يقول الحق :
انا أنزلناه في ليلة القدرِ* وما أدراكَ ما ليلةُ القدرِ* ليلةُ القدرِ خيرُ من الفِ شهرٍ * تنَزلُ الملائكة والروحُ فيها بأذن رَبِهِمِ من كلِ أمرٍ* سلامُ هي حتى مطلِع الفجرِ.(سورة القدر).
سورة قرآنية معظمة ، نزلت في ليلة معظمة ، وسميت بليلة القدر، والقدر هو القدير القادر ،.وهي صفة من صفات الله عز وجل، لان الله مُقدر كل شيء وقاضيه ، وفيها يُفرق الله كل آمر حكيم . وليلة القدر خير من آلف شهر، اي انها ليلة خير من الف شهر ليس فيها قدر، والقدر جمعه أقدار ، وهي الليلة التي تفتح فيها الارزاق وتقضى حاجات المظلومين . وجماعة القدرية ليست لها علاقة بالقدر الرباني،لانهم قوم يجحدون بالقدر وينسبونه الى التكفير، بما قدر الله من الاشياء ، وقيل أنهم ينفون القدر لانهم يريدونه لانفسهم . ويقول العلماء : ان علم الله سبق في البشر ، فمنهم من كفر ، ومنهم من آمن وأغتفر. ويفسر البعض الأخر بأن كل البشر يريدهم الله في هذه اليلة سائرون نحو السعادة والشفاء ان مشوا في طريق الصلاح والاستقامة ، لان مفهوم الخير عند الله مطلق لكل الناس . وان الخير يقابل بالخير من ناحية الناس والسلطة الحاكمة ، وبالجزاء العظيم من الله جلت قدرته العظيمة ، ويقابل نقيضه الشر بالعقاب من جانب الله والسلطة الحاكمة والناس معاً،وهذه المعاني كلها نجدها في أسس نشوء القوانين والتشريعات. ولو بحثت في كتاب روح القوانين لمونتسكيو الفرنسي لوجدت للقدر تقييم كبيرفيه.
فاين جماعات التكفير من آكلة حقوق الله في الآدميين اليوم ؟
من هنا ندرك ان ماجاءت آية قرآنية حدية او حدودية الا ومنافعها معها للبشرية جمعاء ، والآية الحدية هي الآية الآمرية الملزمة في التنفيذ دون أعتراض من أحد، يقول الحق : ( ان الله يأمر بالعدل والاحسان ،النحل 90) أي ان تنفيذها والألتزام بها أمرُ، والحدودية هي مفتوحة التفيذ ، اي تحتمل المرونة كقول الحق 🙁 ذلك بأن الله هو الحق وان ما يدعون من دونه هوالباطل،الحج 62 ) . وهذا هو السر في الاعجاز القرآني العظيم. فليلة القدر هي اعظم واجل من ان تقرأ وتنسى او تتخذ وسيلة لبراءة الخارجين على الأرادة الآلهية وحقوق الوطن والناس لأن الله لا يعفي عن جرم مقصود، لذا من واجبنا وضعها على راس المنهج الدراسي في المدرسة والجامعة بكل شروحها لتكون طريقا قويما للطالب منذ الصغر،
ففيها من المعاني ما تعجز عنها التربية المعرفية والدراسات الفلسفية.
