قراءة – سماح عادل :
تكمن قيمة الروائي في قدرته على فضح الواقع بكل تفاصيله ووحشيته.. بالإضافة إلى قدرته على نسج نص سردي متكامل، رغم الدعاوى الكثيرة التي تحرر الرواية من مسؤولياتها الاجتماعية، إلا أن الرواية التي تمس الواقع هي ما تلقى رواجاً أكثر لدى القراء، خاصة عندما تكتب في لحظات تاريخية حرجة.
استطاعت الروائية السورية سمر يزبك “47”عاماً أن تجد لنفسها مكاناً وسط الروائيين المتميزين برواياتها التي مست الواقع السوري، بل وتعمقت فيه.. كشفت تردي المجتمع.. وتوغل السلطة العسكرية.. وسوء حال عدد كبير من الشعب.
رواية صلصال:
في “رواية صلصال”، دار نينوي، الطبعة الثانية 2008، تكشف سمر يزبك عن وحشية العسكريين في شخصية “على حسن”.. ذلك الشاب الفقير الذي منحه انضمامه للجيش مميزات هائلة وأصبح بعد سنين سيد القرية، بعد ما تحول إلى وحش، وآداة في يد سلطة غاشمة تقهر الشعب وتستنزف موارده لتبني قصوراً وبيوتاً ضخمة، وكان في طفولته صديقاً لحيدر العلي ابن سيد القرية القديم، والذي إلتحق معه في الجيش لكنه لم يستطع مجاراة السلطة وابتعد عن الجيش، وانعزل في قصر أبيه بعد أن خطف منه علي حسن حبيبته وزوجته “سحر الناصور”، لتتحول من زوجه لحيدر إلى عشيقة سرية لعلي حسن.
الرواي العليم يتنقل في سرده ما بين شخصيات الرواية الأساسية، سحر الناصور، وحيدر الذي بدأ السرد بحادثة انتحاره، وريهام العلي ابنة حيدر والمشكوك أنها قد تكون ابنة علي حسن نفسه من علاقة آثمة بينه وبين سحر الناصور، ولذلك عذبها علي حسن بإجبارها عن الابتعاد عن ابنه فادي والذي جمعت بينه وبينها علاقة عشق قوية، ودلا الخادمة في قصر حيدر والتي كانت تلعب معه وهي طفلة وظلت تحبه طوال حياتها بعد أن فرقتهم طبقية المجتمع وتحولت هي إلى خادمة وهو إلى سيد، وحيدر نفسه الذي ينتهي السرد به ويصور عذاباته في الحياة والتي قرر إنهاءها بانتحاره، بينت الرواية وحشية الحكم العسكري السوري الذي نهب البلاد، وأخضع الشعب لسلطانه.
رواية رائحة القرفة:
في رواية “رائحة القرفة”، عن دار الآداب 2008، ترصد سمر يزبك علاقة مثلية بين خادمة وسيدتها.. تتناولها بجرأة لكن ليس بمعزل عن ما يدور في المجتمع، فالسرد يتنقل بين السيدة الغنية “حنان الهاشمي” التي تجبر على الزواج من ابن عمها الذي يكبرها بعمر، والتي تعلمت الجنس المثلي على يد سيدة أخرى غنية لكنها تتجه إلى ممارسته مع خادمتها الطفلة الصغيرة “عليا” التي جلبها أبوها لتخدم في قصرها.. تصور الرواية عزلة السيدة ووحدتها في مجتمع لا يعرف سوى لغة المصالح لكنها مع ذلك تكون قاسية مع خادمتها خاصة حين تقبض عليها وهي تمارس الجنس مع زوجها.
ويرصد الراوي العشوائيات الفقيرة التي جاءت منها الخادمة “عليا”.. أمها التي تعمل طوال اليوم وأبوها العاطل الذي يضربهم جميعا بقسوة، والفقر المدقع الذي يعيشون فيه، وإجبارها على العيش لدى الغرباء لتكون خادمة مثل أمها.. العلاقة الجسدية هنا تصوير لمدى قهر الغني للفقير حتى أنه قد يجبره على بيع جسده له، فعلياء استجابت لحنان فقط لأنها سيدتها، لا لأنها تستمتع، وأصبحت تسعى إلى المزيد فأغوت السيد أيضاً.
