أولُ الغيثِ قَطْرَةُ مَاءْ … وأولُ الحَربِ قَطْرَةُ دم
رابعاً : الموصل تُفاوض الأحزاب الكُردية :
ما أن تهاوى العراق بعد أن نخر الحصار الذي دام قرابة عقدٍ ونيف بجسده الذي أثقلته الحروب وطعنات الإخوة الأعداء الغادرة وتآمر عليهِ القاصي والداني ناهيك عن الغيلان التي كشرت عن أنيابها من كُل حدبٍ وصوب حتى كان لإرتطام العراق صوتٌ مدوٍ ملئ الآفاق ليكون الحال كما السُبعُ الذي كَثُرت سكاكينه واستأسدت عليه الثعالب والضباع ….
1 . إستباحة الموصل الحدباء :
يُعد وصول القطعات الأميركية إلى ساحة الفردوس في قلب بغداد وإسقاطها لتمثال الرئيس الأسبق (صدام حسين) بتأريخ 9 نيسان 2003 إيذان بنهاية حُكم البعث وبداية عهدٍ جديد … كانت محافظة نينوى بحالة ترقب وجل عما سيئول إليه الحال وما سيتأتى عن الأمر من تداعيات تطال البشر والحجر والخشية من حربٍ لا تُبقي ولا تذر خاصةً بعد إنسحاب قطعات الجيش من وحدات الفيلق الخامس المكلف بحماية نينوى حتى خلصت الآراء إلى التفاوض لتبدأ جولة من المفاوضات بين شيوخ ووجهاء الموصل مع الأحزاب الكردية لدخول القطعات الأميركية بحماية البيشمركة تجنباً للمزيد من الخسائر والدمار والقتل شريطة المحافظة على أرواح المواطنين والبُنى التحتية لنينوى ….
لكن الذي حصل بعد هذا الإتفاق هو تعرض مدينة الموصل لإجتياح على شكل موجات من الأكراد بأعلامهم الصفراء والخضراء وسط إطلاق نارٍ يشتدُ حيناً ويهدأ حيناً آخر بدأت هذه الموجات بعد منتصف الليل ، لازم الموصليون بيوتهم خشية زخات الرصاص الطائش مكتفين بمراقبة الأوضاع من سطوح المنازل بقلوب فزعةٍ وجلة بإنتظار أن تنقشع عتمة الليل ويشعشع الفجر ومع أولى خيوط الضياء الأول غصت شوارع وأرصفة أحياء المدينة بالموصليين الذين تسمع أزيزاً لزفراتِ أنفاسهم الحانقة وأصواتٍ ودعواتٍ تتعالى مابين محتسبٍ ومحوقلٍ وشاكي إلى الله وهم يرون بأم أعينهم كيف تُسرق الشفلات والعجلات الحكومية وليت الأمر إنتهى هنا بل لم يبقى مصرفٌ أو بنك بما فيها البنك المركزي العراقي / فرع نينوى وكل مصارف الرشيد والرافدين بكافة فروعها ومن الإنصاف أن نذكر أن الكثير من شباب الموصل وربما شيبها سال لعابهم للأسف وشاركوا في السطو والسرقة بحيث لم تسلم حتى المستشفيات والمراكز الصحية من السلب والنهب بل وصل الأمر أن يطرح المريضُ أرضاً ويسرق السرير الذي كان يرقد عليه المريض وياله من موقفٍ مضحكٍ مُبكٍ ويالها من مفارقات لن يمحوها التقادم من الذاكرة الموصلية فمن بين من وفد مع هجمة السلب والنهب الشرسة وباشر بإقتحام البنوك والمصارف ممن ردد القسم لاحقاً بصفته ممثلاً عن الشعب العراقي في قبة البرلمان العراقي(وللأمانة من الشخصيات العربية) ويقيناً أن أهل الموصل يستذكرون بإستهجانٍ هاتيك الأيام حتى وصل الحال بأساتذة جامعة الموصل وبشكلٍ خاص ذوي التخصصات الكيميائية جُن جنونهم محذرين من مغبة إستخدام الكثير من المواد التي تمت سرقتها من كليات جامعة الموصل بأنها سامة قاتلة وذات تأثير لا يعلمه إلاّ الله فوزعت المنشورات التفصيلية المحذرة وإتخذ علماء الموصل موقفاً بعد أن وعضوا بضرورة إعادة المال وكل شيءٍ مسلوب وفتحوا أبواب الجوامع والمساجد لإستقبال ما يتم إعادته بغية إيصاله إلى جهةِ أو دائرة الإختصاص …
