23 ديسمبر، 2024 6:46 م

مطالب المتظاهرين لم تنصف النازحين كما فعلتها التغطية الاعلامية

مطالب المتظاهرين لم تنصف النازحين كما فعلتها التغطية الاعلامية

ان النزوح وما رافقه من سيطرة الارهاب على مناطق النازحين كان له آثار اقتصادية وخيمة على النازحين ومن يلتقي بالنازحين ويستمع قصص نزوحهم، لا شك انه سيصاب بالذهول؛ لعظيم معاناتهم ومأساتهم، ومع ظهور حالات الخطف للنازحين وطلب الفدية ومع انتشار الجثث المجهولة.
بعد أن فرّوا من سيف داعش، وغدر المليشليات، والبراميل المتفجرة، وقنابر الهاونات، وقذائف الدبابات، وصواريخ الراجمات وغيرها، وتركوا مناطقهم وديارهم قهرا حين تحولت إلى ساحة تدور فيها رحى المعارك والصراعات التي أُقحِم فيها العراق بسبب السياسات الطائفية المتحكمة فيه، وتنفيذا لإرادة المحتل ودول اقليمية، فبعد كل هذا نزح الملايين من العراقيين إلى مناطق أخرى علَّهم يجدون ملجأً ومأوى، فكان شرط الكفيل والكفلاء لهم بالمرصاد، فمن توفر عنده هذا الشرط وهم قِلَّة، كانت تنتظره المليشيات بالقتل والخطف والتعذيب والابتزاز والإذلال، وأما الغالبية العظمى لجئوا إلى العراء فكانوا على موعد مع البرد القارس شتاءً، والحر القاسي صيفا.
  عشرات النازحين قضوا نحبهم، لكن هذه المرة بسبب حرارة الصيف، ومن الطبيعي جدا أن تمر هذه المأساة كسابقاتها دون أن يتحرك ضمير الرموز الدينية والسياسية الانتهازية ومن يدور في فلكها وعالمها الذي مات فيه الضمير والإحساس والشعور، لأن القلوب اشد قسوة من الحجارة.
تحولت التظاهرات التي شهدتها بغداد وعدد من المحافظات من المطالبة بالكهرباء والخدمات البلدية الى قضايا أوسع تتعلق بالإصلاح السياسي والدعوة الى محاكمة المسؤولين والوزراء والقادة السياسيين المتهمين بالفساد والاختلاسات، واصلاح القضاء.
أما إذا تجاوزنا ذلك فإن الوضع العراقي عامة والذي أنتجته العملية السياسية والأداء المخجل للحكومات المتعاقبة لا يدعو إلى الاحتجاج فقط، وإنما يدعو إلى ثورة عامة وشاملة تعالج المشكلة من أساسها وتقتلع جذور الفساد والإفساد، ونحن لا نريد ان تكون مشاركة المسؤول السياسي بموكب من المواكب الحسينية كفيلة بأن تستر كل عيوبه، وأن تغطي كل سرقاته ولو بلغت الملايين أو المليارات.
ولولا التخندق الطائفي والانقسام المجتمعي الحاد لكان الأولى بهذه المحافظات أن تنتفض مع الحراك الأول الذي شهدته المحافظات السنّية، ولتمكن العراقيون أن يؤسسوا لمرحلة جديدة وأن يبنوا دولتهم مثل بقية العالم وأن يتجنبوا مخاطر التشظي والتقسيم والانزلاق نحو المصير المجهول.
التغطيات الإعلامية لم تنصف النازحين أيضا:
لجأت التغطية الإعلامية منذ ان حصلت عملية النزوح، على التركيز على وجود تهديدات إرهابية بسبب النزوح، أكثر من أوضاع النازحين، وتعاملت وسائل إعلام تمولها جهات سياسية مع حركة النزوح بازدواجية في المعايير، بسبب مواقف مضادة استباقية، وقادت تغطيات تحريضية لعملية النزوح إلى خلق رأي عام مضاد ضد النازحين الذي لجأوا إلى بغداد، ما وضع المئات منهم تحت الخطر، واستقت الكثير من وسائل الاعلام معلوماتها الامنية التي رافقت عملية النزوح ومنها قضية تسرب الارهابيين من مصادر سياسية او اعضاء حكومات محلية.
 ونقلت اغلب الوسائل الاعلامية عند محاولة نازحي الانبار الدخول الى بغداد وجهة نظر واحدة اتجاه قضيتهم تتعلق بالمخاوف من تهديد بغداد، وغابت إلى حد ما معاناتهم الإنسانية.
وقدمت التغطية صياغة اعلامية تتضمن لغة تحريضية منها؛ نشر المركز الخبري لشبكة الاعلام العراقي خبرا بتاريخ 5 ايار الحالي عنوانه “القبض على عشرة ارهابيين تسللوا بعجلات مفخخة عبر نازحي الانبار”.
