كثر الحديث بين اوساط العراقيين المهاجرين او المغتربين، حول موضوع استيراد زوجة للرجل الراغب بالزواج من بلده الاصلي ، وتركه بنات بلده اللواتي يعشن في البلد الذي يعيش هو فيه ، وهنا اود ان طرح هذه الإشكالية من وجهة نظر ادبية ، ولاسيما اني بصدد كتابة بحث عن روايات المنفى العراقية التي تتحدث عن هذا الموضوع ، وقد وجدت هذه الثيمة حاضرة في معظم كتابات الروائيين العراقيين المغتربين .
يلح الروائي العراقي المغترب على الحديث عن مسألة تفكك عرى العلاقات العائلية ،فالزوج يطلق زوجته ، والزوجة تقوم بالعمل ذاته ، ولعل من النافلة ان نقول هنا ان اغلب علماء علم الاجتماع عندما يتحدثون عن تطور المجتمعات يشيرون الى ضرورة التدرج في التعامل مع المجتمعات ، والقران الكريم يخبرنا بان الدين الاسلامي لم يحرم الخمر دفعة واحدة ، بل كان التحريم على دفعات ، وواقعنا العراقي المعيش حاليا افرز لنا خلاصة انسانية مما يحصل في العراق ، هذه الخلاصة تتمثل بضرورة عدم منح العراقيين الذين اعتادوا الدكتاتورية والتسلط ، عدم منحهم الحرية والديمقراطية دفعة واحدة ، لان البشر سوف يسيئون استعمال تلك النعمة ، وما يحصل للعراقيين الذين استقروا في الغرب هو خير شاهد على ما نقول ، فان ينتقل الانسان من نظام حضاري معين الى نظام حضاري اخر ، ينبغي ان يكون على دفعات ، وهذا احد الروائيين العراقيين الذين يعيشون في السويد يتحدث في احدى رواياته عن رجل عراقي ( يعقوب ) صاحب بشرة سمراء يحظى بصداقة سويدية شقراء ( صوفيا ) امرأة جميلة رائعة مخلصة ، كانت تعامله على انه طفلها الحبيب المدلل وزوجها الشرعي وعشيقها المحرم وفتى احلامها ، وكان يعقوب بمثابة اباها واحياناً أمها واخاها ، كانت على استعداد لتهب يعقوب كل شيء.. المال والحب والثقة المطلقة ، ولكن يعقوب عندما فكر بالزواج وانشاء اسرة ، يستورد امراة من اهله ، لا يعرفها ولا تعرفه ، مجرد امرأة ضاقت بها السبل فأرادت الهرب من واقعها فقبلت بهذا الزواج ، يذهب يعقوب الى دمشق ليستقبل الزوجة التي لم يرها في حياته ، ويعود بها الى السويد ، وسرعان ما تنقلب الامور فتمارس هذه الزوجات المستوردات حريتهن على اوسع الابواب ، كما هن النساء الغربيات ، فيصاب هؤلاء الرجال بحيرة من امرهم ، فهم عندما جاءوا بزوجات مستوردات من بلادهم ، انما ارادوا ان يبنوا بيوتا ويكونوا اسرا شرقية ولكن على الارض السويدية ، ولكن لما فلت زمام الزوجة الشرقية المستوردة ، التي تحاول ان تكون مستغربة في كل شيء ، بعد محاولتها تقلد الغربيات في طبائعهن واخلاقهن ، راح يعقوب يلوم نفسه ، على تضحيته بصديقته ( صوفيا ) الجميلة الشقراء ، ولا هو كون اسرة ذات تقاليد شرقية اسلامية ، لماذا قلبت حياتي رأساً على عقب ، لله درهم اصدقائي هم الذين نصحوني بالزواج من عراقية ، لم يقل لي اصدقائي انهم كانوا متزوجين من نساء اقل ما يمكن القول عنهن بكل امانة وصدق انهن كن دميمات وغبيات ، وهن في الوقت نفسه يتمتعن بقدر كبير من التسلط على ازواجهن ، كم راودت يعقوب الرغبة بالصراخ بوجه أولئك الاصدقاء والقول لهم انهم ينجبون الاطفال من دون هدف ، وانهم يخضعون سطوة اولئك النسوة المسترجلات ، ويمضي الكاتب قدما في حديثه ملخصا معاناة يعقوب فيقول : فكلما فكر يعقوب بالرجوع الى وطنه يتذكر انه قد عاش في السويد ردحا من الزمن تعود فيها على نظام معين ، مهما كانت سلبياته ، فهو نظام متطور ومتماسك وغير مضطرب ، يمكنه هذا النظام من التمتع بخدمات التليفون والماء الحار ، والديمقراطية التي وفرت له حق الانتخاب والتصويت على سياسيين يختارهم هو بنفسه ، كما انه لا ينسى انه لم يسجن أو يعتقل طوال هذه الفترة من حياته ، التي قضاها في المنفى ، بسبب معتقداته الايديولوجية ولا بسبب شتائمه التي لا تنقطع على كبار ساسة البلاد ، كما انه لا ينسى ان بريده وتليفونه لم ترقبهما الشرطة السرية ، وهو يعمل في الدولة بكامل الحقوق الممنوحة للمواطنين السويديين ما يقارب ربع قرن ، حتى حصوله