2 . الموصل تحت نير الإحتلالين :
لا زالت مرارة وسوداوية مشهد دخول الأمريكان الوافدين من أربيل مروراً بالخازر ثم برطلة فكوكجلي وصولاً إلى أحياء شرق الموصل حي القدس وحي الخضراء حيث الطريق الدولي الرابط بين الموصل وأربيل تُقِل المحتلين الأمريكان عجلات مدنية نوع (كوستر 18 راكب) تسبقهم عجلات البيشمركة المدججين بالسلاح في بداية الرتل ونهايته وما أن ولجت هذه الكوسترات حتى بدأ الجنود الأمريكان يُلوحون بأيديهم للأهالي الذين إنتشروا يمين وشمال الطريق العام دون أن ينبس الأهالي ببنت شفة أو أي حركةٍ وكأن الطير على رؤوسهم …. هكذا كان دخول قطعات الإحتلالين ، وعلى الفور تم الإستيلاء على كل الدوائر والمؤسسات الرسمية وشبه الرسمية بما فيها مقرات الحزب ليتم تقاسم كل ذلك بين الحزبين الكرديين (البارتي واليكتي) أما الأمريكان فقد إتخذوا معسكر الغزلاني بما في ذلك مطار الموصل المدني مقراً رئيسياً لهم ، لتبدأ بعدها حملة مداهمات على بيوت ضباط الموصل ومدراء الدوائر المدنية والإستيلاء على كافة العجلات العسكرية والحكومية التابعة لدوائر ومؤسسات الدولة العراقية قبل 2003 بل تعدى الأمر ذلك حيث لم تسلم حتى العجلات المدنية الخاصة للمواطنين علماً أنه يتم منح الدليل أو بتعبير أدق (الذليل) الذي يأتي بمفارز الأحزاب الكردية مبلغ (100$) مقابل كُل سيارة يتم الإستيلاء عليها ونقلها إلى كُردستان أعقب ذلك حملة إعتقالات طالت الكثير ولا زال المصير مجهول حتى اللحظة ، أما في يوم نزول وجبة مجازي البيشمركة فتدخل الموصل إنذار بسبب كثرة العجلات المدنية التي يتم إستئجارها ثم مصادرتها أو الإستيلاء عليها عنوةً …
3 . الموصل تشهد حملة إغتيالات مُمنهجة :
بعد موجة التسليب والإختطاف التي شَهِدتها مدينة الموصل إنبرى الكثير من أبناء الموصل من الأكراد للدفاع عن إخوانهم العرب والتركمان و… وللدفاع عن الأحياء التي يسكنونها بعد أن تم إستقدام أقاربهم المُدججين بالسلاح والعتاد فكانوا سنداً لإخوانهم الموصليون وحدثت الكثير من المواجهات والمشادات بينهم وبين الأكراد الوافدين الجُدد بحيث أطلقوا على أكراد الموصل مصطلح (أكراد البالة) بسبب وفائهم للموصل التي ترعرعوا فيها وبسبب موقفهم المشرف مع أهل نينوى من إخوانهم من العرب والتركمان والشبك والمسيحيين و…. وهذه شهادة لله ثم للتأريخ .
تلا هذه الأحداث موجةٌ من الإغتيالات وبشكلٍ مُمَنهج فما أن يسمع الموصليون أصوات الرصاص ودوي الإطلاقات النارية المدوية حتى يهرعوا إلى مكان الحادث ليجدوا الضحية غارقاً بدمائه وأصوات القتلة تنادي خلال هروبها من موقع الجريمة ( عميل … عميل ..) وما هي إلاّ لحظات حتى يتبين أن المغدور هو أحد كفاءات الموصل وبشهادة ودرجة علمية عالية وقد شهدت الإغتيالات الأولى من هم بدرجة (أستاذ دكتور أي بروفيسور) ، تتابعت الأحداث بشكلٍ مُريع كتهاوي أحجار الدومينو ليكتشف أهل الموصل أنهم في كل يومٍ يودعون كوكبة من أساتذة الجامعات والأطباء والأكاديميين والقضاة والضباط والعلماء والشيوخ ولم يكن أكراد الموصل بمنأى عن الإغتيالات التي طالت الكثير منهم .
