ألظلم من أبغض الأمور في الدنيا وقد حرمّها الله سبحانه وتعالى على نفسه وعلى عباده في جميع الشرائع السماوية, وللظلم مرارة وألم وحسرة لايعرفها ويشعر بها إلا من تذوق طعم الظلم وقساوته, وقد حذّر رسولنا الكريم من دعوة المظلوم وأخبرنا بأنه ليس بينها وبين الله حجاب.
ألعراقيون تجرّعوا ألوان عديدة من الظلم على مرّ عقود طويلة وعانوا منه كثيراً وما أريد تسليط الضوء عليه هو قضية مهمة وخطيرة وفيها نوع جديد وقاسي من الظلم الحكومي للمواطن.
ألقضية في البداية حدثت كثيراً ولازالت تحدث يومياً في بغداد ومعظم المحافظات العراقية وأصبحت مألوفة وشائعة من كثرة تكرارها وهي (تعرّض لجان استلام الرواتب في مؤسسات الدولة للسرقة والتسليب تحت تهديد السلاح وسرقة رواتب الموظفين في وضح النهار وتحت أنظار الحكومة الموقرّة) ومن المعلوم أن هذه الحوادث حصلت بسبب الإنفلات الأمني الذي يعيشه البلد وانتشار العصابات المسلحة التي تسرح وتمرح بحرية نتيجة انتشار السلاح خارج قبضة الدولة والمفروض أن تتحمل الحكومة وأجهزتها الأمنية نتائج هذا التقصير في توفير الأمن للمواطن, وقد كتبنا في هذه المواضيع وقدّمنا المقترحات للقضاء أو تقليل هذه الحوادث حتى جفّت اقلامنا ولا من مجيب وبقي الحال على ماهو عليه حيث لايمرّ شهر إلا ويتم تسجيل العشرات من الحالات المتكررة لهذه الحوادث وسجلات وزارة الداخلية تؤكد كلامي هذا, وان أكثر هذه الحوادث تحدث مع اللجان الخاصة باستلام الرواتب في وزارة التربية التي لم تتخذ أي إجراءات أو حلول للحدّ منها ولم تفعل مافعلته بعض الوزارات بتوزيع الرواتب عن طريق البطاقة الذكية التي تنهي هذه المأساة.
لقد أطلعت على تفاصيل بعض الحالات التي حدثت في بغداد في بعض المدارس ومارافقها من إجراءات قانونية تبدأ بأن تقوم اللجنة التي تعرضت للسرقة وهي تتكون على الأغلب من مدير المدرسة أو أحد معاونيه وعضوين آخرين بتقديم شكوى بالحادث الى أحد مراكز الشرطة القريبة من الحادث ويتم تدوين أقوالهم من وصف كيفية حدوث الجريمة ووصف المجرمين الذين قاموا بها والمكان وتفاصيل أخرى تتعلق بالحادث, وبعدها تقوم إدارة المدرسة بتبليغ مديرية التربية بكتاب رسمي تشرح فيه الحادث وبدورها تقوم المديرية بتشكيل لجنة تحقيقية من كوادرها تقوم بزيارة المدرسة وتدوين أقوال اللجنة والكادر التدريسي, وفي معظم الحالات التي حدثت يقوم جميع أعضاء الكادر التدريسي بالتنازل رسمياً عن حقهم في الرواتب المسروقة تضامناً مع زملائهم أعضاء اللجنة ومن الطبيعي أن لايحدث مثل هذا التنازل لو كان هناك أدنى شك في نزاهة اللجنة وهذه الثقة قد تولّدت نتيجة سنوات طويلة من الزمالة والعمل المشترك, وترفع نتائج التحقيقات بعد إستكمالها الى وزارة التربية ومعظمها لم تضع أي تقصير على رئيس وأعضاء اللجنة لأن ملابسات الحادث واضحة للعيان ويفهمها العاقل بسهولة ,ومن الطبيعي انه لايوجد أي تعويض للرواتب المسروقة من
قبل الوزارة ويكون الخاسر من هذه الجريمة هو المعلم أو المدرس الذي فقد قوته وقوت عائلته الشهري الذي ينتظره على أحرّ من الجمر والخاسر الأكبر يكون أعضاء اللجنة التي تعرضت للخطر والخوف وتهديد السلاح إضافة لخسارتهم لراتبهم الشهري.
