سأروي لكم أعزائي القراء اليوم حادثتين طريفتين , وفي نفس الوقت غريبتين نوعاً ما , لكنهما ذات مغزى ومعنى وإشارات لا يلتقطها إلا أصحاب الرأي والحكمة والفطنة , تنطبقان تماماً على سياسينا وقادتنا الأشاوس بالرغم من أن الثانية مضى عليها ما يقرب من قرن من الزمن :
الأولى عن جلب ( كلب ) جيراننا , والثانية عن كلب حراسة أحد شيوخ الفرات الأوسط في بداية تأسيس وقيام الدولة العراقية , لكنهما .. أي هذين المثلين وغيرهما من الأمثال العراقية المعبرة والهادفة ظلت تهمس وتلازم آذان العراقيين , ومع مرور الزمن كانت ومازالت يتندر بها الناس , وأمثلة متداولة حتى يومنا هذا , لما تجسداه من معاني تنطبق على واقعنا العراقي المرير والمزري , وعلى قادة وقيادات البلد الجدد ( سياسي الصدفة ) .
لم نأتي بجديد إذا قلنا عن أنفسنا كعراقيين بأننا شعب عجيب ,غريب الأطوار , أقولها ليس كوني عربي عراقي , ولكن بشهادة جميع شعوب ومفكري ورحالة العالم الذن زاروا أو مروا أو استوطنوا في بلاد ما بين النهرين , وبشهادة عامة أبناء الشعب العراقي نفسه , بكل طوائفه وقومياته وأديانه .
نعم بلا أدنى شك وبكل فخر واعتزاز ممزوجان بالألم والحسرة والأسى لما حل بنا من كوارث ومصائب قل لها نظير , لكننا رغم حجم الكارثة مازلنا نصّر بأننا في نهاية كل مطاف سننتصر وسننهض كالعنقاء من تحت الركام ..
لسبب بسيط , فنحن شعب طيب جداً , لا تجد شعب على وجه الكون أطيب منه , شعب كريم مضياف لا يوجد شعب يضاهيه بالكرم أبداً , شعب شجاع غيور صاحب قيم ومبادئ وغيرة وحمية , شعب لا يخون ولا يغدر بمن يلجأ أو يحتمي عنده مهما كلف الأمر, صاحب مروءة لا يطعن بالظهر أبداً , وربما الشعب الوحيد الذي يستطيع أبنائه وشيوخه حل أكبر مشكلة ومعضلة تحدث بين أبنائه على اختلاف مشاربهم وقومياتهم .. بشربة شاي أو قهوة وبالحظ والبخت كما نقول بالعامية , ودون اللجوء للمحاكم والقضاء , شعب يقهر المآسي والأحزان والمصائب والكوارث ويتأقلم معها ويحولها إلى أفراح وأتراح وأحياناً إلى نكته , شعب لم يسبقه أحد في امتلاك ناصية العلم والمعرفة , كلآداب والفنون والموسيقى والشعر والغزل والأمثال والعبر وأهازيج الفخر والاعتزاز بالنفس , لنه في نفس الوقت شعب متطرف بكل شيء , يحب حتى الجنون , ويكره ويمقت حد اللامعقول , شعب يثق ويصدق بالوعود وينجر وراء العواطف , وعندما يصحى وينتبه بأنه غرر أو غدر به , يثور , عنيف , يقلب الطاولة ويحرق كل شيء أمامه وينتقم شر انتقام ممن يخونه ويغدر به , شعب بعيد عن الوسطية والتعقل والتريث تماماً , لا يعرف المجاملة والتصنع , وخاصة قادته وسياسيه إلا ما ندر , شعب لا توجد قوة على وجه الكون تستطيع أن تقهره أو تروضه أو تدير شؤونه كما يحلو لها , بشهادة كل من حاول أن يلوي ذراعه عبر حقب التاريخ المختلفة , بما فيهم آخر أقوى وأعتى قوة احتلته ودمرت أرضه وأحرقت حرثه ونسله كما هي ( الولايات المتحدة الأمريكية ) منذ عام 1991 , وقد فشل أعظم قادة العالم القديم والمعاصر وجميع القوى والإمبراطوريات أن تحتله وتهيمن وتسيطر عليه حتى بعد إبادتها لكافة سكانه من الذكور كما فعل الإخمينيين والمغول وغيرهم .