كانت الإغتيالات تجري بوتيرة معينة مثلاً تبدأ بأبرز الشيوخ والأمراء كما هو الحال في إغتيال الشيخ (غازي الحنش) أمير طيء ثم تتابع إغتيال كافة شيوخ عموم القبائل ورؤساء العشائر ولم ينجو إلاّ مَنْ رحم ربي ، لتبدأ بأبرز وأشهر الأطباء الإختصاص كما هو الأمر في إغتيال (الدكتور هشام الملاح ) أبرز وأشهر أطباء العيون ثم (د. مزاحم الخياط) أبرز جراحي العراق الذي وصلت شهرته العالمية وتدخل العناية الإلهية به … يعُقب هذه الحملة حملةُ إغتيالات أساتذة الجامعة بدءاً من رئيس جامعة الموصل (أ.د أُبيّ سعيد الديوجي) ونجاته بإعجوبة لتدارك تركيا الأمر وإرسال طائرة مشفى ووصولاً إلى أغلب الكفاءات وقد تجاوز عدد حملة الدرجات العلمية ممن هم بدرجة بروفيسور ونزولاً أ.م.د وحملة الدكتوراه أكثر من (1000) ألف حالة إغتيال بُعيد الإحتلالين بسنين قليلة ، لتأتي حملة تصفية الضباط وخاصة الطيارين الذين لم ينجو منهم سوى أعدادٍ يسيرة جداً ممن تدارك حياته وهجر العراق ….لتبدأ بعدها تصفية مختاري الأحياء الموصلية وهكذا …. وهنا لا بُد من الإشارة أن أغلب الأطباء الإختصاص من أهل الموصل تلقوا تهديدات بالقتل ثم يأتي وفد من الأكراد أو من ينوب عنهم يفاوض الأطباء مقدماً لهم المُغريات بالأمن والأمان والإقامة في كردستان وبإجورٍ مغرية شريطة الإنتقال إلى الإقليم والحالات أكبر من أن تحصى أو تُعَد …..
4 . إستهداف المراكز الأمنية وتصفية الضباط والمنتسبين :
إنطلاقاً من الحرص على الموصل وأمنها وسلامة مواطنيها فقد إنتخى أبناؤها من ضباط ومنتسبي الشرطة والجيش السابق للإنخراط في القطعات الأمنية خاصة مع تسنم (اللواء الركن غانم البّصو) منصب محافظ نينوى و(اللواء ق خ الركن محمد خيري البرهاوي) منصب قائد شرطة نينوى وللأمانة التأريخية لم تشهد الحدود الإدارية للمحافظة أي تغيير في زمن (البّصو) ولكن اللافت للنظر أن أول (التنظيمات الإسلامية المسلحة ) باشرت العمل المسلح هو تنظيم (أنصار الإسلام الكُردي) الذي نقل ساحة الصراع إلى محافظة نينوى تجلى الأمر من خلال المنشورات والأقراص التي توثق النشاطات والعمليات وتحث الشباب الموصلي للإنخراط في صفوفه لتعيش كردستان في مأمن يكاد أن يكون شبه تام رغم أن الأمريكان يصولون ويجولون ويتنقلون بلا أي سلاح أو حماية ويقضون إجازاتهم وفترات النقاهة في الإقليم ، ولكن الموصل ما من يومٍ يمر إلاّ والتفجيرات والمفخخات تعصف بحيث أصبحت البيوت وكأنها أرجوحة وزجاج الشبابيك يتم استبداله أكثر من مرة في الأسبوع حتى توصل أهل الموصل إلى استخدام الزجاج البلاستك ….. لكن هناك ثمة تساؤلات كثيرة تُثير علامات إستفهام : من بينها أن أغلب العمليات تستهدف منتسبي الجيش والشرطة من أبناء نينوى فضلاً عن التصفيات التي تطال المنتسبين في داخل بيوتهم وبين أهلهم ؟؟؟