ونقلت بعض وسائل الإعلام معلومات غير واضحة وتشوبها الغموض والتضليل عن عدد الارهابيين الذين تم اللقاء القبض عليهم. ونشرت وكالة “شفق نيوز” خبراً عن اعتقال “عشرات الارهابيين من بين نازحي الانبار” بتاريخ 18 نيسان الماضي، وكذلك، نشرت وسائل إعلام أخباراً عن اعتقال اعداد كبيرة من النازحين، ونشرت وكالة اليوم الثامن بتاريخ 19 نيسان الماضي خبرا بعنوان “المطلبي: اعتقال عشرات الارهابيين المتخفين بين نازحي “الانبار” وبغداديون يتخوفون من عواقب دخولهم”) وتم نقل هذا التصريح في عددا اخر من الوكالات.
وركزت بعض وسائل الإعلام غير المهنية على اعتقال عدد من “الإرهابيين” متنكرين بأزياء نسائية، وعرضت بعض الوكالات مثل “براثا نيوز” صورا لأشخاص يرتدون ازياء نسائية بتاريخ 19 نيسان الماضي من دون تأكيد مصدر الصورة وهوية الأشخاص.
ولم يقتصر نشر الأخبار عن تسلل عناصر داعش مع النازحين على وسائل الإعلام العراقية فقط، فقد نشرت بعض الوسائل الإعلامية العربية اخباراً مماثلة، كما في قناة “العربية” و”إيلاف”، ونشرت “العربية” خبرا في يوم 6 نيسان (ابريل) بعنوان “دواعش وسيارات مفخخة تسللوا مع النازحين الى بغداد”.
ولم تبادر الحكومة العراقية الى اتخاذ اجراءات تثقيفية لتخفيف الاحتقان الاجتماعي الذي صاحب موجة النزوح، وساهم صمتها بالسماح بنشر المزيد من الاخبار التي تربط الهجمات الامنية في بغداد بالنازحين، ووصل الامر الى ان تتهم جهات حكومية معنية بملف الخدمات وليس لها علاقة بالملف الأمني، النازحين بأنهم وراء التوتر الأمني الذي تشهده بغداد ومنهم امينة بغداد التي اتهمت النازحين بانهم وراء التفجيرات الحاصلة في بغداد.
فهل يعقل ان لا يثور الشعب على دماءه التي تسال هنا وهناك منذ الالفين وثلاثة وينتفض من اجل قطرات العرق التي يصبها صيفا وهي موجودة منذ 13 سنة؟ وهل يعقل ان ينتفض لعرق الشيوخ والنساء والاطفال ولا ينتفض لقطرات دم الشيوخ والنساء والأطفال من النازحين في العراء صيفا وشتاءا؟ هل يعقل ان يثور الشعب على ضعف في الخدمات ولا يثور على سقوط أكثر من ألف برميل متفجرات على أبناء شعبه كونهم من غير طائفته؟ أيعقل ان ينتفض على الفساد ولا ينتفض الى نزوج الملايين من مناطقهم وتشريدهم لكونهم من غير طائفته؟ ايعقل لشعب ينتفض الى نقص في الماء والكهرباء ولا ينتفض لأبناء جلدته الذين بقوا يتظاهرون لأكثر من عام وليس هناك من مجيب، لان المتظاهرين تم وضعهم تحت مسميات عديدة لكنها تأخذ عنوان طائفي بحت؟ أيعقل شعب يثور ضد الفساد ولا يثور ضد اغتصاب نساء عراقيات مسلمات في السجون وأيضا تحت عناوين طائفية؟ ايعقل شعب لا يهب، على بكرة أبيه، ضد جرائم الحرق والتهجير والقمع والنهب والاغتصاب التي ارتكبتها المليشيات، ويثور لأجل نقص في الماء او الكهرباء او الدواء؟ ويتغافل عودة النازحين في مطالبهم.
أيعقل شعب يثور لضعف الخدمات ولا يثور ضد التدخلات الاقليمية والدولية في شئونه، والتي خلقت روح الكراهية بين شرائح المجتمع الواحد؟
ان الشعوب تثور لأجل دمائها وشرفها لا على عَرقَها؛ واي شعب لا يثور لهذه الاشياء ويثور من اجل عرقه يكون بحاجة ملحة لتأهيل نفسي وانساني لتجعل منه مواطن يحترم ذاته ودماؤه ومواطنته.
ولا اعرف كيف تغافل المتظاهرين ماسي أكثر من ثلاثة ملايين نازح، فهل يستطيع أحد أن يتصور نفسه وعائلته في خيمة وفي ذلك العراء وتحت حرارة الصيف المحرقة والبرد القارص، وهو ينظر إلى طفله يتلوى ويصرخ ويبكي من الحر؟
كل الأطراف السياسية الآن مشتركة بتعقيد مسألة النازحين، بسبب التعامل معها بشكل طائفي ومذهبي، ذاتها تتعمد إبقاء معاناة النازحين مستمرة من أجل الاستفادة منها من خلال اختلاس وسرقة الأموال المخصصة لهم.
ان الحكومة ومعها غالبية السياسيين ونواب البرلمان وبعض القادة الدينيين (شيعة وسنة)، جثموا على صدورنا وقسموا ثروات البلد فيما بينهم واتو بوزراء فاسدين ممن يزكون ويخمسون ويصلون على النبي(ص) أمام الناس ويقومون الليل والنهار ويسرقون المليارات ويهربون العملات ويشترون القصور خارج العراق، انهم فشلوا في تعديل الحكومة، وتهذيب سلوكها، وإثبات أمانتها ووطنيتها، ويتحملون كامل المسؤولية عن العملية السياسية الفاسدة كلها.