يقول البعض انها سميت بليلة القدرلأنها جاءت من الشرف ، فالشرف قدر عظيم عند الله والانسان . وقيل انه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة من الخير والبركات للناس آجمعين ،وهي حكمة من حكم الله عز وجل . وقيل ان للعبادة في هذه الليلة قدر عظيم لقول رسول الله (ص) :(من قام ليلة القدر ايمانا وأحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) ، والحديث عندي بحاجة الى مراجعة ، فهو واحد من الاحاديث الكثيرة التي وردت بلا سند ثبت لتمرير الخطأ المرتكب من قبل فاعليه قصداً لخدمة السلطة واعوانها من المنحرفين وهذا مستحيل ومناف للحق المطلق ، لكونه يسبغ على المجرمين والقتلة وسراق المال العام وخونة الاوطان الاحتساب والمغفرة لمجرد الطاعة في ليلة القدر.،وهذا يتناقض مع قول الحق :(من قتل نفساً بغير نفسٍ او فسادٍ في الارض فكأنما قتل الناس جميعا. ويتناقض مع الآية 43 من سورة التوبة التي تقول : ( عفا الله عنك لمَ أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين). فكيف يتوائم الحديث مع النص.ولقد اكثر الفقهاء في علاماتها المقارنة واللاحقة لكنها كلها من باب الحدس والتخمين وقوة التصاقهم بالدين دون النظر بمعرفة اسسه القويمة وطرق تنفيذها. ان الله عز وجل لا يعفو الا بدليل ، ولا يشمل معاصي الماضي الذي نفذت بقصد المصلحة الخاصة لأن ذلك فيه ظلم واعتداء على الأخرين، والله لا يحب المعتدين، ولو جاز ذلك بمجرد عبادة ليلة واحدة لفسدت الكثير من الناس بأمل العفو في تلك اليلة ، فهي واضحة لاحاجة للمقارنة والتخريجات فيها ،
وهذا ما تعلمناه خطئاً في المنهج الدراسي حتى اصبح الخطأ مستساغا عندنا بتقدير .
لهذه الليلة المباركة فضائل كثيرة ذكرت في القرآن : منها انها ليلة التبريك للمسلمين والمؤمنين وكل من آمن بالله واليوم الاخر، وقيل ان فيها تكتب الارزاق والاجال (فيها يفرق كل أمر حكيم). وهذا حديث اخر بحاجة الى أثبات ،فالآية 145 من سورة آل عمران تقول :(وما كان لنفس ان تموت الا باذن الله كتابا مؤجلا ). اي ان اعمار الانسان غير ثابتة . وفي الارزاق يقول الحق : (وفي السماء رزقكم وما توعدون ،الزخرف 31).وهنا يبين الله ان ارزاق الناس ليس محددة سلفا . وان اعمال الانسان ليست مقدرة عليه سلفا يقول الحق : (فعالُ لما يريد ُ البروج 16 ) ولم يقل عمالُ لما يريد . والملائكة لا تسجل اعمال الناس الا بما يتوافق وخط الاستقامة وليست كل الاعمال . ويقول الحق ايضا : ( كراما كاتبين،يعلمون ما تفعلون،الانفطار 11،12) . وفيها تنزل الملائكة الى الارض بالخير والبركة والرحمة والغفران لقوله تعالى :(تنزل الملائكة والروح فيها بأذن ربهم من كل امرٍ). ليلة خالية من الاثام والشرور وتكثر فيها اعمال الخير والطاعة والسلامة من العذاب
2
وهي كلها سلام يقول الحق: (سلام هي حتى مطلع الفجر). وليلة القدر تذكير ملزم للناس بضرورة الاستقامة والحق والعدل وليس لغفران كل من تعمد الخطأ وأذنب بالكبائروسرق المال العام والخاص وخان الوطن ،والا لفسدت الحياة ولم يعد للحق من قيمة. ويقول الامام علي (ع) :
ان الحق القديم لا يبطله شيء،فأن في العدل سعة ومن ضاق عليه العدل ،فالجور عليه أضيق. فهيهات يعفو الله في ليلة القدر عمن اعتدى وظلم وخان الوطن والناس .
انها فلسفة ميتة من فلسفات وتخريجات فقهاء الدين.
وعلى ما تذكره المصادر الثبت ان رسول الله(ص) قال في هذه الليلة المباركة : يُحيي المسلمون ليلة القدر بذكر الله تعالى وعبادته فيكثرون فيها من الصلاة وتلاوة القرأن الكريم وعمل الخير .ويدعو المسلم بما شاء من طلب الخيرات في الدنيا والاخرة ، لنفسه ولوالديه ولاهله وللمسلمين وتقام في مساجد الله بالدعاء الكثير. وطلب الرحمة من الله القدير.و الله عز وجل هو المستجيب بما يتوافق مع الحق والعدل ولا غير.
