23 ديسمبر، 2024 5:45 م

لم يختر آدم (ع) الذي كُرم بعد السهو الأول أن يبني لأحلام ذريته بيتاً خارج الجنة وبدأ تواريخ معلومة لنا منذ أن بدأ آدم بخلفٍ يرثون فيه كلام الله وأرادها، سلالة تعرف نور الله ولاتعرف نكرانه.

لم يختر آدم أرض اليابان أو الفايكنغ أو جيبوتي أو سان باولو، لقد اختار ظل سدرة في جنوب العراق لتكون مهبطاً للبدء البشري، هناك في القرنة العراقية لايزال المكان يسمى (سدرة آدم ) حيث ياتيَّ الناس من كل المدن، منهم من يحمل (العِلك َ الاخضر وطاسة الحناء) ومنهم من يحمل أيقونة عيسى ليتبرك بتراب الظل ويطلب مغفرة وسلاماً وبركة او عصا موسى ليطلب معجزة أخرى تعيد صفاء مكان، وليس تراشق الدان ومآتم الجيران والخلان.

هذا المكان نحتاج الى روح الأزل التي فيه، فقط لنتذكر عنده (المحنة الحالية)، فإذا تقاتل هابيل وقابيل كفردين في وقيعة الشجار والموت الأول وعلى هذه البسيطة ذاتها،فالآن يتقاتل آلاف (القوابل والهوابل)، الفرق إن ولدي آدم تقاتلا من أجل أغنام عبرت الى زرع، الآن القتال على أمر لايفهم سوى أنه صنيعة حال جديد لوطن(تكهربت) فيه المشاعر وجاء الارهاب والدويلات وأحلام الإنسان منذ الازل، فكثُرَ القساة فيه، وولاة قطع الرؤوس، ومختالو عشاق الثورات، وصناع الاناشيد الطائفية وغير ذلك من عجائب العصور التاريخية، وغير هذا كان العراقي مبدعاً من طراز خاص، ومكرما من السماء بعناية أفضل ليأتي بزوغ المؤمنين فيه تباعا، نوح وإبراهيم وأيوب ويونس (عليهم السلام جميعا)..وكثرت فيه مراقد الأئمة وصوامع القديسين وجوامع التصوف وحدائق العشق، فكان إن ولدت حضارة الرافدين، واحدة من شواهد رقي العقل..

ولكن أين العقل الآن…وصوت الله في العراق تحول الى صوت الآه..؟

الآه التي تُقتلُ وتُهجر، الاه المصنوعة برغبة طلبان (والشقلبان) وصناع الموت والأحزان…وهناك آه غير القتل (آه الخدمات المفقودة) وآه الأمنية، وآه السحت وآه منع التجوال، وآه (الغياب المتكرر لنواب برلماننا الحلم)..

وبين نخيل العراق وعدد الآهات العراقية ضاع الحساب، وكثرت طوابير الخيار الجديد على مكاتب جوازات السفر، والحكومة تسعى (ولكن ليس كلما تتمنى الحكومات تدركه..تجري الرياح بما تشتهي المحافل الخفية)..

هذه معضلة أخرى. أن يضيع حلم ووجود وطن بين صوت الله وصوت الاه…

ضياع لم يعش العراق شبيهٌ له إلا في أيام معدودات حين عزف ابن زياد بموسيقى الذبح برقاب الحسين الشهيد وبيته الأطهار (عليهم السلام) ، وحين دخل (رأس عرفاء) هولاكو بغداد ليبيد فيها حلم حضارتها التي صنعها المنصور والمأمون وتقوى أئمة أهل البيت وفقه أبي حنيفة وأشراقات الحلاج.

وإن تكرر الحال بعد ذلك في صورة وباء طاعون او احتلال عثماني او فارسي، ولكنه كان محصوراً بفهم الحال لواقع مظلم عاشه العراق بعد أن انتفخت بطن الدولة الاسلامية ووصلت الى الصين وماعادت قادرة على حماية هذه المساحة الشاسعة من الكون ، فكثرت سكاكين الأسد حين يشيخ، وتداعت أحلام خطبة الغدير لتصير عصورا مظلمة وامبرياليات.

ولكن كما الان لم يحدث هكذا مشهد، (بصيغة الآه التي فيه وطريقة صناعتها).

وتلك مشهدية جديدة لتأريخ لم ينبئ بشكله أحد، ولم أر أحداً من الذين يلبسون ربطة عنق مخططة او بدون ربطة يحلل مايجري بصورة مقنعة تجعلنا نستقر على حال واحدة (هل ضاع الوطن ام ثمة امل وبقية باقية من ماء تنسينا ظمأ أبي الفضل العباس ولوعة الصلب بجسد الحلاج وتجفف دمعة السياب وهو يرى أبناء المونيكات يسلبون محلات الصيرفة دون رادع )

وبين التحليل والزبيل ضاع المسواق، وتألم العراق… والحل.؟

لاشيء سوى صلاة جماعية. واللوذ بدمعة طفل..

هذان الهاجسان. كما اعتقده ويعتقده الظلُ الذي هو الآن تحت سدرة آدم (ع) كفيلٌ بحل المعضلة.

إذن فليصلِّ العراق كله ولتسعَ الحكومة لتوزيع دموع اطفاله ببطاقة التموين !