ونكتفي بإيراد هذه الحادثة التي أصبحت مثار إستياء الموصليون بعد أن ذاع خبرها وانتشر وتداولته الألسن في المجالس والمقاهي والشوارع وهي رواية عن أحد ضباط مركز شرطة الزهور ننقلها كما سمعناها من أهل الموصل أنفسهم ، يقول الضابط : إقتربت بسيارتي المدنية الخاصة لمباشرة الدوام ولكنني فوجئت بأكثر من سيارة نوع برازيلي وقد ترجل طواقمها وباشروا برشق المركز ونقاط حراسته بقاذفات الصواريخ (إس بي جي 9) والرشاشات المتوسطة (بي كي سي) فضلاً عن بنادق الكلاشنكوف فآثرت (والكلام للضابط) أن أتخذ موقف المتفرج خشيةً على حياتي وعازماً في ذات الوقت على متابعة المفرزة المهاجمة … والفعل تابع الضابط إنسحاب عجلات المفرزة بعد أن أحاط قائد الشرطة بالتفاصيل بعد أن أمّن إتصال به ، إنسحبت العجلات ثم ولجت داخل مقر أحد الأحزاب الكردية في منطقة التأميم وما هي سوى لحظات فإذا بقائد الشرطة ترافقه همرات للقطعات الأميركية وحال إقتحام المقر تبين أن أفراد المفرزة المهاجمة شرعوا بإستبدال لوحات (أرقام) السيارات ولا زال (التونك) بأيديهم و(التونك) هو الآلة المستخدمة في تثبيت أرقام السيارات وعلى الفور تم إعتقال المهاجمين وإركابهم في همرات الأمريكان التي انطلقت مغادرة ليعود كُلٌ إلى مقر عمله ، لكن الضابط يقول : أحسست بريبةٍ في الأمر فتابعت الهمرات فإذا بها تدخل الحي الصناعي في الكرامة وتقوم بالإفراج عن جميع أفراد المفرزة …؟؟؟ لذا توجه الضابط من ساعته إلى قائد الشرطة وشرح له التفاصيل وخلع رتبته وأعلن إستقالته …
تتابعت الأحداث التي آلت في نهاية المطاف إلى أن يُقدم محافظ نينوى اللواء الركن غانم البّصو إستقالته وقد إلتقيته لمرات كثيرة بعد عودته إلى الموصل وسألته عن سبب إستقالته ؟ فكان جوابه بالنص : لن أخون الموصل وأهلها … ثم استقال أو اُقيل حيث تم استبداله وتلاشت أخباره ، وبعد البّصو تسنم (الدكتور أسامة كشمولة) منصب محافظ نينوى إلاّ أنه تم إغتياله في الطريق خلال توجهه لإجتماع في العاصمة بغداد ولم يكن على علم بهذا الإجتماع سوى الدائرة الضيقة جداً تلاه على منصب محافظ نينوى (دُريد كشمولة) ولكن واقع الحال يشهد أن المتنفذ الأساسي بمقدرات نينوى والمهيمن على صنع القرار هو نائب المحافظ (الكردي) وفي عهد (دريد كشمولة) ضاعت معالم نينوى وتم إبتلاع أراضيها وضمها إلى كردستان وتغيرت ديموغرافيتها وبعد أن كانت حدود محافظة نينوى تبعد عن أربيل تبعد 70 كم أصبح نفوذ الإقليم لا يبعد عن مركز مدينة الموصل ما بين 5 إلى 10كم وكذا هو الحال في حدود نينوى الشمالية بإتجاه دهوك ، وحدودها الغربية بإتجاه زمار حيث تم بسط النفوذ على أجزاء كبيرة جداً من نينوى بما فيها أقضية ( الحمدانية أو قره قوش، قضاء الشيخان ، قضاء بعشيقة ، قضاء تلكيف ، قضاء سنجار ، قضاء تلعفر ، قضاء مخمور …. ونواحي القراج ، برطلة ، وانة ، زمار ، … وحقول نفط عين زالة و………….) المهم تم ضم محافظ نينوى السابق (دريد كشمولة ) إلى صفوف الحزب الديمقراطي ليصبح عضو في البرلمان العراقي عن الأحزاب الكردية ، سنتوقف هنا قليلاً قبل إستعراضنا لإستهداف الشيعة والمسيح في الموصل .