وعلى ذكر الاحاديث النبوية الشريفة : ان التوراة أنزلت لست مضين من رمضان، وانزل الانجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان،وانزل القرآن لخمسٍ وعشرين ليلة خلت من رمضان.والحديث الشريف يعلمنا بأن القرآن نزل بهذه الليلة المباركة من رمضان ،ولكن ليس كل القرآن،وهناك وجهات نظر اخرى في تحديد الليلة، لكن الثابت ان القرآن الكريم بدأ نزوله في العشر الاواخر من رمضان..وليس لانه لا تكون الا فيه ،والا فأنها قد تصادف الليلة الاولى او الثانية او غيرهما والحكمة من اخفائها كي يتحقق اجتهاد العباد في ليالي رمضان كلها طمعا ًمنهم في أدراكها وجني ثمارها للأبتعاد عن كل أمر مسيء ،
والخارجون عن الحق والأستقامة وخونة الاوطان والساكتون على الباطل ليسوا من المسلمين ولا من المؤمنين ولا تشملهم حسنات ليلة القدر..
وما دمنا في ليلة القدر علينا ان نعرج على القضاء والقدر كما ورد في القرآن الكريم لنتعرف على النص القرآني ونبتعد عن الفرضيات المتناقضة التي تشوبها العاطفة الدينية لنلجأ الى التفسير العلمي للمصطلحين وكيفية ورودهما في القرآن،.
أبتداءً نقول ان كل الايات القرآنية التي نزلت على رسول الله تمثل قوانين الوجود وظواهر الطبيعة واحداث التاريخ التي حصلت فعلاً في عالم الانسان.لان الحدث التاريخي هو قضاء قبل وقوعه وقدر بعد وقوعه. لذا فأن قوانين الحدث صارت حتمية بعد وقوعها وسجلها القرآن ليس على سبيل العضة والاعتبار، ولكن على سبيل التحقق المادي للحدث التاريخي المذكورلاثبات صحة النص القرآني، فهنا يظهر لنا ان القضاء هو حركة انسانية واعية بين النفي والاثبات ضمن الوجود ، أما القدر فهوالوجود الحتمي الملموس للاشياء لكنه خارج الوعي الانساني،كما في قصص أهل الكهف والجنة والنار وولادة السيد المسيح وعصا موسى،اي ان القدر لا يدركه العقل الا بعد وقوعة . فأذا تعمقنا في الايات القرآنية نراها مواعظ واحكام ووصايا ونصائح وتعليمات تصب في السلوك الانساني لمنفعة البشرية بعامة وليست بخاصة ،وهنا تكمن قيمة النص القرآني الحضارية التي لا تفرق بين الاجناس والديانات ابدا . فالاسلام خالي من الفِرق المذهبية ، والمذاهب اجتهادات شخصية غير ملزمة في التطبيق،واصبحت بفعل التطور الزمني تاريخ ، الا على القدر والاستطاعة بعد ان ابتعد زمانها ، ويجب ان لا تكون سببا من اسباب فرقة المسلمين وتشتتهم بما فيها حرية الايمان بالعقيدة من عدمها كما هو اليوم .
هذه هي حرية الاختيار الانساني بأجلى صورها ، يقول الحق :(من شاء منكم فليؤمن ومن شاء منكم فليكفر انا اعتدنا للظالمين نارا ولم يقل للكافرين ، لان الظلم ممارسة انسانية بين المؤمن والكافر..ولهذا جمعت الايات القرآنية القضاء والقدر معا، لان القدر وجود موضوعي والقضاء سلوك انساني وهنا تتكامل النفس البشرية لاداء مهمتها الانسانية ،فالنص القرآني ملزم للتطبيق لانه قانون للبشر لا يجوز اختراقه بشكل كيفي ابدا،لا من قبل الفرد ولا من السلطة الحاكمة،لانه مقيد بقانون آلهي ملزم ومن يخرج على النص خرج على التشريع الآلهي وعدَ مذنبا . ولو ألتزمنا به نحن المسلمون لما ضعفنا ووهنت عزيمتنا ومزقت أوطاننا وضاعت ثروتنا وتبعثرت بين الأمم والفاسدين والمفسدين من حكامنا اليوم الذين نسوا الله والقرآن ونساهم الله وسيحشرهم يوم القيامة عميان لا يبصرون؟ ، وتحكم فينا من لا يؤمن بديننا ولا يرحمنا،وهي مفارقة لا تقبل علينا ابدا، وليس لها من تبرير امام الله والتاريخ ولا يعفى منهم من احتسب ليلة القدر احتسابا فكل فعل مقدر بميزان ، يقول الحق : (من عمل مثقال ذرة خيرا يرَ،ومن عمل مثقال ذرة شراً يرَ) . والقرأن يرفض ان نكون خاضعين لغيرنا في السلم والحرب،رغم انه يحثنا على السلام (سلام هي حتى مطلع الفجر)ومعايشة الناس بالحسنى والوئام وعدم الاعتداء على الحقوق العامة والخاصة والتمييزبين المواطن والاخر،وحفظ حقوقهم وتنفيذ الأمن والأطمئنان والكفاية والعدل بينهم .
