22 نوفمبر، 2024 8:59 م
Search
Close this search box.

سيلفي تحت نصب الحرية

سيلفي تحت نصب الحرية

هل خرج العراقيون (من خرج هم النسبة الأقل من العراقيين طبعاً) مدفوعين بإرادة تغيير حقيقية، أم ليثبتوا لأنفسهم أنهم ليسوا أقل جرأة من شعوب عربية أخرى تظاهرت، وهتفت ضد حكامها؟

لا شك في أن الكهرباء السيئة قد فتحت الباب، ودفعت المتظاهرين باتجاه الشارع، ولا شك في أنها، كما لا يخفى على مراقب، كانت، فقط، القشة التي قصمت ظهر البعير، أو الشرارة التي أشعلت النار في الهشيم الذي راكمته السنوات المريرة الطويلة.

إذن، من المفهوم أن تقف الهتافات في الأيام الأولى عند مستوى سقف المطالب الملحة، لكن من غير المفهوم، ولا المقبول أبداً أن تتحجم بمستوى هذا السقف المتدني، حتى بعد أن تشب النار في الحطب الجزل، وكأن العراقيين تنقصهم التجربة التي عبرت عنها شعوب أخرى بالمثل المشهور “إن عشقت اعشق قمر”.

طالما نزلتم إلى الشارع فليكن نزولكم حاسماً، ولمرة واحدة، ولا معنى، أبداً، لتجزئة المطالب، أو تأجيل بعضها، فالآلام لا تقبل التجزئة، وعليكم أن تدركوا، بعمق، أنكم بإزاء فرصة تاريخية قد لا تتكرر، والفرص، كما يقول أمير المؤمنين، تمر مرّ السحاب، فلابد من استحلابها حتى آخر قطرة.

تحدثت الحكومة الفاسدة، والمؤسسة الدينية الراعي الرسمي، والأخلاقي للحكومة، عن إصلاحات مزعومة، ومطالب تُلبى، بشرط “سوف”، وهي، على العموم، أقل من مستوى المقبول بكثير، ومع ذلك يبدو أنها صادفت ترحيباً من قبل البعض!

برأيي، إنه لا يمكن أن تكون المطالب بالمستوى الذي تتحدث عنه الحكومة الفاسدة، أو المؤسسة الدينية، بل من غير المنطقي البتة أن تكون هاتان الجهتان هما من يحدد سقف المطالب، لتُختزل بالتالي بإقالة هنا، وتقليص هناك، وقبول الشعب بأقل من الاطاحة بكامل النظام الفاسد، وبكامل المنظومة القانونية والسياسية التي أسسها، وتأسس عليها، سيكون بمثابة عودة مخذولة للقفص القديم نفسه. فإما ثورة كاملة، يدير رحاها رجال حقيقيون، وإما فورة مراهقين يحلمون بالتقاط سيلفي تحت نصب الحرية.

آن للعراقيين أن يواجهوا الحقيقة، التي لا أشك في أنهم يملكون شعوراً قوياً بها في وعيهم العميق، ولكنهم يسوّفونه، وهي إن المؤسسة الدينية، والحكومة شريكان في المؤامرة، ونصيب أحدهما، من أوجاعنا، لا يقل عن نصيب الآخر، ولابد بالتالي من توجيه إصبع الاتهام للشريكين معاً. هذه الحقيقة، التي يؤجل مواجهتها وعي خرافي مزيف، لابد من حسم الجدل فيها لمصلحة الخطوط الخضراء، فإن إيقاد نار العداوة على طرف (الحكومة)، والإرتماء في أحضان الطرف الآخر، وتسليمه اللحى، وحبل الرقبة، تصرف  ليس، فقط، لا ينم عن اتزان أبداً، وإنما يدل، بدرجة مرعبة، على أن الشعب لا يريد أن يدرك سر تعاسته الحقيقي

أحدث المقالات