اتسم رد الفعل الأول، الذي واجهت به المؤسسة الدينية، والأحزاب الصفراء الدائرة في فلكها، انتفاضة الشعب العراقي الباسلة، بالرعونة والحمق، فحاولت، مع الشرارة الأولى لانطلاقتها رسم صورة مشوهة لها، عبر الربط بينها وبين داعش، لتسهل عملية قمعها، ووأدها وهي في المهد.
كانت نتيجة هذه المحاولة، التي أريقت فيها دماء الشاب “منتظر” ظلماً، وعدواناً، بالضد تماماً من حسابات المؤسسة، وأحزابها، التي أدركت سريعاً أن امتداد الانتفاضة على كامل مساحة مدن الجنوب والوسط، يتطلب منطقاً غير المنطق الصولاغي المستهتر، والمجافي لمجريات الواقع الخارجي. فالقضية التي انتفض الشعب، من أجلها، واضحة، لا يمكن دفنها، أو تغيير سماتها بركام التحليلات، والأكاذيب الإعلامية، ولا يمكن أبداً أن تُخطأها بوصلة الوعي، لأنها، ببساطة، ماثلة أمام الشعب أينما اتجه.
بعد فشل محاولة رجالها الحزبيين قررت المؤسسة تغيير لون جلدها، واللجوء إلى أسلوبها المعتاد في توزيع الأدوار، وتغيير المواقف في الأثناء، لتعلن، على لسان خطباء الجمعة الناطقين باسمها، عن وقوفها الظاهري مع المطالب الجماهيرية.
المؤسسة الدينية، في الحقيقة، لا تصلح أبداً للعب دور العرّاب في مسألة الإصلاح، بعد أن كانت عرّاب العملية السياسية الفاشلة، التي انتجت كل هذا الفساد الذي ملأ العراق. كما إن المواقف التي اتخذتها المؤسسة ليست، فقط، متأخرة كثيراً، وإنما أنانية، ومنافقة، فمن يعيث مع الذئب، لا يسعه البكاء مع الراعي!
المؤسسة، التي لم تأبه للشعب طيلة السنوات المريرة التي قطعتها اللعبة السياسية، تعلم جيداً أن التغيير يستهدفها، عاجلاً، أم آجلاً، لذا قررت القفز في فم الجماهير والتكلم باسمهم، في محاولة لاستباق المصير المحتوم، عبر تطويق مفاعيل الانتفاضة، والخروج منها بأقل قدر ممكن من الخسائر، والتضحيات.
طالبت المؤسسة رئيس الوزراء بأن يضرب بيد من حديد، دون أن تقدم برنامجاً محدداً للإصلاح، ولا جداول زمنية يُراقب الأداء الحكومي على ضوئها، وكأنها أرادت أن تسجل موقفاً منافقاً مع الجماهير، لا أكثر. ولعل المؤسسة – وهذا وارد جداً – استهدفت، من وراء الإيحاء العنفي التحريضي الذي يحمله تعبير (الضرب بيد من حديد)، دفع رئيس الوزراء إلى الإطاحة بالخصم المشترك (المالكي)، بجعله كبش الفداء، وتحميله المسؤولية كاملة.
إن تاريخ المؤسسة عموماً، وسلوكها في السنوات التي أعقبت سقوط نظام الطاغية صدام خصوصاً، لا يمنحانها أهلية قيادة حركة الإصلاح، فالمؤسسة لا تملك أي رصيد تاريخي مشرف في الوقوف مع الشعب ضد الطواغيت (موقف الصدرين ضد الطاغية صدام استثناء لا يمثل المؤسسة، بدلالة محاربتها لهما)، وبقدر تعلق الأمر بمرحلة ما بعد سقوط بغداد كانت المؤسسة عراب السلطة الفاسدة التي نهبت ثروات العراق، وصمام أمانها، وصاحب الفضل الأول في وجودها واستمرارها.
لا ألمح بما قلت إلى افتقار المؤسسة للأهلية الأخلاقية لقيادة مسيرة التغيير فقط، وإنما إلى افتقارها كذلك إلى التجربة النضالية، والخبرة اللازمة للقيادة في ظروف صعبة ومعقدة كالتي يمر بها العراق.
من هنا، على الشعب أن يحذر من المؤسسة الدينية حذره من أفعى قاتلة، فمن غير المعقول أن يعيد تجربة من سبق أن جربهم، ومن غير المعقول أن يُلدغ من الجحر نفسه مرة بعد مرة!
إن تجربة امتدت اثني عشر عاماً كافية جداً لإثبات الفشل الأخلاقي، والسياسي للمؤسسة، وأحزابها، ورجالاتها.