وجدت مرجعية النجف نفسها في قمة الجدل السياسي بعد نيسان 2003، لتتحول الى مؤكز استقاطاب دولي بشهادة زيارة أغلب المسؤولين الأمرييكن و الدولين بحثا عن عقلانية الراي، مع الخذ بنظر الأعتبار أهتمام أحزاب السلطة برأي المرجعية للحصول على تأييد شعبي، خاصة و أن أغلب هذه الأحزاب بلا قاعدة جماهيرة لذلك أحتمت بالطائفية للتغطية على جماهيريتها المفقودة شيعيا و سنيا، حيث تعود العراقيون تجربة الحكم الليبرالي المؤدلج.
و يتفق اصحاب الرأي و المشورة على أن مرجعية النجف نجحت في تشخيص الخطا الحكومي لكنها لم تجتهد كثيرا في معالجته بالاحتكام الى رأي الشعب سواء تعلق الأمر بملفات نهب المال العام أو شحن الشارع المحلي بشعارات الفتنة الطائفية، حيث أنتظر الجميع فتاوى من المرجعية بالتحريم و التجريم ، بعيدا عن تهمة مجاملة الحكم للمحافظة على التجربة الطائفية الفتية.
ورغم أن المرجعية أوصدت أبوابها بوجه السياسيين الفاسدين فانها لم تطلب من الشعب محاسبتهم باحتجات انتخابية أو مواقف شعبية، رغم أن كلمتها مسموعة، ما أوجد حالة من الارباك في قراءة ردود الأفعال، رغم خطورة ما يجري على الأرض، فالمواطن عندما يفقد ثقته بالحكم يدير وجهة الى الدين و رموزه، وهي قضية كان لها أن تقلب المعادلة لو أتخذت المرجعية خط الشروع الأول بمعاقبة الفاسدين بعيدا عن ولاءاتهم الطائفية، ما يثير سؤالا حيويا حول مدى نجاح المرجعية في تجييش الشارع المحلي ضد ملفات الفساد و تأليب الشارع بمفاهيم الفتنة..
والجواب على ذلك لا يختزله الموقف غير القطعي الذي سارت عليه المرجعية من الولاية الثالثة للمالكي، فهي لم تمانع بشكل واضح المعالم، لكنها أرسلت الاشارات، وفي هذه النقطة بالذات فأن الوضع الحرج جدا الذي يعيشه العراق بحاجة الى موقف صريح لا اجتهادات قابلة للتأويل، علما أنه لولا تأييد المرجعية لوجدت الكثير من الأحزاب و عناوينها الطريق مفتوحا الى قارعة النسيان، من هنا فان المرجعية مدعوة أكثر من اي وقت مضى للوقوف بوجه ملفات الفساد و تدمير هوية العراق على مقصلة التناحر السياسي خاصة و أنها تمثل عنونا للحكمة وقبلة للراي بشهادة ملايين العراقيين.
ونحن هنا لا نحمل المرجعية لوحدها مسؤولية ترهل الوضع في العراق، لكننا نطرق أبوابها بحثا عن حلول يراها السياسيون ترفا، بينما تسببت مواقفهم بارتفاع عدد الأرامل الى أكثر من مليون و نصف مقابل ما يربو على 4 ملايين يتيم، ما يعني
فقدان المعيل لما يزيد عن6 ملايين عراقي، بينما يعيش 60 من الباقي تحت مستوى الفقر، ما يعطي صورة دقيقة عن حجم المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتق مرجعية النجف لايجاد الحلول لمعضلات عراقية تهدد المواطنين و تحمي السياسيين، وفيها يتبين العقلاء الخط الأبيض من الأسود وهنا يجب أن تدق المرجعية ناقوس الخطر، سيما و أن قافلة المحرومين تزداد طولا و عرضا بطريقة مختلفة عن تخمة السياسيين بشهية مفتوحة لمزيد من السحت بالتخفي وراء عناوين الفتنة، ما يضع على عاتق المرجعية الدعوة الى انتفاضة شعبية لتصحيح المسارات لا مفاقمة الانقسامات، وهو ما ينتظره العراقيون كي يلتحقوا بركب الباحثين عن الكرامة على ركام مشاريع القتل الرسمي!!