عندما تسلم السيد حيدر العبادي رئاسة الوزراء قبل حوالي السنة ، استبشر العراقيون خيرا ، بعد ان تخلصوا من طغيان المالكي اولا ، وللصفات الشخصية التي يتمتع بها العبادي ثانيا ، فالرجل يحمل شهادة عليا ( دكتوراه هندسة الكترونية من جامعة مانشستر البريطانية ) و والده كان مدير لواحدة من مستشفيات بغداد ، و هو قد عاش سنوات طويلة ( ٣٠ سنة تقريبا ) في بريطانيا ، و لا بد ان يكون قد دخل عقله شيء من الديمقراطية الغربية الراقية ، و انسان بهذه المواصفات الايجابية لابد ان يتوقع منه الناس خيرٱ و سلوكا حضاريا ينسجم و بيئته و تاريخه … لكن ، من ناحية اخرى ، هذا التاريخ فيه حقبة سياسية طويلة بدايتها كانت عندما انخرط حيدر العبادي في حزب الدعوة و عمره ١٥ عاما و كان ذلك في العام ١٩٦٧ ، و من نافلة القول ان اي انسان ينتمي الى حزب ، اي حزب ، فهو ملزم بالسير و التصرف وفق تعليمات حزبه ، و تبقى له حرية الخروج من الحزب ان وجد ان هذا الحزب لا يلبي طموحه السياسي و ما يصبوا اليه من اهداف ، و بما ان السيد العبادي لم يخرج من حزب الدعوة يوما ، فهذا يعني انه موافق على سياسة هذا الحزب و ما تم اتخاذه من سياسة و ممارسات لا وطنية و لا اسلامية و لا اخلاقية طيلة فترة تسلمه الحكم بعد الاحتلال الامريكي … و ربما هذا يلقي الضوء على التناقض و التقاطع بين مؤهلات العبادي الشخصية اللامعة و بين بقائه داخل حزب الدعوة الذي قضى على كل شيء جميل في العراق و اختلس ثروته الطائلة و سلم ثلث اراضيه الى حفنة من المجرمين الدواعش و الى ما شابه ذلك من فواجع حلت بالعراقيين و لا تزال حتى الساعة .
السيد حيدر العبادي استلم رئاسة الوزراء من خلفه المالكي ، و تنفس الناس الصعداء ، لانهم تخلصوا من طاغية كان مصرا على ولاية ثالثة و ربما ابدية ، و توقع الناس ان عهدا جديدا سيبدأ ، و ان مشاكل كبيرة سوف يتم حلها وان التغيير قد حصل … و مما ساعد على هذا التفاؤل خطابات و تصريحات العبادي اول ايام استلامه المنصب التي دغدغ بها مشاعر العراقيين التواقين الى التغيير الحقيقي … فتكلم عن اموال الفساد و لمح الى امكانية استعادتها … و تكلم عن الفضائيين في الجيش … و شرب الشاي بوجه بشوش مبتسم مع اهل الاعظمية الذين احسنوا استقباله … متوقعين زمنا جديدا لا طائفية فيه … و مرت الايام و الاسابيع و الاشهر و اكتشف الناس ان العبادي قد مارس طرقا خفيفا على ابواب الفساد و المشاكل و الازمات دون ان يفتح اي باب منها ، و انه لم يكن سوى بياع كلام .
السيد العبادي غالبا ما تتخلل خطاباته مفردة او كلمة ( بصراحة ) والذي يتكلم بصراحة يفترض ان يكون صادقا و يكشف ماهو مستور من خلل و عيوب و سلب ونهب ، و لا يخشى في ذلك لومة لائم ، فهل هناك توافق و انسجام بين ما يصرح به العبادي و بين ما يفعله على الارض ، لا يوجد فرق ( حتى و لو قليل ) بين ما كان يفعله المالكي و ما يفعله العبادي ، الشخص تغير لكن المنهج لم يتغير ، و الادلة على ذلك كثيرة … منها مثلا .. القصف العشوائي على اهل الفلوجة لا يزال مستمرا يحصد الابرياء … منع اهالي الرمادي من دخول بغداد تحت ذريعة الوضع الامني و تركهم دون اي خجل او مبالات تحت الشمس الحارقة … منع اهالي المحافظات المحتلة من قبل داعش من شراء عقارات في بغداد و كأن هؤلاء ليسوا عراقيين بل غرباء قدموا من النمسا او الصين … قطع او محاولة قطع رواتب موظفي الموصل و الانبار وكأنهم هم من ادخل داعش و ليس المالكي … و كأن هناك تصميم و قرار بقتل السنة مرتين … مرة بتركهم وحيدين في مواجهة داعش … و مرة اخرى بقصفهم و منعهم من دخول بغداد … هذه الاجراءات اسقطت القناع و كشفت عن وجه العبادي الطائفي .
