15 نوفمبر، 2024 3:02 م
Search
Close this search box.

التراث و المعاصرة

التراث و المعاصرة

خطان فكريان يطرحان رؤاهما في الساحة الاسلامية ، و يتمسكان بمواقفهما ، و لم يقدما حلولاً ناجعة لمشاكل المسلمين او يقدما فكراً اسلامياً منتجاً يعكس حقائق الاسلام بوصفه رسالة سماوية انسانية حضارية شاملة . فالخط الفكري الاول يتمسك بالتراث و النص دونما يلتفت الى الحقائق العلمية و المادية التي يشهدها العالم المتمدن ، و لا يقدر او يهتم بحاجات الانسان الطبيعية لأشباعها و الانزواء في اعماق التأريخ ، و أخذ قضاياه دون ربط او إفادة من العلوم و التقنيات و مواكبة روح العصر ، مما حدا بالخط الفكري الآخر ( المعاصرة ) لأن يتهمه بالجمود و الركود و التحجر و يدعو لثورة على الفهم و الفكر القديم باعتباره لم يقدم منجزاً فكرياً او مادياً يماهي الحضارة المادية المعاصرة التي بدأت تزحف بثقافتها عبر العولمة لاكتساح الاسلام و المسلمين ، حتى اصبح المسلمون عاجزين تماماً عن مواكبة هذه الحضارة المادية الهائلة بمنجزاتها . كما يدعو انصار المعاصرة الى هجر التراث باعتباره يمثل و يعكس فترة تاريخية محددة ، و عليه فأنه لا يعي حاجات الفرد و المجتمع المعاصر ، لأنه لم يعد لها وجوداً . و من هنا انطلق كتاب هذا الفكر بالتشنيع و النقد اللاذع لأصحاب الخط الاول ، و منهم ( الخط الفكري الثاني ) محمد اركون ، نصر حامد ابو زيد ، عبد الكريم سروش . على ان معظم مفكري الخط الثاني قد جاء متأثراً الى حد بعيد بالفكر و الحضارة الغربية ، مما دفع انصار التراث ان يتهموهم بشتى التهم . ان الفكريين كلاهما لم يعالجا مشكلة ، او يقدما حلاً ، فلم يصيبا الغاية او يعرفا الهدف بوضوح ، ليقدما حلاً ناضجاً لمشكلات المسلمين و انقاذهم من حالة التخلف والتقهقر . ان الحالة الوسطية هي التي تمثل الحل الامثل ، فالتراث يُستلهم و يُقرأ قراءة جديدة بعقلية علمية معاصرة ، و الخروج بآراء و أحكام و حلول منتجة تلبي حاجات الفرد و مجتمعه ، اي تقديم رؤية جديدة للإسلام بخطاب علمي معاصر ، و الافادة من العلوم و التجارب العلمية الحديثة ، و هذا بحاجة الى عقيلة اسلامية موسوعية ، توسع من دائرة معارفها و احاطتها بكل جديد . قراءات جديدة للنصوص الاسلامية بهكذا منظور ، و تقديم نظرية شاملة متكاملة في شتى الابعاد ( سياسية ، اقتصادية ، اجتماعية ….. ) ، لتغيير واقع المسلمين و تعرض حلولاً و معالجات لمشاكل الانسان المعاصر ، و تقدم صورة ايجابية بناءة عن الاسلام ، بوصفه ديناً انسانياً حضارياً متمدناً ، و خطاباً الهياً خالداً ، يلبي جميع حاجات البشر على مر الازمان و العصور . و في الختام فأني اعتقد ان بعض الافكار و الحركات الاسلامية المتطرفة هي ردة فعل على خواء الخطاب الاسلامي و الروح الانهزامية التي يعيشها المسلمون تجاه الحضارة المادية الغربية جراء ذلك الخطاب . فضلاً عن الاستغلال و الاستثمار الغربي في عقول هذه الحركات و التسبب في انشاءها و تصنيعها و دعمها لتعميق فجوة الخلاف بين المسلمين و الوقيعة بهم . لذا لا بد من قراءات جديدة و فهم جديد للحقائق و الوقائع والعالم المعاش و إعادة انتاج نظرية اسلامية شاملة ، تواكب روح العصر و تلبي تطلعات شعوبها .

أحدث المقالات

أحدث المقالات