ماحصل مؤخراً وبعد مرور فترة طويلة على بعض الحوادث والتي قد تصل الى سنوات انه تم استدعاء العديد من اللجان التي تعرّضت للتسليب الى المحاكم بشكل رسمي وبتبليغات رسمية استلموها عن طريق مديريات التربية وبصفة (متهمين) وليسوا (مشتكين) علماً ان جميع الأوراق التحقيقية التي تخص قضاياهم قد تم تثبيت صفة (المشتكي ) لكل منهم لأنهم هم من تعرضوا للضرر والخطر قانوناّ, ونتسائل هنا من الذي قام بتبديل الصفة من مشتكي الى متهم وعلى أي سند قانوني اعتمد؟ وبعد مراجعات طويلة بين أروقة المحاكم والوزارة تم إعادة استدعائهم في وزارة التربية بحجة إستكمال التحقيق(بعد سنوات من وقوع الحادث) وبعد أخذ أقوالهم مرة أخرى وهي نفس الأقوال في المحاضر التحقيقية الأولية والتي لم يتم تقصيرهم فيها طلبوا منهم الانصراف وانتظار نتائج استكمال التحقيقات بشكل نهائي, والأمر الغريب والمستهجن هو ماحدث من أمر مفاجيء بصدور كتب رسمية من وزارة التربية الى المديريات التابعة لها والتي حدثت فيها حوادث التسليب والسرقة وتأمر بـ (تغريم رئيس وأعضاء لجنة الاستلام مبالغ الرواتب المسروقة بالكامل) وهي مبالغ كبيرة جداً, فهل هذا حق ومن يرضى بهذا الظلم والجور الذي ارتكبته وزارة التربية؟ وهل يعلم وزير التربية بهذا الظلم الذي حدث في وزارته أم انه نائم في العسل؟ ونتسائل بأي سند قانوني تم اتخاذ مثل هذه القرارات الجائرة بحق المشتكين من أعضاء هذه اللجان التي تعرضت للضرر والظلم مرتين الأولى عندما تعرضوا لجريمة السطو المسلح والتسليب والخطر على حياتهم تحت تهديد السلاح من أناس باعوا ضمائرهم للشيطان, ومرّة عندما فقدوا رواتبهم الشهرية بذنب لم يقترفوه, فهم مظلومون بكل ماتحمل الكلمة من معنى, فهل يجوز أن يُظلم المظلوم مرة ثالثة من قبل الحكومة التي يقع على عاتقها دستورياً برفع الظلم عن مواطنيها وإنصافهم, فمن يرضى بهذا الظلم واي شرع وقانون يبيح ذلك؟ ان هذه الحوادث سببها الانفلات الأمني الذي تتحمله الحكومة بجميع أجهزتها التشريعية والتنفيذية والقضائية, وليس من العدل أن تقوم بتحميل أخطائها وتقصيرها برقبة المواطن المسكين الذي هو الضحية دائماً.
أنا أضع هذه المظلمة الكبيرة التي تمس شريحة كبيرة من المواطنين الذين أصابهم وسيصيبهم ظلم كبير جراء هذه الإجراءات الغير منصفة على طاولة السادة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب ورئيس القضاء الأعلى وأطالب نقابة المحامين واتحاد الحقوقيين ونقابة المعلمين ونقابة الصحفيين وجميع المنظمات الانسانية بأخذ دورها برفع هذا الحيف الذي تعرض له إخواننا وأخواتنا من اللجان التي تعرضت لهذه الجرائم, وأطالب بتدخل حقيقي لوقف هذه المهزلة القانونية ألتي لايرضى بها اي شرع وقانون, وبإسم جميع المظلومين في هذه القضية أطلق صرخة مدوية (لاتظلموا المظلوم مرّة ثالثة يرحمكم الله).