كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن تقرير صادر عن المركز العالمي للدراسات التنموية في العاصمة البريطانية لندن يحذرفيه من تعرض العراق للإفلاس سنة 2017. و قد نشر هذا التقرير في شباط من سنة 2014 عبر العديد من وسائل الإعلام العربية و العالمية و أثار حينها زوبعة من الآراء الاقتصادية والسياسية فمنها من اعتبره نتيجة حتمية للفساد المالي و الإداري و منها من اعتبره حرباً إعلامية على حكومة المالكي في حينها.
و بغض النظر عن النتيجة التي وصلنا إليها اليوم و التي تتفق في معظمها مع ما (حذّر) منه التقرير و خاصة من حيث الوضع الاقتصادي الصعب الذي يمر به العراق إلا أن هذا التقرير عاد و أصبح محل جدل مرة أخرى.
فبعد أن قامت بعض وسائل الإعلام بنشر التقرير مرة أخرى على أنه صدر هذا العام عادت الردود حوله لتتصدر أيضاً مواقع التواصل الاجتماعي. و بالرغم من أن التحذير ما يزال قائماً بسبب هبوط أسعار النفط إلا أن سعر النفط في زمن كتابة التقرير (شباط 2014) كانت تراوح عند 100 دولار للبرميل في حين أنها اليوم (27 تموز 2015) بلغت 53 دولار لخام برنت.
و في الوقت الذي تحدث التقرير عن سعر أساس في موازنة 2014 على أنه 90 دولار فإن سعر الأساس في موازنة هذا العام 56 دولار للبرميل. لذا كان واضحاً أن التقرير الذي أعيد نشره هو تقرير قديم مدته تتجاوز العام.
اللافت للنظر أن من نشر التقرير مجدداً من وسائل الإعلام فاته هذا الأمر مركزاً على مسألة دفع الرواتب و عدم قدرة الدولة العراقية على ذلك مستندين في هذه الحقائق على ما يعيشه العراق اليوم من تقشف و أزمة مالية. و هذا يعتبر خطاً مهنياً إذا يتوجب على وسائل الإعلام توخي الدقة في نشر أخبار قديمة أو تقارير سبق و تم نشرها و أن يتم الإشارة للتقرير بصيغة التحذير المسبق و ليس تقرير حالي.
لكن ما حدث أن السيد وزير النفط عادل عبد المهدي عاد و ارتكب ذات الخطأ بالحديث عن التقرير و كأنه وليد هذا العام 2015. و لم يلاحظ الوزير (أو أنه تعمد ذلك) أن الحديث عن سعر النفط كان في زمن الـ 100 دولار للبرميل أو أن سعر الأساس في الموازنة كان عن الموازنة السابقة. يضاف لذلك حجم الانتاج النفطي من العراق و الصادرات و غيرها من الأرقام التي تشير إلى أن التقرير في جله بني على معلومات من العام الماضي 2014.
و طلب الوزير عبد المهدي من الإعلاميين توخي الحذر و عدم نشر تقارير لمراكز وهمية في حين أنه لم يطلع على تقارير المركز السابقة التي تناولت عدة بلدان و أمور اقتصادية نشرت في وسائل إعلام عالمية لا تتعلق فقط في العراق و إنما حتى في أمور تتعلق بأبحاث علمية.
و سواء أتفقنا مع تحليل السيد الوزير عادل عبد المهدي فإنه كان حرياً به ألا يعالج الخطأ بخطأ لأن هذا الأمر سيزيد من تعقيد الأمور و يعتبر هروباً إلى الأمام.
و يبدو أن الساسة في العراق لم يتعظوا من التاريخ الذي عانوا منه هم فبدلاً من أن يتم الاستفادة من تقارير هذا المركز و غيره من المراكز العلمية و البحثية يتم تهميش أو تمييع ما حذرت منه مسبقاً أو ما تنصح به من سياسات. و هذا إن دل على شيء فيدل على أن من يطالب الإعلام بالمهنية يفتقد إليها و يحاول التغطية على الشمس بأصبعه.
لقد صار جلياً و واضحاً أن اقتصاد العراق في وضع صعب و أن معالجة الأزمة المالية بزيادة الصادرات النفطية لا تحل الأمر خاصة و أن أسعار النفط اليوم تقترب مرة أخرى من 50 دولار للبرميل و إن تحسنت فهي لن تتجاوز 70 دولار هذا العام. لذا يجب الاستفادة من جميع الخبرات المحلية و الأجنبية و أن يتم تدارك الأمر و إلا فإننا نسير باتجاه ما لا يريد السيد عادل عبد المهدي تصديقه و هو ما لا نرجوه جميعاً.