تقاطع نيران.. من يوميات الثورة السورية
يعد كتاب “تقاطع نيران.. من يوميات الثورة السورية” الذي صدر عام 2012، بنسخته الفرنسية عن دار “بوشيه – شاتيل”، وبنسخته الانكليزية عن دار “هاوس بابليشينغ”، أهم كتب سمر يزبك، فقد لاقى قبولاً دولياً، وحصل على جوائز أدبية خاصة بالدفاع عن حرية التعبير والشجاعة مثل جائزة “هارولد بينتر بن” في بريطانيا، وجائزة “بن اوكسفام” في هولندا، وجائزة “توشولسكي” في السويد.
الكتاب عبارة عن يوميات لأربعة شهور من بداية الثورة السورية 2011، ربما لم يحظَ كتاب عن ثورات الربيع العربي، بالاهتمام الذي حظي به هذا الكتاب وقد ترجم إلى الإنكليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية، فقد رصد الكتاب خصوصية الثورة السورية والقمع العنيف الذي تعرضت له وكثرة عدد شهدائها، واتسمت طريقة الكتابة، بالجمع بين اللغة الأدبية القوية والشحنات العاطفية المرتبطة بوحشية الصراع على الأرض.
حيث أجرت الكاتبة 150 حوارًا مع مقاتلين، والمقابلات مسجلة ومكتوبة، والكثير منهم كانوا في سجون الأسد وقبلها كانوا يقاتلون في العراق، ثم أطلق سراحهم بعد 2011، وهؤلاء أصبحوا فيما بعد قادةً في كتائب مقاتلة، وللأسف بهذه الطريقة تم اعتقال وقتل الناشطين السلميين وتفريغ سوريا من ناشطيها المدنيين.
سافرت الكاتبة وابنتها إلى فرنسا في 2011 ظناً منها أنه “سفر مؤقت” لكنها لم تستطع العودة إلى سوريا، عادت 2012 لكنها فرت مرة أخرى لأن الأمور كانت قد تعقدت في وطنها، وأسست بأموال الجوائز جمعية في فرنسا تهتم بالنساء في الأرياف السورية أو في مخيمات اللاجئين في تركيا ولبنان.
وتقول سمر يزبك في أحد الحوارات، أجرته معها صحفية فرنسية وتمت ترجمته، “الجهاديون، أعرفهم جيداً وتكلمت معهم على مدى عام كامل على خط الجبهة حيث جمعت شهادات غذت تقاطع نيران”، مضيفة: “بعضهم قالوا لي حتى أنهم كانوا في السجن في بلادي وأن بشار أطلق سراحهم في نيسان/أبريل 2011”.
مؤكدة على أن بشار الأسد “القاتل الأول في البلد”، ومشيرة إلى عمليات القصف المتواصلة التي شنها الطيران السوري ضد الشعب، معلقةً: “في القرى الشمالية يدفعكم هذا إلى الجنون.. لا يسعكم القيام بأي شئ حيال الوضع”.
واصفة الثورة السورية بأنها “حركة احتجاجية سلمية اندلعت في سوريا عام 2011 وحظيت بالدعم من الشعب بأكمله، إذ طالبت بالحرية والعدالة ودولة القانون والديمقراطية، لكن النظام قمع الاحتجاجات بأقسى الطرق، إذ لجأ للاعتقالات والمذابح وإشعال الطائفية في البلاد ونتيجة لذلك تمت عسكرة الثورة”، ومضيفة: “اتسم الجيش السوري الحر بالقوة عند بداية تأسيسه لكنه لم يلقَ الدعم من المجتمع الدولي والأسوأ من ذلك أن بعض الدول مثل روسيا والولايات المتحدة وٍإيران وتركيا سعت وراء مصالحها في البلاد، فبعد تدخل إيران وحزب الله في الصراع تحت غطاء الدين، كان هناك رد فعل ديني من السنة، بعد ظهور داعش صارت سوريا نقطة جذب للمتطرفين من كل العالم، داعش هي نتيجة وحشية نظام الأسد”.
من الكتب التي صدرت للكاتبة: “باقة خريف” مجموعة قصص، 1999، “مفردات امرأة” مجموعة قصص، 2000 ، “طفلة السماء” رواية، 2002، “صلصال” رواية، 2005، “رائحة القرفة” 2008، “تقاطع نيران” 2012 كما صدر لها نصوص 13 فيلماً ونص مسلسل واحد.