وأخيرا اكتشفنا سر عقم العلاقة بين السفارة في باريس والجالية العراقية, فمن بين أهم مؤشرات تقييم نتاج أي سفارة هي علاقتها بالجالية وما تقدمه من خدمات لربطها مع الداخل في وقت أصبح من الصعب على الكثير منهم،بل من المستحيل زيارة العراق خصوصا في المناطق التي سيطرت عليها داعش،ناهيك عن الوضع الأمني المتردي والهش في المدن الأخرى , ولا يعني ذلك الخدمات القنصلية التقليدية التي تقدمها أي سفارة لجاليتها، بل يتعدى ذلك الى الاهتمام بالجوانب الاخرى التي تهم الجالية كدعم أبناء الجالية العراقية معنويا وخصوصا المتميزين كالفنانين والمفكرين وأصحاب الشهادات العليا والعلماء وغيرهم خصوصا في بلد مثل فرنسا, حيث تعيش فيها جالية ليست بالكبيرة اذا ما قورنت بباقي دول اوربا او الولايات المتحدة الأمريكية لأنها جالية نوعية فهي تضم في ثناياها شخصيات حجزت لها مكانا متقدما وفي الصفوف الاولى من بين مثقفي العالم ومفكريهم.
بعد هذه المقدمة اخترت في هذا المقال خمس نقاط لتقييم عمل السفارة بمقابل هذه الجالية المحترمة
أولا….علاقة السفارة بالجالية بشكل عام
لم تكن هناك علاقة مميزة على مدى السنوات الاربع الماضية بل ولا حتى ضمن ابسط المواصفات بين السفارة وأفراد الجالية العراقية ولا يعني ذلك الخدمات القنصلية الاعتيادية كما أسلفت في المقدمة أو دعوات رمضان لإفطار بعض أفرادها من المسلمين مؤشرا على تقييم تلك العلاقة، فمنذ تسلم الطاقم الدبلوماسي مهام عمله عام 2011، بدأت العلاقة بالتدهور بين السفارة والجالية، وبعد استمرار هذا التدهور لأكثر من عام ونصف، دعت مجموعة من منظمات المجتمع المدني الى لقاء في شهر اكتوبر 2012 للتداول ووضع مقترحات لتطوير العلاقة، وتم تقديمها الى السفير العراقي، ووعد بتبنيها وزاد فقرات جديدة عليها ولكنه للأسف لم يفي بوعده.كذلك ان عدد من منظمات المجتمع المدني العراقية العاملة في فرنسا قد قاطعت أكثر من مناسبة نظمتها السفارة، وذلك بتوزيع بيانات لمقاطعة تلك الدعوات كما حدث في عام 2013 وعام 2014، كما تجدر الإشارة الى ان عدد اللذين لبوا دعوات السفارة لا يذكر بالمقارنة مع المئات اللذين كانوا يلبوا دعوات السفارة في فترة السفير السابق، وهذا دليل واضح على فتور العلاقة مع السفارة، فضلا عن مبادرات السفير السابق المستمرة بالتواصل مع الجالية في اغلب مناسباتهم الاجتماعية والتي انعدمت تماماً في ظل السفير الحالي.كما ان السفارة التجأت الى التعتيم على الكثير من الزيارات لكبار المسئولين لعزل المواطن المغترب عن المسئول خوفا من الانتقاد الذي قد يتعرض له السفير وبعض موظفيه امام المسئولين عند زيارتهم لفرنسا ومن طرح مشاكل المواطن امام المسؤولين، خصوصاً ان بعض تلك المشاكل مع السفارة اصلاً او مع دوائر الدولة العراقية التي عجز عن حلها المواطن داخل العراق والتي من السهل جدا ان يحلها المسئول خلال وجوده في فرنسا بعيدا عن الروتين والبيروقراطية والأبواب المغلقة وحتى لو طلب المسئول اللقاء بالجالية فالسفارة تقوم بدعوة منتسبيها للحضور مع بعض الوجوه المعتادة التي تدعى في كل مناسبة لحضور لقاءات الجالية
