المكان في الأهوار ، يمضي في يوم ، ولن يتغير فيه هاجسه الأول ، ولكن موجودات البيئة تغيرت ، فالنساء اللائي كن يمسكن القيثارات في حفلات الاعراس واعيادهن الموسمية ، لا يمسكن في طقوس الاعراس والزفاف سوى صفائح الدهن النباتي الفارغة ويضربن عليها كما الطبل ليصنعن ايقاعات اهازيج فرحهن الذي كان ايام جدتهن ( شبعاد ) اكثر هدوءا حيث نغم ( القيثارة ) اقرب الى موسيقى الحزن والحنين والرومانسية والموسيقى الكلاسيكية.
وحدها الصبية بسعاد طورت آلتها يوم تحتفل القرية بعرس أو يجيء ( المطهرجي ) منتصف كل يوليو ليلف كيس الرمل على خصيان الاطفال واعضاءهم الذكرية ثم يقوم بقص الجلد الزائد بواسطة موس غريب يشبه شكل السيف التتري وبدون تخدير ( البنج ) ويسمون قطعة الجلد هذه في العامية هنا ( الغلفة ) ليعلن تطهيرهم فيكون هذا الصباح واحد من الاعياد التي يتم فيها الضرب على صفائح الدهن الفارغة بفرح.
طورت بسعاد رغبتها بأن تعزف لسعادتها بآلة موسيقية غير ( التنكه ) ، فكانت أن صنعت لها ( قيثارة ) بدائية من قطعة خشب وخيوط نايلون ثبتتها بمسامير ، وربما استهجن جميع اهل القرية هذا العمل ، لكنها مضت فيه لاسيما أن الانطباع العام لدى الناس هنا أن بسعاد تميل للألعاب الذكورية وانها تمتلك خشونة حتى في تعاملها مع الجواميس وأن المشط لم يزر رأسها وهوايتها في الحياة هو الضرب على الصفيح وكانت سباقة لتكون في اوائل المبتهجات في الاعراس سوى ان تم دعوتها او لم يتم. وربما حرية بسعاد مكتسبة من انها يتيمة الاب وتعيش وحيدة مع امها وجاموستين . لهذا اختلفت عن بقية البنات وصرن لا يقتربن منها ، وبالرغم من هذا انزوت بسعاد مع آلتها الموسيقية في المكان التي ترعى فيه مع الجاموستين وهناك تعزف الحانها الخاصة ، وحتما حين سمعتها ذات مرة وجدتها تعزف موسيقى هجينة لا معنى لها ولكنها بالرغم من هذا فيها دندنة لحزن ما جعلني اربط كل هذا حتى في تقارب الاسم والمشاعر بين بسعاد والأميرة السومرية شبعاد ، فقط كانت شبعاد تعزف بقيثارة موزونة الاوتار لكنها مثل بسعاد تبث ذات الحزن ولكن بلحن مضبوط.
قال لي شغاتي مرة : الأفضل يا أستاذ أنا لا تقترب من هذه البنت .
قلت :لماذا ؟
قال :افعالها لاتشبه افعال بنات قريتها .
قلت :هل تعني انها شاذة .؟
قال :كلا نظنها مسترجلة .
قلت : وكيف عرفتم .؟
قال : تنعزل ويأخذها الطرب في الاعراس حتى تنسى نفسها وتختلط بغناءها مع الذكور ، واخيرا لديها شيئا تضرب عليه .لانفهم ما هو ومن اين أتت به.
قلت :انها قيثارة بدائية تشبه قيثارة أور .
قال :وكيف عرفتها واين شاهدتها وهي لم تغادر القرية يوما واحدا.؟
قلت :ربما زارتها شبعاد في الحلم وأرتها قيثارتها لتصنع واحدة.
قال : لا أدري ماذا أقول ، ولكني احزن لأجلها لأنها يتيمة الأب.؟
قلت : أذا اردتم مساعدتها اتركوها لحالها .
قال :من يقنع البنات اللائي بعمرها ، بعضهن يرمينها بالكلمات على انها طالعة عن الطور.
ضحكت وقلت :تقصد طور صفيحة التنك.؟
قال :لا اعرف ثمة حرب بينها وبينهن.
قلت :وفي النهاية قيثارة بسعاد وشبعاد من ينتصران.
ضحك وقال :اتمنى ذلك ، هي وامهما تعلمان أن قلبي وقلب ام مكسيم معهما..!