من اغرب المفارقات الفنتازيا في الوطن العربي ان العرب ومع كل تراثهم الهائل الذي يحض على طلب العلم المعرفة، سواء من أحاديث نبويه وآيات قرانيه، لازالت نسبة القراءة متدنية جدا مقارنة بالأمم الأخرى، حيث يبلغ معدل القراءة السنوي للمواطن العربي 6 دقائق فقط، بينما معدل القراءة للمواطن الاوربي على الاقل 6 دقائق في اليوم، وليس هذا فحسب بل تُصنف الشعوب العربية بانها في أدني المراتب سواء في التأليف والنشر على مستوى العالم.
يبلغ حجم الانفاق السنوي على شراء الكتب في المانيا وحدها 18 مليار يورو سنويا” ويبلغ عدد كتب الجيب التي تم قراتها في فرنسا منذ سنة 1955 ولحد الان مليار كتاب حسب الإحصاءات المتخصصة بهذا الشأن، اما في اسبانيا يترجم سنويا” مالا يقل عن مئة الف كتاب، فتخيل نهم الشعوب للقراءة والمعرفة.
يندهش المراقب لحركة الوعي والثقافة في الشرق الأوسط عن الطبيعة المتناقضة للشعارات الرسمية للقيادات التقليدية المتصديه للوعي العام سواء كانت حركات عقائدية او اسلاميه، فمثلا” الحركات الدينية تستميت صراخا” من اجل فرض الحجاب, او عدم اكل اللحوم المُصَدّرَة من الدول الأوربية وغيرها, وفي نفس الوقت تخفي المسؤولية الأخلاقية لهذه الحركات عن الطبيعة التنويرية لأديباتها, وكان العلم والمعرفة ليست ضرورة لا تقوم حياة الانسان الا بها. حيث لم يظهر داعيه إسلامي او إصلاحي متحذلق في يوم ما ويطلق فتوى تعاقب او تهدد من لا يقرأ او على الأقل تجريم الجهل والتجهيل الذي يقوم به المجتمع لنفسه، اذ لو تم اقران اهمية القراءة بأهمية الصلاة مثلا” لما كان ذلك مجحفا” في حق الايمان والانسان. لان الله في كتابه يحب المؤمن القوي، الواعي الذي يدرك قيمته في الحياة والتاريخ، ويعرف عظمة الله أكثر من المؤمن المتخلف الذي ينام في الظلام مثل كذبة الانتصار في الهزائم.
يقول موشي ديان ((ان العرب لا يقرؤون وإذا قرأوا لا يفهمون وإذا فهموا لا يحفظون وإذا حفظوا سرعان ما ينسون)) ,و يقول مكسيم غوركي في عشقه لمكتبته (إن هذه الكتب غسلت روحي وحررتها، وجعلتني اشعر انني لم أكن وحدي على ظهر هذه الأرض، وبأنني لســت ضائعاً في هذه الحياة), ترى هل حجم فضيحتنا امام العالم بلغت من الوضوح هذه الدرجة؟؟ما للذي جعل العرب كسبات الضفادع، وكرههم للعلوم ككره ابليس ليوم الجمعة, لما لا تكون الخطوة الأولى لأي تنوير تبدأ في ضرب العلة الأولى في العالم، فمن يهوى تهديم قلاع الظلام يجب ان يهدم أساس نشوئها، وليس البحث عن النتائج السريعة المردود لاستعراض النجاح المزيف فالجهل أساس التراجع والموت صبرا”.
في الحقيقة هناك الكثير مما قيل في الاسباب والمعالجات ولكن رغم كل ذلك لازالت هذه الحقائق خارج استيعاب الموطن العربي الذي قد بشرع بأسبابه وبعضها واقعيا، فمثلا” من أكثر العوامل التي تمنع العربي عن القراءة هو قصور المناهج العلمية، وغياب اساليب تنمية مهارات القراءة في بداية نشأة الطفل وعدم تشجيعها. بالإضافة الى المنافسة الشرسة لوسائل الاعلام للكتاب وسرقتها لانتباه الطفل، وبالتالي عزوفه عنه الكتاب.
إن الاحباط الشامل الذي تمر به شعوب المنطقة من هزائم متتابعة من بداية القرن العشرين ولحد الان وانعدام مشاريع التنمية وانغلاق المجتمعات العربية وغياب روح الحوار وديناميكية العقل البناء أسهمت في القطيعة الكاملة بين العرب والكتاب, كما أن عدم ادراك المغزى الحقيقي للقراءة بالنسبة للمواطن العربي تعتبر من اعقد المسائل, حتى بعد دخول الوسائل الإلكترونية الحديثة في نقل المعرفة الى اغلب البيوت, تجد الأجيال العربية مُبددة” ملايين الساعات يوميا” امام البرامج الترفيهية التافهة التي لا تثري عقولهم الساذجة بل توسع الفجوة الحضارية التي تفصلهم عن الأمم الأخرى .
ان انتشار الكتب الدينية السقيمة خاصة تلك التي تتحدث عن عذاب القبر وحياة ما بعد الموت، او التي تسرق ألق الانسان في العمل، بتخويفه من كل شيء حوله وتحول إيماءات الحياة الى تحذيرات سماوية بالعذاب و تبشره بالويل والثبور, فينغلق الانسان ويتحول الى طوربيد منفلت قد ينفجر في أي لحظه, نتيجة الجنون الذي خرج عن الرقابة الحكومية في التأليف والنشر.
بالإضافة الى طبيعة البناء السيكولوجي للفرد العربي، المبني على المعتقد الديني فقط والذي يرفض التغيير الى انماط السلوك المتمدن، فهو يرفض ويحارب النقد والديمقراطية، كل هذا أنتج فردا” فاقد القدرة عن التعبير عن ذاته، سطحي التفكير، عزز في أعماقه التحيز الاعمى والتعصب، فأنتج قيادات كانت مغامراتها السياسية القائمة على الحماس السطحي سببا” لانهيار كرامة الشعوب العربية.
إن الشخصية المتخلفة تتميز بسهولة اخضاعها عن طريق الترميز الميتافيزيقي، والاكاذيب الأسطورية التي تجعله اسيرا” للتاريخ، وتشل قدراته فيصبح غير قادر على الإنتاج وتسويق نشاطه الذهني والمدني كَمُنْتَج حضاري معاصر يُعول عليه. بالإضافة الى الانحراف المجنون سواء عقائديا” او اخلاقيا” لأنه يعيش في ظلمه كثيفه من السواد والفراغ الروحي، تفقده القدرة على الاختيار المعقول، والانتظام الطبيعي في الحضارة الإنسانية.
ان الامه التي ينعدم فيها العقل النقدي والبعد المعياري للفضيلة والرذيلة، تنهزم امام التحديات ويفقد افرادها الكرامة، و تختلط في عقولها روح الشيطان مثل اختلاط الماء والتراب، فأن لم تظهر الشمس من وحي الكتب لتطهر ثروة الأمم في عقول أبنائها سيبقى التأكل والانحطاط سمه دائمه لها, حتى ينتفض الجسد من سقم الفكر وينتحر ليختم عمر الأمم المتخلفة بوصمة العار الأبدية, بأنها امة عاجزه لا تستحق البقاء.
[email protected]