أفرزت الأحداث عبر تاريخ العراق الحديث، أن هناك تفاعل ديناميكي بين المرجعية الدينية والشارع العراقي، وهذا التفاعل أقلق جميع الانظمة السياسية المتعاقبة على حكم العراق، بما فيها الحكومة الحالية المسماة ب(الشيعية )، ولولا هذا التفاعل والعلاقة الحميمية، لما سلمت امريكا السلطة للعراقيين بعد سنة من الاحتلال ،ولاكتب الدستور بإيد عراقية، ولا رأينا مشاركة جماهيرية واسعة في العملية السياسية، ولاتداول سلمي للسلطة، وهذا الأمر دفع القوى الإقليمية للتفكير مرارا وتكرارا، قبل محاولتهم قلب الطاولة والعودة بالعراق إلى ماقبل عام 2003
وقبل أسابيع كنت أتحدث مع أحد الأصدقاء، ونستعرض الأحداث السياسية وعلى رأسها تفشي الفساد، وتطرقنا إلى دور المرجعية الدينية في الحد من هذه الظاهرة، التي كانت السبب الرئيس بالانهيارات التي حدثت في الموصل وبقية محافظات العراق المحتلة من داعش، فقلت له أن المرجعية الدينية ووفقا لما عهدناه من رعايتها الأبوية لجميع فئات الشعب العراقي، تمنعها من التصريح بأسماء الكيانات والكتل السياسية والأشخاص المقصودين بخطابها، مما يعطي فرصة لهؤلاء من التملص والادعاء أن المقصود غيرهم، لا بل رأينا الكثير منهم يستخدم هذا الخطاب لتسقيط خصومه السياسين ، بوساطة الحملات الدعائية مستخدما خطاب المرجعية الدينية يافطة ، لذلك لم أكن أتصور أن هذه الدعوات التي تطلقها المرجعية ممكن ان تعصف بالفاسدين وتقلعهم من الجذور، وقلت له أن المسؤولية المباشرة تقع على رئيس السلطة التنفيذية بالدرجة الأولى، والبرلمان بالدرجة الثانية، ولم يخطر ببالي أن المرجعية ممكن ان تصرح بعدما اعتدنا منها خطاب الإرشاد والنصح العام.
هذه الانتقالة بالخطاب سبقها رد على رسالة وجهها حزب الدعوة، قبل تشكيل الحكومة حولة تولي المالكي لولاية ثانية، وكان الرد بعدم رغبة السيد السيستاني بالولاية الثالثة، وحتى هذا الرد لم يكن كوقع خطاب اليوم، لأن الرسالة لم تظهر لوسائل الإعلام، وانقسم المقربون من الموضوع مابين ناف و آخر مؤكداً لها.
واليوم في خطبة الجمعة وعلى لسان معتمدها في كربلاء ، طلبت المرجعية من السيد رئيس مجلس الوزراء أن يكون أكثر جرأة وشجاعة في خطواته الإصلاحية ولايكتفي ببعض الخطوات الثانوية التي أعلن عنها مؤخرا بل يسعى أن تتخذ الحكومة قرارات مهمة وإجراءات صارمة في مجال مكافحة الفساد فيضرب بيد من حديد من يعبث باموال الشعب ويعمل على إلغاء الامتيازات والمخصصات التي منحت لمسؤولين حاليين وسابقين في الدولة.
اليوم أعتقد أن الأمور أخذت نصابها الطبيعي، ووضعت المسؤولية بيد شخص بعينه، ولامجال للتبريرات المتكررة ً خلال الفترة المنصرمة، من أن المحاصصة الطائفيه والحزبية تمنع محاربة الفساد، ومحاسبة المتورطين ،وأحيانا بالخوف على العملية السياسية من الانهيار، حتى انهار كل شيء وافلست ميزانية الدولة، وبأن خواء الحكومة وعجزها الواضح، وأصبح القرار بيد أكثر من جهة سياسية، ولربما كانت سطوة بعضهم أكثر من سلطة الدولة والقانون.
والضربة النجلاء الثانية للطائفية والاثنية، بقولها والخطاب موجه للعبادي ،وعليه أن يتجاوز المحاصصات الحزبية والطائفية ونحوها في سبيل إصلاح مؤسسات الدولة فيسعى في تعيين الشخص المناسب في المكان المناسب وان لم يكن منتميا إلى أي حزب من أحزاب السلطة وبغض النظر عن انتمائه الطائفي أو الإثني ولا يتردد من إزاحة من لايكون في المكان المناسب وان كان مدعوما من قبل القوى السياسية ولا يخشى رفضهم واعتراضهم.
العبادي أبدى استجابته وعلى الشعب بكافة فئاته متابعة تنفيذه ،وأعتقد أنها فرصة للخلاص من براثين الفساد، الذي جعل الموطن على حافة الفقر والعوز، وتجاوز الطائفية التي كانت مقدمة للإرهاب ،وربما يوسف الأمر ويكتفي بالأمور الهامشية لذلك يجب تحديد فترة زمنية للعبادي لتنفيذ ما وعد به.