على التقاعد المبكر ، تلك هي مشكلة يعقوب الحقيقية ومشكلة معظم اللاجئين الاخرين ،وكأنه يقول لنا لا يمكننا الجمع بين تفاحتين في يد واحدة ،فأما تحمل الام الهجرة وهمومها ، واما الرجوع الى وطنك ، الذي انت اعرف به من غيرك ، وهذه كاتبة عراقية تعيش في المانيا تتحدث عن الامر ذاته ولكن وجهة نظر المرأة هذه المرة ، فـ(ذكرى )بطلة الرواية تفضل العودة الى وطنها ، على الرغم مما عانته وتحملته في سبيل الوصول الى المانيا ومن ثم حصولها على جنسيتها ،عندما اجبرتها السلطات على تحمل العيش مع مجموعات بشرية شتى من الاجانب مختلفي الانتماءات ، وسبب عودتها هو فشلها الاحتفاظ بزوجها العراقي ( اياد) ،الذي احبته وتحملت معه معاناة التشريد ،الذي فضل الانفصال عنها والاقتران بأخرى المانية ،طمعا بجنسية بلادها ، لأنه والحال هذه ماذا يمكن لامرأة عراقية مطلقة ان تفعله في منفاها وهي ترى زوجها السابق بأحضان امرأة غيرها ، هل تبقى في الغربة وتتزوج من رجل الماني اعتق الاسلام ( توماس ) ، او ترجع الى بلدها المحتل ، هذه المشاعر المتضاربة هي التي كانت تعتري (ذكرى ) وكل اللاجئات العراقيات اللاتي يمررن بالتجربة ذاتها ، فهي في حيرة من امرها فعقلها يقول لها ان السفر الى العراق في الوقت الحاضر مدعاة للسخرية وهو اسوأ قرار يمكن للإنسان عاقل اتخاذه ، ولكن قلبها يقول لها انها لا يمكنها العيش في بلد تجمعها سماؤه مع زوجها السابق ، وهي تراه بحض امرأة اخرى غيرها ، وفي النهاية تفضل (ذكرى )الانصياع لقلبها والتخلي عن (توماس ) لأنه يذكرها بألمانيا التي يعيش فيها (اياد ) ، لترجع الى بلدها ، وهذا كاتب عراقي اخر يعيش في شيكاغو يكتب عن شخص عراقي بسيط اوصلته المقادير من رفحاء الى شيكاغو ، يعمل سائق سيارة اجرة ( سعدان ) قرر الذهاب الى دمشق لجلب زوجته التي ارسلها اليه اهله ، ولكنه في الليلة نفسها التي قرر فيها الذهاب يتعرف على فتاة امريكية شقراء في احدى النوادي الليلية ( نيكول ) التي كانت قد انفصلت عن صديقا الامريكي وارادت اغاضته ، وتشعل الغيرة في نفسه ، من خلال سعدان ، فتطلب منه الاعتناء بمظهره حتى يكون ندا لها في اماكن اللهو والرقص ، فيبذل سعدان في سبيل ذلك كل مدخراته ، وفي النهاية تتصالح نيكول مع صديقها وتطرد سعدان الذي ، انفقت امواله كلها ولم يبق لديه ما يستطيع به السفر الى سوريا لجلب الزوجة المسكينة ، فيقرر الرجوع الى العراق ولكن بعد فوات الاوان …
وخلاصة الموضوع يمكن ايجازها بأسطر قليلة ، وهي : ان كلا الطرفين ( الرجل ـ المراة ) عندما ينتقل للعيش في وسط غربي يفقد توازنه ،بسبب عدم تحمله اجواء الحرية التي هبت عليه دفعة واحدة وليس دفعات ، اذ ليس من السهل انتقال الانسان من مجتمع مغلق الى مجتمع مفتوح دفعة واحدة ، فيحاول مسرعا اللحاق بما يعتقد انه قد فاته من ملذات الحياة ،فتتفكك الاسرة ويذهب الاطفال ضحية تلك النزوات ، وبعد فوات الاوان ورجوعهما ( الرجل ـ المراة ) الى رشدهما يجدا ان الوقت قد فاتهما ، وعبثا يحاولا انقاذ ما يمكن انقاذه … انها ضريبة الاغتراب ، فاما ان تقبل العيش وسط مجتمع غريب عنك بالتقاليد والقيم ، متحملا في سبيل ذلك جانبه السلبي ، ولكنه وفر لك كل سبيل الحياة الكريمة ، واما ان ترجع الى وطنك متحملا شغف العيش ، يبدو لي ان الروائي العراقي عندما يؤكد على صعوبة الجمع بين الحفاظ على التقاليد والقيم وبين الاندماج وسط مجتمع غربي ، ولاسيما للآباء الذين لهم بنات بسن الزواج ،انما يشير الى صعوبة اندماج كلا الثقافتين في بوتقة واحدة ، فاما ان ينطوي المهاجر ويتقوقع على نفسه وينطوي ،مفضلا الحفاظ على ارثه الحضاري والثقافي ، واما ان ينسجم مع عادات وتقاليد مجتمعه الجديد ، ضاربا عرض الجدار كل موروثه الثقافي ، وعلى اية حال فان هذا فيما يخصه هو ، واما فيما يخص الابناء فهو في كلا الحالتين ، سواء اندمج ام لم يندمج ، لا يستطيع التنبؤ بما سيؤول اليه مصيرهم ، ولكن الامر المؤكد هو انه لا يستطيع فرض وصايته عليهم !!!