وأخيرا..انطلق الصوت الهادر من أهالي مدينة كاظم الغيظ (ع ) ليعلنوا هذه المرة ، الخروج عن صمتهم، ليقولوا للظالمين والفاسدين،ومن تجبروا وطغوا: كفا ظلما لشعبكم، وكفا تجاوزا على حرماتالبشر..فقد بلغ السيل الزبى، ولم يعد للصبر من منزع كما يقال!!
أجل..قالها أهالي الكاظمية،عبر البغدادية، بعد ان أباح لهم الأمامين (ع )، الافصاح عما يدور في خلجاتهم من لظى عذابات رجال السياسة ومكر ودهاء المعممين، ومن تركوا تلك المدينة المقدسة تحيطها الازبال والقاذورات، وهي بلا ماء او كهرباء او أبسط أنواع الخدمات!!
قالها احدهم : ان الثروة التي يمتلكها البلد، وثروة الإمامين( موسى بن جعفر وحفيده محمد الجواد عليهما السلام ، بامكانها ان تعبد شوارع هذه المدينة بالذهب وليس بالاسفلت، ومع هذا فأن مايحيط بهذا المقام المقدس من قاذورات وازبال ، وانعدام الخدمات ، يشيب له الولدان، من شدة جوره ووطأة ماحل بالمدينة من حرمان وفقر وحصار خانق، وفقدان أبسط معالم المدينة او المدنية ولو في أبسط أشكالها!!
لم يستثن أهالي الكاظمية ، خلال احاديثهم لمراسل البغدادية ، حاكما ، او رجل دين معمم..من كل الطوائف والمذاهب، او ممن كان حافيا والان يمتلك الثروات الفاحشة والعمارات الشاهقة في مدن الدنيا، واهله وشعبه يئن من الجوع والمرض وتدني الخدمات، وفقدان أي شيء لمعالم حق الانسان في الوجود، الا وسلطوا عليه جام غضبهم وصبوا عليه اللعنات ،لأن حال مدينتهم التي كانت منورة، وقد احاطتها مخلفات الازبال والقاذورات، واصبحت مدينة خربة وكأنها من المدن الدارسة من ذكريات الماضي البعيد!!
أجل قالها أهالي الكاظمية، بملء أفواههم : ان الشعب العراقي اصبح الان كله يغلي، ولكن ليس على نار هادئة هذه المرة، بل بركان غضب يتفجر غيضا مما حل بالبلد والعباد من خراب ودمار، ولم يعد ينظر اليها من قبل اقطاب السلطة وشخوصها بما تستحقه من القدسية والتبجيل والاحترام !!
قالها أحدهم : لم يكن الإمام موسى الكاظم (ع) سجينا لوحده، بل اصبح كل أهالي مدينة الكاظمية سجناء في محلاتهم وشوارعهم، وتحولت الى متاريس، يصعب على أي مواطن قادم من خارجها زيارتها الا بشق الأنفس!!
هناك حقيقة يدركها العراقيون ان شيعة العراق هم اهل الثورات، وهم من يحطمون الاصنام ويزيلون الدكتاتوريات، ويقيمون الدنيا ولا يقعدونها عندما يصل امتهان الكرامة حد ان تدنس ارض الأئمة والأولياء، ولا أحد يعير لمقاماتهم اهتماما، عندها تثور ثائرتهم، ويقلبوا عاليها على سافلها، ولا تأخذهم في الحق لومة لائم!!
قالوا عنهم : إنهم الفقراء والمعدمون، وهم من يصبرون على الضيم وكبوات الحكام وطغيانهم وغطرستهم..ولكن هذه المرة قالوا : ان للصبر حدود!!
الشيعة يامن تتحدثون بإسمهم هم المفكرون والمثقفون والشعراء والادباء والفنانون وصناع كل المهن والمبدعون في كل مجالات الحياة، وهم جيوش البطالة والفقر والفاقة والحرمان، وهم من يحاربون دواعش الفكر والفساد والنهب والسلب ،وهم، أي فقراء الشيعة ومعدموها، وحدهم من يحاربون كل هذا من خلال حشد شعبي، كأنهم هم المبتلون بالدفاع عن وطنهم وغيرهم يتفرجون!!