لكن الخضوع شيء وتطبيق النص الملزم شيء اخر كما نلاحظه اليوم عند بعض الناس والحاكمين ..؟.
ان القضاء والقدر، والحرية والعدالة ، هي اساس الحياة البشرية ، وكلها جاءت تقريرية أي ألزامية ،وحدية ملزمة في القرآن،أنظر سور النساء 79،78الآية ،الاسراء 23 والكهف 29،فكم نحن بحاجة الى تأويل جديد للقرآن الكريم لننتزعه من أيدي الفقهاء ومرجعيات الدين الذين لا يعترف القرآن بهم ولا يخولهم حق الفتوى على الناس. ويستند على الفكر العلمي لكي يصبح القرآن قانونا يطبق،لاكتاباً يقرأ على الاموات وبرؤوس تتحرك في الزوايا والتكايا للمقعدين وفاقدي البصر، و الترتيل هو تنظيم موضوعات القرآن، لفهم وعورة ما يشتمل عليها القرآن من علم.،مُزيلاً لكل الفوارق بين المسلمين التي خلقتها الفِرق الاجتهادية وسمتها بالمذاهب خطئاً،منطلقة من فكر أحادي منغلق وزادت عليها من عندها الكثير بعد ان دلست النص القرآني لصالح التفسير الاحادي ، واستخدمت قاعدة الترادف اللغوي الخاطئة التي تتعارض وتاويل النص،وما هذه الاجتهادات التكفيرية الباطلة التي يتزعمها بعض رجال الدين اليوممن المتشددين ،الا نتيجة لهذا التفسير القرآني الأحادي الخاطىء . ولقد نبهنا الى ذلك العلامة أبي علي الفارسي في منهج مدرسته اللغوية وأبن جني في نظريته الخصائص والجرجاني في نظرية دلائل الاعجاز،وأيدهم الجاحظ المعتزلي، لان اللغة ظاهرة اجتماعية وهي متلازمة مع التفكير ومن هنا انكروا الترادف . لم تكن ليلة القدر مخصصة للعبادة فحسب بل للعبادة وتحقيق حياة الناس في الامان والعيش الرغيد وهي مدرسة للحاكم والمواطن في ألتزام مبدا الحق والعدل وتحقيق حياة الناس في الامان والعيش الرغيد وتحقيق مفاهيم العدالة الأجتماعية المطلقة التي نادى بها القرآن الكريم بين الناس ،
3
وليست لغفران ذنوب السارقين والفاسدين والمفسدين والمدلسين وخونة الاوطان وباعة الثوابت الوطنية من المشعوذين كما روج لها وعاظ السلاطين .
فسلام على ليلة القدر يوم كتبت في اللوح المحفوظ ، ويوم نزلت على رسول الله(ص) ، ويوم بشر بها القرآن لفظاً وتطبيقاً ، لا قراءة وتجويدا ، كما يرتلها القراء وفقهاء الدين ً .وليعلموا ان من خان الوطن وسرق امواله وتسبب في قتل الناس بالباطل وتعاون مع الغريب في بيع الثوابت الوطنية للاخرين ، وأخترق القسم الملزم ، وساهم في قتل الناس بدون وجه حق ، ان الله سوف لن يغفر له ولو عبد الدهر كله لانه والقوانين الآلهية على طرفي نقيض. فلا دعاء
يقبل له ، ولاحجة تزكى له ،ولا أثم يمحى له، وهو وكل الظالمين في خزي الدنيا و في نار جهنم من الخالدين .