من جانب آخر ، الوضع الامني في بغداد لا يزال مترديا … و التفجيرات التي تحصد ارواح الابرياء لا تزال مستمرة … و القتل و الخطف من قبل العصابات لم يتوقف … و المليشيات لا تزال تسرح و تمرح في العراق و تفعل ما تشاء و تحت سمع و بصر القوات الامنية … و هناك فلتان في كل شيء … و العبادي يعرف كل ذلك … و يشاهد كل ذلك … و يسمع كل ذلك … لكنه لا يحرك ساكن … و الادهى و الاغرب من ذلك ان يطلق تصريحات عجيبة غريبة كأن يقول انه لا يدري من الذي اصدر امر الانسحاب من الرمادي … القائد العام للقوات المسلحة لا يعرف من الذي أمر الجيش بالانسحاب من الرمادي … من الذي يعرف اذن ؟
و قراره الاخير باحالة من تسبب بسقوط الرمادي الى التحقيق شبيه بلجان تحقيق المالكي التي يطويها النسيان لاحقا .
اما عن موقفه من ثورة الشعب فقد إتخذ بعض الإجراءات … لكنها كانت كمن يهز اغصانا فاسدة دون أن يقطعها … فكانت قراراته احكام مع وقف التنفيذ … فالمالكي لايزال يتباهى باسمه مسبوقٱ بعبارة ( نائب رئيس الجمهورية ) على قناته الطائفية البغيضة ( نفاق ) … مما يدلل على كارتونية قرارات العبادي … الشعب لا يمكن ان يلعن و يشتم مسؤولا صان كرامته و حافظ على ثروته و منع الاعداء من تدنيس ارضه … بل سيضع صورة هذا المسؤول داخل بيته حباً و احتراماً له … وما ترونه الآن بِام أعينكم ان صوركم و شخوصكم تضرب بالأحذية … وهذا ما جلبتموه لانفسكم … و هو قليل بحقكم … بعد ان دمرتم الزرع و الضرع .
الكثيرون من العراقيين يطالبون العبادي بالخروج من حزب الدعوة كي يتخلص من سطوة الحزب عليه … و رغم أهمية هذا المطلب و ضرورته … إلا أنه لن يكون كافيا … إذ ما الضمان ان العبادي لا ينفذ سياسة الحزب و هو خارجه … و ربما يستغل حزب الدعوة هذا المطلب لصالحه … فيكون لعبة جديدة خبيثة من الاعيب الحزب … خروج فلان من هذا الحزب و دخول علان الى غيره لن يغير من الواقع شيء … ما يغير هو ما يحصل على الارض من تغيير … و لا ننىىى أن العبادي كان رئيس اللجنة المالية البرلمانية لسنوات طويلة في عهد المالكي … و هذا يعني انه يعرف البير و غطاه … و هو يعرف اكثر من غيره اين تسربت المليارات و من الذي سرقها … و سكوته عن ذلك لا يعفيه من المسؤولية … و لن ننسى ما فعله عند فرز اصوات انتخابات. ٢٠١٠ … عندما دخل قاعات فرز الاصوات بدون أي مسوغ قانوني … و كل هذا و غيره الكثير وضعه العراقيون جانبا … و قالوا للعبادي هذه سفينة العراق تحت إمرتك و بيدك الدفة و انت الربان … فسر بها الى بر الأمان … و إن كنت عاجزا عن ذلك لأي سبب من الاسباب … فيمكنك الانسحاب و العودة الى عاصمة الضباب لندن … فذلك أفضل لك كثيرا … و الشعب العراقي و بثورته التي لن تتوقف إن شاء الله … لن يكون عاجزا عن تصحيح المسار و ايجاد من يقوده الى بر السلامة .