والمعروف أن الشيعة هم من تحملوا طيلة حياتهم قساوة الدنيا وظلمها وجور الحاكمين عليهم، إكراما لمكانة رموزهم ومقدساتهم ، التي هي لديهم أعز مايملكون في هذه الدنيا الفانية، اكراما لمقام الآخرة الباقية ، ولأئمتهم الكرام!!
لكن أن يصل الحال حد قطع ارزاقهم وان يسومهم القائمون عليهم والحاكمون بإسمهم سوء العذاب ،فهذا خط أحمر لم يعد الصمت عليه أمرا ممكنا، وهم يرددون بأعلى صوتهم مقولة الإمام علي (ع) : قطع الاعناق ولا قطع الأرزاق!!
بل أن حتى إمامهم ( كاظم الغيظ ) قد أحل لهم ان يخرجوا عن غيضهم هذا، بعد ان تحول الشعب كله الى سجين مظلوم، كما هم يقولون ، لاحول له ولاقوة.!!
وها هم أهالي الكاظمية ،وكل اهالي المدن المنكوبة بظلم هذه الحكومة قد اعلنوها صراحة وبلا وجل او خشية من أحد : ان حر الصيف اللاهب، قد يحول ثورتهم الى غضب شعبي يحرق الاخضر واليابس ان لم يتم وضع حد لهذا الطغيان والتمادي في إذلال ونهب اموال الشعب والعباد!!
إحذروا ثورة الحليم اذا غضب: هذه العبارة ، لم يرددها اهالي الكاظمية لوحدهم ، بل أصبحت لسان حال كل محافظات الوسط والجنوب وحى المحافظات المحتلة من داعش، التي وصل الظلم والطغيان وانتهاك الكرامات في مدنها مديات مرعبة، وهم قد قالوها بكل الجرأة والصراحة : اذا لم يتم الاستجابة لمطالب الشعب الساخط في وقت قريب، فعلى من تحدثوا بإسمهم وسرقوا ثورتهم، ان يبحثوا لهم عن بلاد أخرى، ويعودوا أدراجهم من حيث أتوا!!
والعراقيون لم يثأروا ضد انقطاعات الكهرباء الطويلة، وان كانت قاسية عليهم ، لكنهم ثأروا لكل هذا النهب لثروات شعبهم وضياع المليارات في موازنات الدولة، ولا أحد قد تم محاسبته،أو اعادة ماسرق الى خزينة الدولة، التي بقيت خاوية عروشها، والسراق والفاسدون من رموز السلطة وبعض رجالات دينها،قد تحولوا الى مليارديرية يجوبون بنوك الدينا لتوديع خزائنهم، واقاموا لهم هناك فللا وعمارات شاهقة، وشعبهم يتضور من الجوع والعطش والفاقة والحرمان وانعدام فرص العمل وتدني الخدمات، واختفائها حتى في أبسط اشكالها!!
إقرأوا تاريخ العراق جيدا ،تجدوا ان شيعة العراق هم مصدر الثورات ، وهم من يوقدون شعلة انطلاقتها، وهم من يسقطون العروش ، ويسحلون الظلمة والفاجرين، والناكرين لجميلهم، يوم أوصلوا هؤلاء الحاكمين الى كراسي السلطة، وبعضهم لبس العمامة، ثم تخلى عنهم، عندما وجد ان من مصلحته، ان ينتصر لدنياه دون آخرته!!
لقد كانت قناة البغدادية، الحاضرة دوما بين أوساط المحرومين ومن تجرعوا منذ أكثر من عشر سنوات، كؤوس المرارة ، وتبقى هذه القناة ، صوت من لاصوت لهم..وقد حان وقت القصاص، ودنت ساعة الخلاص من كل هذا الجور والظلم الفادح الذي فاق كل تصور!!
وهنا تصح على ثورة العراقيين وغضبهم على مأساة حكومتهم،مقولة الشاعر العربي ابو القاسم الشابي : اذا الشعب يوما اراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر