداد لان هذه الوزرارت ومثلها اخرى لم تقدم للدولة مردودات مالية ولم تقدم للمواطن الخدمات المطلوبة منها بما يماثل الاموال المصروفة لها من الحكومة فهل سيقوم العبادي مثلا بالغاء وزارة الصحة لانها لم تقدم للمواطنين خدماتها بالشكل اللائق والمطلوب والموازي لما تستلمه من تخصيصات مالية حكومية وهل يلغي العبادي امانة بغداد لضعف خدماتها المقدمة الى مواطني العاصمة وهل سنشهد حكومة عراقية من دون وزارة صحة ولا تعليم عالي ولا تربية ولا نقل ولا امانة بغداد مثلا ؟! .
وهل ان العلاج هو الالغاء ام الدعم والتفعيل ؟ فعلى السيد العيادي اذا اراد بناء الدولة حقيقة ومحاربة الفساد المالي والاداري ان يدعم هيئة النزاهة ويفعل دورها باخراجها اولا من المحاصصة الحزبية واسناد المناصب المهمة فيها بمختلف المستويات الى الموظفين الكفوئين الذين لم يحصلوا في الهيئة على فرصة حقيقية لتقديم خبراتهم والمساهمة الجادة في تفعيل عمل الهيئة وانجاحها وعليه ان يشكل لجان مختصة من خارج الهيئة ومن مجلس الوزراء بالذات لمعرفة مشاكل موظفي الهيئة المتفاقمة ومعوقات عملهم وان يستمع الى مطالبهم بعيدا عن تدخل الحلقات الوسطية من المسؤولين في الهيئة .
اما التفكير بالغاء الهيئة او محاولة تجميدها فانه فرصة ذهبية لانعاش الفساد والفاسدين مع العرض بانه لاتوجد اي دائرة اخرى في العراق يمكن ان تغطي عمل هيئة النزاهة .
هيئة النزاهة والمرجعية :
توجه المرجعية الدينية باستمرار نصائحها الى المسؤولين بمحاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين وتطلب من هيئة النزاهة ومن رئيس الوزراء ان يضربا بيد من حديد كل الفاسدين مهما كانت مناصبهم ومسؤولياتهم وانتماءاتهم وتامل المرجعية من هيئة النزاهة ان تمارس دورها بكل جدية وحرص من اجل المحافظة على المال العام ولكن المرجعية لم تجد في هيئة النزاهة بمختلف مراحلها فاعلية تجعلها بمستوى طموح المرجعية والشعب ولذلك ورد في خطبة الجمعة السابقة لممثل المرجعية في كربلاء تساؤل استنكاري يؤشر عدم ثقة المرجعة بقدرة هيئة النزاهة على اداء دورها المطلوب وطنيا وقانونيا حيث تساءل السيد احمد الصافي قائلا (وهل تستطيع هيئة النزاهة ذلك ؟!) .
ونحن ندعو المرجعية ان ترفع صوتها عاليا لمطالبة السيد العبادي باخراج الهيئة من دائرة المحاصصة الحزبية والتوافقات بين الكتل البرلمانية وان يتم اسنادها مسؤولياتها ومناصبها الى شخصيات كفوءة مستقلة قادرة على اداء دورها وتفعيل هيئة النزاهة بعيدا عن تاثيرات الاحزاب وضغوطها ومساوماتها .
ويبدو ان هيئة النزاهة صارت عقدة للمرجعية وللشعب وللسيد العبادي وباقي السياسيين مثلما صار السياسيون عقدة لهيئة النزاهة .
فهل تستطيع الهيئة ان تغير واقعها وصورتها لترتقي الى مستوى المسؤولية الوطنية التاريخية ؟!