الآن وبالعودة لرباط السالفة , وسبب اختيارنا لهذا العنوان أعلاه :
عندما كنا أطفالاً لطالما كنا نسمع البعض من شيوخنا وآبائنا وأجدادنا يضربون ويستشهدون بأمثال غريبة عجيبة أصبحت اليوم حقيقة , كانوا ينتقدون الأوضاع السائدة ويتحدون الحكومات ويثورون وينتفضون على الواقع مهما كلف الثمن , قاتلوا وحاربوا البريطانيين وأخرجوهم من البلاد بأبسط الأدوات , ينتقدون ويقومون أي شخص مهما كانت مكانته أو علا شأنه في المجتمع أو الدولة إذا خرج عن المألوف أو خان تربة الوطن , ولم يسلم من حسجتهم وبساطتهم بالطرح وتوجيه النقد اللاذع حتى الملوك والرؤساء , بما فيهم ملك العراق المغفور له فيصل الأول رحمه الله .
بالرغم من وفاء هذا الحيوان ( الكلب ) لكن العراقيين بالذات عندما يريدون أن ينعتون أحد أو يسبونه .. يصفونه بالكلب !, ولو قارنا البعض اليوم بهذا الحيوان الأليف والوفي لوجدنا أننا نتجنى كثيراً على هذا الحيوان الوديع , لأنه لا يستحق أن يوصف أو يشبه بهؤلاء القتلة والمجرمين والسراق وعديمي الضمير والوفاء والإنتماء لهذا الوطن وهذا الشعب لا من قريب ولا من بعيد , أتذكر جيداً كان عند أحد جيراننا تكرمون جلب ( كلب ) حراسة شرس يضرب به المثل , وكان في أغلب الأحيان عندما يخرج خارج مناطق النفوذ المسموح له التحرك فيها , تهجم عليه كلاب المنطقة فتوقع وتنزل به أقصى العقوبات من نهش وعض فتدميه وتقهره وتذله !, فيعود مهاناً منكسراً, وأول ما يقوم به من عمل بعد عودته , يهاجم ويعض كل من يصادفه من أهل البيت !, فصار يضرب به المثل فيقولون (( فلان من الناس جبان لا خير فيه , ما قادر غير فقط على أهله … مثل (( كلب بيت فلان من تعضه كلاب المنطقه يعض أهله )) .
يروى كذلك أن قادة ثورة العشرين من شيوخ عشائر الفرات الأوسط ، قد ذهبوا مهنئين ومبايعين الأمير فيصل ، بمناسبة تتويجه ملكا دستوريا على العراق ؛ ولما كان حفل التتويج خطابيا ً : فقد أبدع ساسة العراق الوطنيين وزعماءه بإلقاء خطبا رنانة هنئت ، وباركت ، ومدحت ، وقدحت ، وحذرت ، وطالبت ، وذَّكرت .
أما ثوار الفرات الأوسط : الذين يجيدون كل شيء إلا الخطابة ، اختاروا أبرزهم ليلقي كلمة باسمهم ، فقال مخاطبا جلالة الملك المعظم الهاشمي الحجازي فيصلا ً الأول :
” حضرة الملك .. آنه ( أنا ) لا أقرا ولا أكتب .. و لا أعرف أخطب .. بس أريد أسولفلك سالفه ( أحدث لك حدوثة ) .. هي خطابي :
عندي قفص دياي ( دجاج ) ، حاطه بصف المضيف ، امخليه للخطار ، خافن أتوازه بالليل ، أذبحلي منهن ديايه ديايتين. وعندي جلب ( كلب ) – وانت بكرامه – يحرس القفص ، و خادمك كاظم هم ينطر ( يحرس ليلا ) وياه . يوم ورى يوم شو الديايات كامن ينقصن يغاتي !
نشدت خادمك كاظم ، كلتله : شني السالفه ؟
كالي : بويه ، هذا واوي يجي ليليه ( كل ليله ) يلعب وي جلبنا ، ويتكشمرون ( يتمازحون ) ، وأنوب الواوي – وانت بكرامه – يفعل بجلبنا ، ومن يخلصون ، ييبله ( يجيبله ) ديايه ويطيها للواوي ؛ حضرة الملك : آنه – وحاة أبوك – ما صدكت ..إلى أن رحت وشفت بعيني : جلبنه ليليه يفعل بيه الواوي ، وفوكها ييبله ( يجيبله ) ديايه من دياياتي ويطيهياه ..
فيا ملكنا المعظم : نريدك ما تصير مثل جلبنه !! ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ” .
كما أشرنا أعلاه هذا هو واقع الحال للأسف اليوم , لكن أحبائي .. إقرأوا وفككوا الرموز والشفرات وحللوا ما بين السطور , عندها ستعرفون نقصد من !؟, ويبقى التقييم والتحليل لأصحاب العقول النيرة وأبناء العشائر والمضايف العربية العراقية الأصيلة .