ما يشدني لطفولتي هي تلك اللحظات التي لا تنسى ولا تعوض وأنا برفقة أمي ونحن في بيوت أذن الرحمن أن يرفع اسمه بها ,لزيارة مراقد أضرحة الأئمة (ع) والحمام ينتشر بين أروقتهم ,الحمام لا يهرب متواجد بكثرة ينتظر طعامه وهو مطمئن دون خجل ووجل ,ليس الحمام وحده يبحث عن السلام والاستقرار ونحن كأناس ايضاً نبحث معه للغرض نفسه ,وننشد الحب والمحبة ,ففي بيتي يوجد على شرفة غرفة النوم حمامة بنت عشها لتجلس على بيوضها وبعد فترة من الزمن يفقس البيض ويخرج صغارها ليروا النور في هذا العالم المليء بالأحقاد والدسائس والدماء المنتشرة للأبرياء دون ذنباً يقترفوه ,لأن هنالك من لا يريد للحمام أن ينعم بالرفاه والطمأنينة ,لأنه يجد في ذلك السلوك اشباعاً وأرضاءاً لذاته المتعطشة لقتل الناس ,وتساءلت مراراً وتكراراً لماذا تأتي الحمامة لمنزلي؟وهنالك بيوت كثيرة بجانبي لا تذهب اليها ,فكان الجواب ابلغ بقول الباري ( فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) انها حكمة الله في خلقه وعباده ,مكوث الحمام في بيوت الأئمة والأولياء والصالحين وبيتي البسيط المتواضع ,لم يناله الأذى والسوء,الحمام وجد وطنه الذي فقده في مكان ما,والوطن ليس تراب وعلم يرفرف في سمائه ,أنه انتماء وشعور وحقوق وواجبات ,فعندما أوحى الله الى ابراهيم ان ابني لي بيت، فبنى الخليل بيت,أوحى الله أليه ثانية و ثالثة حتى بنى ابراهيم الخليل ستة بيوت للعبادة,فأوحى الجليل له ان ابني بيت,فقال ابراهيم الخليل اللهي لقد بنيت و بنيت و بنيت ,فجاءه الرد يا إبراهيم:هل كسيت عريانا؟هل أشبعت جائعا؟ يا إبراهيم ابني لي بيت في قلب عبدي,المبادئ والقيم ليست هي الحل في كل وقت لتجدي نفعاً ,إشباع بطون الجياع ,وتوفير الإحساس بكرامتهم ,وتحريرهم من عوزهم وفقرهم سيصنع منهم أحراراً في دنياهم,ما قيمة القصور الفارهة وزخرفها وخدمها ؟وهنالك أحقاد وضغائن لأفق ضيقة يضمرها ألأخ لأخيه ينطلقون منها في حياتهم,بين مكونات اجتماعية عاشوا لآلاف السنين متحابين سنة وشيعة عرب وكرد وصابئة ومسيح, ,سعادة البيت لا تأتي,ألا أذا توافرت مقوماته وركائزه هي المودة والرحمة وصفاء القلوب ,ونسيان الماضي المؤلم ,الصراع لن يقودنا لأي حل ولن يعبر بنا لشاطئ بر الأمان ,حمامتي رحلت ورحل معها صغارها الذين كبروا وأصبح لديهم أجنحة يطيرون بها ,لكنها أوصت مجموعة سربها من الطيور
ان في منزلي ستعيشون بسلام ,لا طائفية ولا مذهبية ولا نزاعات سياسية وحزبية ,ستنجبون وترزقون الأولاد دون أن يأتي الإرهاب والطائفيين لقتلهم .