ثانيا….العلاقة مع المثقفين ومنظمات المجتمع المدني
لم يحضر السفير شخصيا مناسبة واحدة من المناسبات الثقافية التي تقيمها الجالية طيلة الاربع سنوات المنصرمة وإن اراد ومن باب ذر الرماد في العيون أن يظهر للبعض اهتمامه بمناسبات الجالية فإنه يرسل احد موظفي السفارة ليحضر لدقائق ويترك المناسبة بالحجة المعهودة ((لدي وفد قادم من بغداد وعلي الذهاب ,,,,,,,,,,,,,,)) ؟؟ وبالمقابل تجد السفير أول الحاضرين في ندوات جاليات اخرى على سبيل المثال لا الحصر (ندوة الطيب صالح في معهد العالم العربي وأمسية فلسطين التي احياها ممثل الارجنتين لدى اليونسكو) مقابل عشرات الندوات العراقية التي تقيمها الجالية العراقية كذلك عدم الاهتمام بالنخب العراقية من فنانين ورسامين ومفكرين وأدباء وكتاب وغيرهم رغم اهتمام الجهات الثقافية الفرنسية والعربية بهذه النخب من حفلات التكريم وتوقيع الكتب والمعارض الفنية وغيرها.(وللحقيقة ماعدا دعوة السفارة للاحتفاء بالفنان والكاتب الراحل محمد سعيد الصكار الذي نظمه معهد العالم العربي اصلاً وليست السفارة).
ثالثا….الموقف من النساء
تذبذب العلاقة الواضح من سفير إلى آخر بهذا الجانب المهم ومع هذه الفئة المهمة من الجالية العراقية والتي تحظى في فرنسا بمكانة مرموقة لوجود الكثير من الفنانات والناشطات والمفكرات والأديبات العراقيات اللائي اثبتن وجودهن في هذا البلد وكن نجمات لامعات غطت اسمائهن على الكثير، على سبيل المثال السيدة شهرزاد حسن والسيدة إنعام كجه جي وغيرهن. وبغض النظر عن موقف السفير السلبي تجاه المرأة عموما، فان الأمر لا يمنع من تكليف إحدى الدبلوماسيات بالتعامل والاهتمام بهذا الجانب. لذلك كان للنساء نفس الحظ في التهميش وعدم الاهتمام منذ وصول السفير الحالي. حتى أنهن لم يحصلن على باقة ورد في يوم المرأة العراقية أو اليوم العالمي في الثامن من آذار حالهن حال نساء العالم الأخريات لأن السفير وعلى لسانه يعتبر المرأة مشكلة وأن أحد أسباب تأخر العملية السياسية في العراق دخول المرأة معترك السياسة والبرلمان، ربما له الحق بان يرى ويعتقد ما يريد ولكن التصريح بذلك امام الاوساط النسائية تنقصه الكياسة والدبلوماسية؟؟؟؟؟ في حين ان السفير السابق لم يترك مناسبة إلا أحياها، فلم ينس تكريم المرآة في يومها، حتى انه قدم الهدايا لجميع الموظفات العاملات في السفارة، بما فيهن العاملات في سكنة الخاص.
رابعاالطلبة والمبتعثين
على مدى السنوات الاربع التي مثل فيها السفير الحالي العراق في فرنسا وصل مئات الطلبة العراقيين لدراسة الدكتوراه والماجستير في مختلف الاختصاصات في الجامعات الفرنسية وبسبب صعوبة اللغة وصعوبة الحياة في فرنسا وتعقيد القبول لم يتدخل السفير ولا مرة واحدة ولم يحرك ساكنا بل لم يلتقي حتى بالطلبة الا مرة واحدة عندما اعتصم الطلبة امام ابواب السفارة مما اضطره للقائهم. ولم تقدم السفارة أي تسهيلات للطلبة عند وصولهم الى فرنسا، علما بان سفارات دول اخرى تدخلت لحل مشاكل طلبتها كالعربية السعودية والأمارات والكويت وغيرها وقدمت لطلبتها كافة وسائل الراحة ومنذ اليوم
الاول لوصولهم المطار وحتى اكمال دراستهم، علما بان لديهم ملحقيات ثقافية للطلبة اهم واكبر بكثير من الملحقية الثقافية العراقية. في الوقت الذي تهمل السفارة العراقية طلبتها ويقوم الملحق الثقافي السابق وبسابقة خطيرة، الهدف منها إعاقة العملية العلمية في العراق ضمن أجندة التخريب المنظمة بمحاربة الطلبة وإعادة العشرات منهم وحرمانهم من الدراسة بحجة فشلهم في اللغة وعدم حصول قسم منهم على قبول جامعي. ولو افترضنا أن هنالك عدد من الطلبة واجه صعوبات فهل يعاد العشرات ويحرموا من دراستهم ؟؟؟؟ كان على السفير التدخل بشدة بإعلام الحكومة العراقية ومنع هذا المشروع الخبيث كونه يمثل رئيس الجمهورية وكان عليه أن يضغط بكل ما أوتي من قوة وإمكانية دبلوماسية على وزارة التعليم الفرنسية كما فعل سفراء دول اخرى لدعم طلبتهم في الحصول على القبول الجامعي ولتمديد فترة الدراسة لبعض الاختصاصات والتي حرموا منها وهددوا بإعادتهم وإلغاء دراستهم ؟؟؟
خامساالجانب الإعلامي
لكل سفارة من سفارات دول العالم بما فيها دول العالم الصغيرة أجندة إعلامية تعكس واقع البلد، فكيف ببلد مثل العراق؟ وكيف بسفارة عراقية في فرنسا، العضو الدائم في مجلس الامن الدولي؟ سفارة عليها أن تظهر الوجه اللائق لبلد مثل العراق بحضاراته وثقافاته وتنوعه الاثني والديني وغيرها وذلك عبر الندوات واللقاءات والأمسيات بيد أن السفارة لديها موقع الكتروني مخجل. وعند سؤال السفير شخصيا قبل أربع سنوات من قبل الكثير من ابناء الجالية أي عند وصوله وتسنمه مهام عمله، صرح قائلا انا أعمل على تأسيس موقع الكتروني مميز للسفارة يليق بمكانتها واكد بعد مرور سنتين في اجتماع المفتش العام للوزارة بشهر حزيران 2013 بانه سيكمل هذا الموقع قريباً وعلى ما يبدو ان هذا المشروع العملاق يحتاج لمعجزة لأنه لم ينجز حتى اللحظة؟؟؟؟ لم تقم السفارة ولا أمسية ولا ندوة ولا حتى لقاء ثقافي واحد طيلة السنوات الاربع المنصرمة في ظل إدارة هذا السفير، ولكيلا نبخس الناس أشيائهم فقد أقيمت ندوتان في مقر السفارة نظمها أحد ناشطي المجتمع المدني من أبناء الجالية العراقية بعد أن عانى الأمرين من كثرة تأجيلات الموضوع ووضعه في مواقف محرجة امام المستضافين في الندوة وفي ظل أجواء فوضوية أعاقت إحدى تلك الندوتين من قبل بعض العاملين في السفارة ؟؟؟؟
في الختام، أود أن أوضح بأن نظام التقييم هو نظام عالمي متبع في جميع الدول المتقدمة وهو أساس نجاح أي عمل خصوصا عند الوقوف على مكامن الخطـأ لتجاوزها مستقبلا وأن الموضوع ليس شخصيا الغاية منه المساس بشخص السفير. وتجدر الإشارة، بان الجالية تعرضت للشتم والسب قبل أكثر من سنتين من أحد الدبلوماسيين العاملين في السفارة وتغاضي السفير عن الموضوع رغم المبادرات التي طرحت للتحقيق في الموضوع والشكاوى التي رفعت للوزارة بهذا الخصوص لكنها جميعها أهملت، بل رفعت دعوى قضائية من قبل موظفة دبلوماسية أمام المحاكم الفرنسية ضد أحد أبناء الجالية , وهي سابقة خطيرة في العرف الدبلوماسي !!!وبعد فشل جميع الوساطات والتدخلات لحل الموضوع بطريقة ودية على مدى السنتين الماضيتين اضطرت الجالية إلى الإعداد للتظاهر يوم 8 أيلول 2015 امام السفارة العراقية في باريس للتعبير عن احتجاجهم على الممارسات التعسفية من قبل السفارة واهمال الموضوع من قبل وزارة الخارجية العراقية.